الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٥ مساءً

واقع التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن

محمد المخلافي
الثلاثاء ، ٢٥ فبراير ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
إن أهمية التعليم مسألة لم تعد اليوم محل جدل فى أى منطقة من العالم، فالتجارب الدولية المعاصرة أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك من أن بداية التقدم الحقيقية بل والوحيدة هى التعليم وأن كل الدول التى أحرزت تقدماً في شتى مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية جاء هذا التقدم من بوابة التعليم، بل أن الدول المتقدمة تضع التعليم فى أولوية برامجها وسياستها. ويعد التعليم العالي المرحلة الثانية من مراحل التعليم حيث يدرس الطالب في التعليم العالي مجالاً متخصصاً يؤهله للعمل في أحد ميادين العمل بعد أن ينال إحدى شهادات جامعية في تخصص معين بعد دراسته الجامعية. فالتعليم العالي هو امتداد للتعليم العام (الاساسي والثانوي) وتعاني الجامعات والكليات اليمنية نفس ما تعانيه المدارس بشكل عام من من تدهور وتدني في المستوى التعليمي وتفتقر إلى ابسط معايير البيئة التعليمية، وسياسة التعليم في اليمن لم تعد متوافقة مع المعايير الدولية والتوجهات العامة للسياسات التعليمية، ولهذا احتلت اليمن ذيل التصنيفات العالمية لأفضل الجامعات العالمية، ولعل من الأسباب التي أدت إلى الوضع التعليمي المتدني بالجامعات اليمنية:

الرؤى الاستراتيجية:

انشاء الجامعات تتم على أساس رؤية سياسية أو مجتمعية لا على أساس رؤية علمية وهدف واضح كما أنها تفتقر إلى التخطيط الصحيح والإستراتيجية التعليمية الدقيقة والواضحة، ويلاحظ زيادة كمية لعدد الجامعات والكليات الحكومية والأهلية وغياب معايير الجودة والنوعية والمخرجات التعليمية التي تلبي متطلبات السوق واحتياجاته، وكل ما يتردد على مسامعنا من قبل مسؤولي وزارة التعليم العالي أو مسؤولي الجامعات والكليات هو عبارة عن مصطلحات يتم تداولها فقط للاستهلاك الاعلامي أو للتغني بها في المناسبات والاحتفالات أي بمعنى اوضح وكما يقول المثل "نسمع جعجعة ولا نرى طحينا". كما أن الجامعات والكليات لاتهدف إلى بناء المعارف العامة وبناء العقل الإنساني للطالب اليمني وإنما إلى اجتيازه لمراحله الدراسية وصولا إلى التخرج والتفكير في البحث عن الوظيفة، كما أن تعيين اغلب رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الحكومية ورؤساء الاقسام يتم بقرار سياسي أو حزبي ومعظمهم اعضاء بارزين في احزاب ويعملون بصفاتهم الحزبية أكثر من الاكاديمية، وقيام بعض من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية بالعمل في الجامعات الأهلية أو في منظمات أو مؤسسات أخرى، أو انشاء وتأسيس لجامعات أو مؤسسات الأهلية بسبب عدم وجود أنظمة ولوائح لتقييم ومراقبة قيادة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية وهذا يؤثر سلباً على نوعية التعليم والكفاءة في عملهم الأساسي في الجامعات الحكومية.

الفساد المالي والاداري:

كما أن من أهم الاسباب التي أدت إلى تردي التعليم العالي في اليمن هو تفشي الفساد المالي والاداري وعدم الشفافية في جميع الجامعات اليمنية ويتمثل في خرق اللوائح والقوانين الاكاديمية والإدارية من أجل المصالح الشخصية أو الولاءات الحزبية أو العلاقات الشخصية أو المحسوبية من خلال التعيين والترقية والحصول على المنح الدراسية والالتحاق بالتعليم العالي والدراسات العليا دون الخضوع للمنافسة والكفاءات والمؤهلات، وانشغال رؤساء الجامعات ونوابهم وامناء عموم الجامعات بالسفريات والبدلات التي يتقاضونها ولو صرفت هذه المبالغ للبنى التحتية أو الأنشطة الجامعية أو الدورات التدريبة أو البحث العلمي لجلبت النفع والفائدة للجامعات، وموازنات مخصصة لما يسمى بجودة التعليم والأنشطة والفعاليات المختلفة والبحث العلمي ولا وجود لها على أرض الواقع، والاهتمام بزيادة عدد طلاب التعليم الموازي على حساب طلاب التعليم العام كونه يدر على المستفيدين اموالا طائلة لأن معظم ايرادات التعليم الموازي تذهب إلى جيوبهم، كما أن الرسوم التي تفرض على الطلاب سنوياً يتم التصرف بها بشكل غير منظم ولايخدم العملية التعليمية بشكل أساسي، واستقطاع المستحقات المالية للطلاب المبتعثين للدراسات في الخارج كما حدث مؤخرا مع الطلاب المبتعثين في ماليزيا، وغياب الرقابة وتقييم الأداء وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على هيئة الادارة الجامعية واعضاء هيئة التدريس، وشهادات جامعية تباع وتشترى في الداخل والخارج وعن طريق سماسرة الجامعات وقد ضبطت اجهزة الامن السعودي العام الماضي شهادات مزورة بحوزة ممثل إحدى الجامعات اليمنية لبيع الشهادات المزورة في جدة.


المقومات التعليمية:

ومن الاسباب اعتماد المناهج والمقررات الدراسية في الجامعات الحكومية والأهلية اليمنية على الأسلوب النمطي التقليدي والقديم القائم التلقين والحفظ الكمي للمعلومات العامة التي لافائدة منها في الواقع العملي ولا تتماشى مع التطورات المعاصرة، فلا توجد جامعة تتميز بكليات أو تخصصات نوعية تنفرد بها أو مناهج وأساليب تعليمية متطورة بل نجد الكثير من المقررات التعليمية نفسها تتطابق في معظم الكليات في جميع الجامعات. كما نجد أن المحاضرات الجامعية في معظم الجامعات الحكومية والأهلية هي عبارة عن ملخصات (ملازم) تطبع وتنسخ من مراجع وأحيانا يتم تعميد اسم مدرس المادة على الملخصات دون مراعاة حقوق المؤلف والتأليف الادبية والفكرية أو أنها تكتب بطريقة عشوائية من قبل مدرس المادة، وتوزع لمراكز التصوير لبيعها للطلاب في المكتبات بدون رقابة ومسؤولية من قبل ادارة الجامعة أو الوزارة المعنية وتحولت مهنة الأستاذ الجامعي الأكاديمية إلى عمل روتيني ممل لا أكثر، وتحول الطالب إلى آلة لحفظ المعلومات والتي تزول بزوال الامتحانات. وتتنافس الجامعات الحكومية في امتلاك أراض واسعة وليس لديها بنى تحتية حديثة من قاعات دراسية كافية أو مناسبة أو مزودة بوسائل التعليم الحديثة، والحرم الجامعي غير محاط باسوار مرتفعة يصعب اجتيازها لذا فقد اصبح الحرم الجامعي مكان للتنزه أو مرعى ومأوى للحيوانات أو ملاعب رياضيه أو أشبه ما يكون بالمعسكرات لتواجد الجيش أو الامن بداخل الحرم الجامعي، أو مكان لصراع اطراف مختلفة وقد سقطت طالبتان استشهدت احداهما وجرحت الاخرى العام الماضي بسبب اطلاق ناري داخل الحرم الجامعي، كما أن بعض الجامعات التي تم انشائها مؤخرا مثل جامعة عمران وليس لديها أي بنى تحتية ومبانيها معارة أو مستأجرة من جهات اخرى، ومن البنى التحية الغير متوفرة هي السكن الجامعي وإذا توفر فإنه لا يستوعب الا عدد محدود من الطلاب ويكون مكتضا ويفتقر إلى ابسط الخدمات الاساسية وهي الماء والنظافة والصيأنة.

المعامل العلمية:

من المعروف أن هناك جانبين من الدراسة في الكليات العلمية والتطبيقية وهي الجانب النظري والجأنب العملي يعملان بتوازي مع بعضهما، فما يدرسه الطالب في الجانب النظري يمارسه ايضا في المعمل من اجل الخروج بفائدة حقيقية ملموسة وبحيث تكون مخرجات التعليم اقوى، الإ أن الجامعات اليمنية تعاني إما من عدم وجود معامل أو اغلاقها أو عدم توفر العدد الكاف، غير أن المعامل المتوفرة ينقصها الاجهزة والادوات والمواد المستخدمة فيها وغير مزودة بأحدث الاجهزة وتفتقر إلى الأجهزة والوسائل المتطورة، وأغلب هذه المعامل عبارة عن هبات من القطاع الخاص أو من بعض الدول الشقيقة أو الصديقة، وبسبب نقص المعامل يضطر القائمين على المعمل على تقسيم الطلاب إلى مجموعات وقد ربما لا يحصل الطالب الإ على فرص محدودة بالفصل الدراسي الواحد للتطبيق في المعمل، كما أن نقص المواد داخل المعمل قد تلغي اجراء بعض التجارب والتطبيق العملي ويضطر الطلاب إلى مغادرة المعمل دون استفادة، وفي حال توفرت الامور السابقة لا يمكن اغفال تغيب المعيد والفني سواء للاضراب أو غيره خصوصا واغلبهم يعملون بنظام التعاقد، كما أن بعض القائمين على العملية الاكاديمية في الكليات والأقسام العلمية وللاسف يرون أن الغرض من المعمل ليس للتطبيق والاستفادة والحصول على مخرجات علمية جيدة وإنما لاسقاط واجب كونها كلية أو قسم علمي. أما بالنسبة لمعامل اللغة فلا يوجد في الجامعات اليمنية أي معمل خاص بتدريس اللغة بحيت تتواكب مع الحياة العصرية.

البحث العلمي:

يعتبر البحث العلمي من أهم ركائز التعليم العالي ومن أهم المؤشرات على تقدم الدول، لذا تولي الدول اهتماما كبيرا به من حيث تطوير مؤسساته، وزيادة عدد الابحاث العلمية، وزيادة الإنفاق عليه ووضع موازنة عالية جدا له، ومع ذلك فإن البحث العلمي في اليمن يعاني من شلل شبه تام في جميع المؤسسات التعليمية والمراكز البحثية واهمها الجامعات اليمنية، فالحكومة اليمنية لا تولي أي اهتمام للبحث العلمي، ووزارة التعليم العالي تعاني من انعدام الرؤية الاستراتيجية بحيث يعطى للبحث العلمي قيمته التي ينبغي أن يحصل عليها، والبحث العلمي في الجامعات الحكومية يحتل اهتماما هامشيا، فلا موازنة معتمدة وإن وجدت فهي غير كافية وقد تصل إلى مليون أو المليونين ريال سنويا كحد أقصى للجامعة الواحدة وتذهب لجيوب المستفيدين، لذا فإن غياب الدعم المادي والمعنوي والتشجيع والمكتبات العامة بمختلف المراجع العلمية العربية والاجنبية وغياب حركة الترجمة، والوسائل المختلفة التي يتطلبها البحث أدى إلى عزوف الباحثين، وكل ما لدى الجامعات هي عبارة عن بحوث تخرج لطلاب البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراة، أما بالنسبة لاعضاء هيئة التدريس في الجامعات فقد عزفوا ايضا عن تقديم البحوث والدراسات الدورية نظرا لعدم وجود سياسات ملزمة لهم بالبحث والدراسة، وليس لدى الجامعات مطابع خاصة أو مجلات علمية مختصة تتضمن نشر الدراسات والأبحاث والتقارير والدراسات الدورية ضمن برامج اكاديمية سنوية تمنح لأعضاء هيئة التدريس والطلاب والباحثين. كما أن من اسباب غياب البحث العلمي في الجامعات اليمنية هو تدني مستوى التعليم وشحة الامكانات المادية وعدم توفر البيئة البحثية المناسبة للطالب أوالباحث اليمني، وقيام اساتذة الجامعات بالاشراف على البحوث النظرية لأن البحوث العلمية تتطلب جهدا اكبر، كما أنه يتم اختيار مشرفين غير متخصصين للاشراف على رسائل الماجستير والدكتوراة.

الجامعات الاهلية:

أما الجامعات الاهلية فالهدف الرئيسي من انشاؤها هو الاسهام بشكل فاعل في التنمية المجتمعية وفي دعم الاقتصاد الوطني وتنمية موارده، غير أن ما هو حاصل في بلادنا يؤكد العكس من ذلك تماماً خاصة وأن الجامعات الأهلية في اليمن مؤسسات تجارية أكثر منها تعليمية في ظل غياب أوتغييب الرقابة التعليمية، فاغلب هذه الجامعات تعمل بدون تراخيص ولا رقابة أو تفتيش، ولا تمتلك بنى تحتية من قاعات دارسية وحرم جامعي ومعامل علمية ومكتبات عامة، فاغلب هذه الجامعات عبارة عن شقق أو مبان سكنية عليها لوحات ضوئية لافتة توضح الكليات والاقسام وبعضها وهمية وتقع في أحياء مكتضة بالسكان، ورؤساء جامعات وعمداء كليات والكادر الاكاديمي من حملة شهادة البكالوريوس وربما بتقدير جيد أو ما دونه، ويتم تدريس المواد الدراسية من قبل كادر غير متخصص أو من قبل كادر الجامعات الحكومية، وكل جامعة أو كلية أهلية لديها سياسات واجراءات خاصة فيما يتعلق بمعايير التسجيل والقبول للطلاب وسير العملية التعليمية حيث التسجيل والقبول وتحديد الطاقة الاستيعابية بحسب العرض والطلب نظرا لغياب قانون ينظم التعليم العالي الأهلي، والذي يقوم على نظم غير واضحة، والمخرجات التعليمية لمعظم الجامعات الاهلية سيئة جدا، كما أنه يتم منح الشهادات العلمية لجميع الطلاب سواء أكانوا متفوقون أو فاشلون أو متغيبون عن الدراسة.


المعالجات:

إن معالجة الاسباب التي ذكرنا سابقا يكمن في الاهتمام بالتعليم ابتداء من التعليم العام وحتى التعليم العالي والدراسات العليا وتكون هناك رؤية علمية لتطوير التعليم في اليمن تعتمد على رسم سياسات وخطط استراتيجية جديدة ومتطورة بحيث تتواكب مع تطوارت العصر، وإيجاد قاعدة تعليم متميزة ترتقي بجودة المخرجات التعليمية تلبية لحاجات سوق العمل، وتضمن تمكين المؤسسات التعليمية من تعزيز وتحسين مستوى جودة أدائها، ووضع لوائح وقوانين منظمة لسير العملية التعليمية لضمان النوعية والجودة في مخرجات التعليم العالي بعيداً عن العشوائية. وعلى الدولة إذا أرادت أن تدعم التعليم بمراحله المختلفة وأن تولي اهتمامها بالتعليم العالي، وتدعم استقلال الجامعات استقلالا إداريا وماليا، وأن ترفع موازنات الجامعات بحيث تمكنها من تسيير العملية التعليمية وتطويرها. وعلى وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية القيام بمكافحة الفساد المالي والاداري، واستكمال البنى التحتية للجامعات وبناء قاعات دارسية كافية ومزودة ومناسبة، واعادة هيكلة الكليات والاقسام بحيث يتم اضافة كليات واقسام جديدة تتماشى مع متطلبات سوق العمل، والاهتمام بالمناهج الدراسية الحديثة وطرق التدريس وايجاد معامل علمية مزودة بالوسائل والاساليب التعليمية المتطورة والمكتبات الجامعية بحيث تتوفر فيها المراجع بمختلف العلوم وبمختلف اللغات، وانشاء مراكز للترجمة في الجامعات والمطابع الجامعية والمجلات العلمية وأن يتم الاهتمام بالبحث العلمي من خلال تخصيص موازنة كافية وتشجيع الطلاب والباحثين والزام جميع اعضاء هيئة التدريس بالجامعات بتقديم بحوث ودراسات دورية، وأن يتم اعتماد معيار الكفاءة والمنافسة والمؤهل في التعيين والترقية والابتعاث والالتحاق بالتعليم العالي والدراسات العليا، ويتم اعتماد الرقابة وتقييم الأداء لقادة واعضاء هيئة التدريس واداريي الجامعات وتشجيع ومكافأة المتميز في أدائه ومحاسبة المخالف للوائح وقوانين التعليم العالي والجامعات والمقصر في ادائه.