الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٤ مساءً

إقليم تهامة ... نموذجا "مديرية كعيدنة والساحل التهامي"

إبراهيم القيسي
الأحد ، ٢٣ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٥ صباحاً
تقع مديرية كعيدنة على جبال السراة المحاذية للساحل التهامي الممتد مع مديرية الزهرة غربا حتى يصل إلى حدود مديرية عبس ويقع جزء كبير من مديرية كعيدنة في منطقة حجور البشري وهي جزء من جبال السراة المحاذية مع امتداد الساحل التهامي ويقع الجزء الآخر منها في إطار الساحل التهامي وهي المناطق الجنوبية الغربية والشمالية الغربية وتتآزر كعيدنة مع تهامة في الالتقاء في كثير من الظروف الاجتماعية والعادات والتقاليد والثقافة وبحكم القرب والجوار والتداخل الثقافي والاجتماعي والتجاري فهناك عادات وتقاليد مشتركة في هيئة الشكل والملبس وإعداد الطعام والموروث الشعبي وهناك الأسواق المشتركة التي تستوعب أبناء المنطقتين في سوقي الخميس والمعرس وهما سوقان كبيران يرتادهما الكثير من أبناء المحافظات المجاورة مثل الحديدة وحجة والمحويت وعمران .

ويتشابه سكان مديرية كعيدنة مع سكان تهامة في كثير من الصفات وخاصة المناطق الحدودية مع تهامة فهناك التشابه في المسكن والمأكل والزراعة والمهنة ويغلب على سكان المنطقتين الروح المسالمة فلا يعتدون على أحد بالإثم والعدوان ولا يدخلون مع بعضهم البعض في نزاعات قبلية إلا في النادر وغالبا ما تحل بتحكيم قبل فوات الأوان ويمتلك سكان المنطقتين سجايا أخلاقية راقية فالسكان هنا يمتاز بالكرم الطبيعي غير المتكلف والصدق في التعامل والوفاء بالوعد ويغلب على سكان المنطقتين الفقر بسبب عدم توفر الفرص للعمل فجل السكان يعتمدون على الزراعة الموسمية بانتظار سقوط المطر من السماء صيفا وخريفا وكذا يقومون بالرعي ومزاولة بعض أعمال التجارة وجل السكان يعتمدون على الاغتراب في المملكة العربية السعودية فالغالب على سكان المنطقتين بساطة العيش والمسكن فالغالب يسكن في عشش وسقائف والغرف المبنية من البلك والخشب في صورة بيوت شعبية وسكان المنطقتين يتشابهان من حيث الحرمان من المشاريع الخدمية الضرورية مثل الكهرباء والصحة والمياه والمدارس ويغلب على سكان المنطقتين الجهل فنسبة الأمية قد تصل إلى 85% وهذا يرجع إلى إهمال الدولة في عهد الرئيس صالح لهاتين المنطقتين على مدى ثلاث عقود ونيف الأمر الذي جعل سكان المنطقتين يعيشون في ظلام الأمية المفروض .

ونتيجة الجهل السائد في المنطقتين مازال يسيطر على السكان نظام المشيخات المدعوم من الرئيس صالح والذي عمل على تأسيس نظام أسري متماسك ومسيطر سيطرة كاملة على الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويسعى لتفتيت أي جيوب لأي مقاومة تظهر تريد الارتقاء بالمواطن إلى سلم الحياة الجديدة واستنشاق نسيم الحرية والعدل لأن تكتل المشيخات قد عمل على إيجاد ظروف مناسبة تعمل على تفتيت المجتمع في حال إرادته الارتقاء بالتعامل الحياتي وتوزيع المسئوليات على الكفاءات المؤهلة لتحقيق مشاركة فعالة في مجال إدارة المديريتين بنسبة تحقق الحضور السكاني والتمثيل المجتمعي غير أن الظروف السيئة التي تحيط بالمواطن في هاتين المديريتين قد عملت بأقدار المتنفذين الذين طوقوا مجال الوظيفة الحكومية وأسروا نظام المسئولية في نطاق أسرهم الأمر الذي جعلهم يظهرون بتميزهم في المظهر والمسكن وسيطرتهم على أسواق التجارة وطرقها وكذا نظام الضرائب والوظائف والتسهيلات الجمركية جعلهم في مكان عال حيث قد عكس هذا الارتقاء العبثي التناقض الحياتي والتمايز الاجتماعي بين طبقتين طبقة السادة التي يمثلها هؤلاء المشايخ وطبقة المواطن المسحوق والذي يعيش حياة البؤس والانكسار وغالبا ما يستغل للابتزاز من هذه الطبقة المرموقة والتي ترى في نفسها القوة والشموخ وتعتقد إن الحكم لا يجوز إلا في دمائها والسلطة لا يستحقها أحد من خارج دائرة الأسرة ومن حاول التفكير أو مجرد الكلام فربما تتعرض حياته للأخطار الكبيرة .

وربما تكون مديرية كعيدنة أحسن حالا من جارتها التهامية من ناحية كونها يوجد بها بعض الظروف التي تمنعها من الذوبان في بوتقة الجهل والتبعية الكاملة لنظام المشيخة المسيطر بنسبة 100% وذلك بفعل بعض الثقافة النسبية التي يتحلى بها بعض سكان المديرية أما من حيث المشاركة في إدارة الدولة فهذا خط أحمر لا يجوز حتى التفكير فيه ومن العجيب تجد قمة الغنى والرفاهية محتكرة على تلك الأسر الوارثة وتجد الفقر والبؤس يسيطر على عامة السكان بسبب انعدام فرس العمل والعيش البدائي المحتوم الذي فرضته تلك المشيخات حتى تبقى ضامنة البقاء في منزلتها العاجية ليبقى من الصعب الترقي والوصول إلى مكانتها وهذه الآفة لازالت تؤتي أكلها على رغم الأحداث الثورية وسقوط سندها الداعم بفعل الثورة الشبابية ولاشك أن هناك عوامل ساعدتها على البقاء ومن تلك العوامل ملوحة التربة التي عملت على تنمية شتلات هؤلاء المتنفذين ووأد غراس التغيير وذلك يرجع إلى قدرة هؤلاء المتنفذين على التعايش مع الظروف المتناقضة سلبا وإيجابا إضافة إلى ضعف المقاومة المنشودة المتفتتة بفعل تركيز الأشعة الليزرية الموجهة من هؤلاء لأي حركة ناشطة في المديرية .

إن التحرر من هذه التقاليد المورثة يحتاج إلى وعي ثقافي عال ويحتاج إلى إيمان بعدالة القضية التي يسعى لها وذلك يرجع إلى تكوين مجتمع راق يبعد عن طقوس التبعية ويسعى بيقين إلى إيجاد ظروف مواتية للخروج من بيئة الأسرة المتنفذة ويعمل جاهدا على توعية الأجيال لتصل إلى معرفة هويتها وتحرير حريتها من الرق وتنوير عقولها بحقائق الثقة بالنفس والجدارة بالمطالبة بالحقوق والواجبات والخروج من إطار الاحتكار للسلطة والثروة والدعوة إلى عدالة المشاركة على أساس الكفاءة بعيدا عن الحزبية والأسرية .

إن شباب هاتين المنطقتين يقع عليهم المسئولة الكاملة لخوض لجج التغيير وعليهم ركوب قوارب النجاة على ثبج ذلك البحر الهائل والذي ظل يعصف بالأنانية والأسرية والأثرة وحب الذات عقودا متطاولة استلبت فيها الحقوق وانتهكت فيها الأعراض وجهل فيها المجتمع على أسس جاهلية منبثقة من ثقافة الأنانية وحب التسلط ويجب عليهم التسلح بالمعارف العلمية والتقلد بشرف الوسام المعرفي الذي سيكون النور الهادي إلى طريق الحرية والسلام المنشود كما يجب عليهم الوعي الكامل بالدور الذي سيلعبه كل شاب في هذا المضمار متحملا وعورة الطريق ومشقة السفر وظلام السبل المؤدية إلى الهدف المطلوب .

إن هؤلاء الشباب يجب أن يخرجوا عن روتين الحياة التقليدية إلى حياة الوعي الفكري والزخم الجماهيري الهادر والذي يجب أن ينطلق من مبدأ التغيير الشامل التغيير الذي يسبر مجاهل الحياة بكل تقلباتها وأطيافها من أجل التغيير الذي يعلن الثورة الدائمة والشاملة على مزابل الظلم ومستنقعات الأثرة وبيارات الاحتكار يجب أن يقترن ذلك التغيير بيقين ثوري وبانقلاب فكري وثقافي واقتصادي واجتماعي يعمل على إثارة الإعصار الذي يضع القوى التقليدية في مهب دورانه ليطيح بكبرياء الذات المتعجرفة والتي ظلت لعقود متتالية ترى أحقيتها في الحياة بعيدا عن المواطن المغلوب الذي ظل طيلة تلك العقود يقدم القرابين الثمينة ويحرق بخور الولاء بين يدي هؤلاء وكلما زاد في الولاء زادت ضغوط الظلم وكثرت الطلبات واستمرت التنازلات إلى درجة تصل إلى شبه التقديس والعبادة لهؤلاء الذين ما حملوا يوما ضميرا للشفقة أو الرحمة
لذلك المواطن البئيس .

وختاما أرسل إلى أبناء هاتين المنطقتين رسائل إيقاظ وانتباه ليصحوا من السبات وينتبهوا من النوم الذي يغطون فيه فما بقي هناك من وقت فيجب عليهم البدء في التغيير وأن يمارسوا ذلك العمل عن قرب وأن يهيئوا التربة الصالحة ليبذروا فيها بذور الثورة والتغيير ويسقوها بماء الجهود الجبارة ويحرسوها من عنت القوى الانتهازية حتى تؤتي أكلها وتثمر بالتغيير وبالحق والعدل والحرية.