الخميس ، ١٨ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٠ مساءً

المرأة بين الأصالة والتغريب

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ١٠ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
المرأة كائن لطيف ,ودرة مكنونة ,وموئل الحنان ,ومنبع الشفقة,حاضنة الطفولة وراعية الأمومة ,جنس لطيف ومنبت ٌخصب ,هي الحقل المثمر والأرض الطيبة,سخية العطاء , وارفة الوفاء ,بذرٌ وتربة ,وسحاب منهمر ,وزرع مستو على سوقه ,وحب وامقٌ ,وحضن رءوم .

المرأة شقيقة الرجل ,وزوجه وأخته وأمه ,يتقلب الرجل بين شفقة الأخت وحنان الأم وحب الزوجة,ليس هناك رجل إلا بامرأة ,هي محضن الرجولة ,ومكمن البطولة ,وزارعة الفضائل ,والمعينة على الجلائل ,ترفد الحياة بأجيال متواصلة.

يحضن الرحم الأجنة ,والصدر الطفولة ,والتربية النشء,خيرها على الحياة جار ,وروضها بالإنبات مزدهر,وجداولها بالسريان متجددة ,لولا المرأة لاستحالت الحياة , ولأقفر الوجود ,ولتحول وجه الكون إلى كهوف مكتئبة ,وإلى صحراء قاحلة,تتآزر بالجدب والافتقار.

إن الإسلام قد رعى المرأة وحماها ,وأمر بكامل حقوقها فأعطاها,وبالاهتمام والعناية أولاها ,فهي ملكة عظيمة ,ودرة مصونة,وجوهرة ثمينة ,يضن بها على البخس ,فلا تباع في سوق النخاسة ,ولا تبتذل في مسارح الاعوجاج,قد رفع الإسلام من شأنها , وجعلها الحصينة العفيفة ,غمرها بالطهر والصيانة,وتوجها بإكليل الشرف المصون ,وألبسها جلباب الحشمة والوقار,لتكون بعيدة عن نهب العيون ,وطمع مرضى القلوب وتجار الشهوات .

إن الثمرة تحاط بكؤوس الأوراق الحافظة,والحبوب محمية بأغلفة السنابل الرائعة,والدر يحفظ في الصدف الواقي في أعماق البحار ,الشموس لها أكاليل تنظم أشعتها ,والأقمار تضيء من وراء هالة عجيبة,والأرض لولا غلافها الجوي لكان العيش عليها من ضروب المستحيل ,والبذرة لولا اختباؤها في التربة ما نبتت ذلك الزرع الجميل,والحبوب لولا حفظها في صوامع الغلال لأفسدها السوس الذليل.

إن المرأة محمية بحجابها كحماية العين بجفونها وأهدابها,وهي محروسة بالرعاية كحراسة الأسد لأشبالها,الشيء الجميل مستور,والقبيح مهدور,والحمى محجور,والمرأة شيء جميل ,وحمى دون استباحته المستحيل ,وهي ثمينة الغاية وعالية الراية ,والثمين دونه السيوف الظامئة وطعن الرماح وموارد الآساد.

جعل الله المرأة روحا شريفة ,وغزالة ظريفة,وزهرة تعبق بأريج الطهر ومتعة الحياة ,وهي شقيقة الرجل ,وسر خواطره ونجواه ,وهي ريحانته الذكية ,ومرتعه الخصب ,وأرضه للحرث والإنجاب ,ومعينه الزلال ,وجدوله المتدفق بسحر الحياة ,هي مكملة شخصه, وواعية درسه,ونصفه الثاني ,تستحيل حياته بدونها ,ويظلم نهاره بخلو أجفانها ,فهما طائران في عش الحياة الحالم,وعصفوران مغردان بأناشيد الوفاء الخالد.

جعل الله الرجل يرتبط بالمرأة في ثنائية مقدسة ,تعقد بكلمات الله ,وتكتب في كتاب حصين ,يؤيد بالأولياء والشهداء ,ويعلن على الملء الكثير ,في جو الأفراح الغالية,والزغاريد العالية,يقترن القمر العالي والغزال المربوب ,ويتولد بينهما الحب المشبوب,بين عروس غانية وقمر مهيب ,يقضيان الحياة على وتيرة الوفاء الدائم والإخلاص المتجدد ,يرفدان الحياة بقيم الطهر الناصع,وقيم الإيمان القانتة ,والسجود المهيب ,في محراب الإسلام والشرع الحنيف.

إن المرأة ليست سلعة رخيصة لدعاة الاختلاط والسفور,ولا كلأ مباحا لمحبي التعري والإباحية ,إنها كائن له قيمته الخطيرة ,وثمنه الكبير,إنها تعيش بحشمتها وحجابها وطهرها لحبيب واحد ,تعطيه جداول الحب ,وترفده بشآبيب الوفاء ,يتولد بينهما أقمار الحياة ,فيسعدان بذرية صالحة ,تعمر الوجود ,وتضاحك مسار الخليقة بأسراب من الأجيال المتلاحقة.

الاختلاط مرض يتولد منه الانحراف والسقوط ,ويولد التفكك الأسري ويؤدي إلى فقد الثقة بين الزوجين , فيكثر الطلاق ,ويحرق الوفاق ,وينشر نار الغيرة ويولد الشقاق ,فيعم الفساد الوجود ,والعقم الحياة , فعوالم المخلوقات مفطورة على قوانين تدعو إلى التفريق بين الجنسين الذكر والأنثى, فهل رأيتم نعاجا ترعى بين ذكورها ,وأغناما تسرح بين تيوسها ,وهل رأيتم ديوكا متعددة بين حظيرة الدجاج ,وعالم النحل تعيش إناثه بعيدة عن ذكوره , في عالم الطيور كل عصفور يرتبط بعصفورة يبنيان عشا حصينا للتزاوج والتبييض وحضانة صغارهما بحب ورحمة وفي عالم الحمام يرتبط كل ذكر بأنثى بزوجية مستقلة وفي حال وفات أحدهما يبكي كل إلف إلفه حتى الموت كم تغنى بذلك الشعراء لكل أسد لبوة ولكل قرد قردة ولكل فيل فيلة عرفت كنهها مملكة الحيوان فاللبوات في الغابة تصطاد ولا تخالطها الأسود,وفي عالم القرود يرتبط الذكر بالأنثى وإذا حصل منها خيانة مع قرد آخر يكون عقابها القتل ,لقد عرفت الحيوانات كنهها ,وميزت بين ما يصلحها وما يفسدها ,لكن الإنسان انحط إلى أبعد دركات الفساد فكان أضل من الحيوان ,وأشقى ,فمضى يدعو إلى إباحية سافرة ,وانحطاط خلقي أسين.

المرأة لها طبيعة متخصصة وفطرة إنسانية تختلف عن الرجل شكلا ومضمونا فللرجل وظيفة خاصة به تتعلق بقواه العقلية والجسمية وللمرأة وظيفة أخرى تكمل مانقص عند الرجل من وظائف الحياة التي لايقدر على أدائها وفي حال عكس العملية في المطالبة بحق المرأة لتكون مثل الرجل في الحقوق والواجبات في هذه الحالة تختل موازين الحياة وتفسد الفطرة الإنسانية إلى الانحراف والسقوط وتوضع المرأة في تمثيل دور مناف لفطرتها فتكون مسخا بين الرجل والمرأة وذلك مانلحظه عند المتحررات فقد امتهنت في تمثيل أدوار سياسية وإعلامية ومسرحية أبعدتها عن طبيعتها الرحيمة وحيائها الجم وأنوثتها الجميلة فراحت تتعرى في المسارح وتعرض في المساحات الإعلانية للشركات والتسويق ثم تحولت إلى عنصر جذب وتشويق في المعارض والمكاتب وفي النوادي وفي صالونات الحلاقة واستوديوهات التصوير ومضيفات في السفن والطائرات وفي وسائل النقل العامة والخاصة .

فالمغزى من تحرير المرأة هو تهجين دورها الفطري في إنجاب الإنسانية وتربيتها على مبادئ الحب والدين والسلام بعيدا عن المسخ الإنساني الذي حول المرأة من روضة خصبة تفيض بالعطاء والتنمية إلى صحراء مجدبة تتغول فيها الأشباح والفقر وتلاشي الحياة فأولئك المتحررات قد عقمت أرحماهن عن الولادة فعشن وحيدات يستنزف الغدر عطاءهم لأجندة ماكرة فتعيش فقيرة من العطاء لذاتها وتخرج من الحياة بدون عقب وتظل طوال حياتها قلقة ينتابها الهوس والانفصام وهذا ما ألجأ الكثيرات من المشاهير في العالم إلى الرجوع إلى الله واتباع تعاليم الإسلام والمكث في البيت لتربية الأولاد والقيام بالحقوق المفروضة عليها تجاه عقيدتها ودينها وزوجها ومجتمعها على ضوء تعاليم الإسلام الحنيف .

إن ما نشاهده من دعوات سافرة,وهجوم كاسح محموم ,وما نراه من تفسخ أخلاقي ,وتعرٍ للمرأة وصل إلى حد بعيد, تعدى كل الحدود والقواعد الأخلاقية ,في الأديان والقوانين والأعراف الدولية ,ولا شك أن هذه الدعوة المحمومة ,وراءها أهداف خسيسة ,يديرها تجار الفواحش والإباحية في العالم ,يجنون من ورائها الأموال الطائلة ,وإفساد أخلاق الأمم من شباب وشابات ,حتى وصل الأمر إلى هدم أركان الحياة ,والسقوط في مستنقع الرذيلة والفحش الممنهج .

والخطير في الأمر أن هذه العروض الإباحية ,أصبحت في متناول الجميع ,بحكم شبكات الاتصال العالمية من شبكة عنكبوتية, تعتبر أما لكل الشبكات العالمية الأخرى ,وصفحة قريبة للتواصل مع العالم بسهولة ويسر , ولا يمنع الإنسان عن الاطلاع على هذه العروض الإباحية إلا ضميره الحي ,وإيمانه وتقواه ,وخلقه وذوقه الإسلامي المترفع عن دنايا الأمور.

ومن هنا نلفت النظر إلى كل من أعماه الشيطان ,وخدعته شهواته وهواه ,وأغراه سراب الحضارة الغربية ,فصار غرابا ينعق بأخلاق الغرب , ويدعو إلى سفور المرأة ,والدعوة إلى اختلاطها بالرجال ,نقول لهؤلاء رويدا يا دعاة التعري والإباحية ,فلازالت عقولنا تمدنا بالتمييز بين الحق والباطل ,وبين الخير والشر,ولا زال ديننا يهدينا إلى الصواب من الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة ,فقد أخرجنا ديننا الإسلامي من ظلمات الجاهلية التي ترعى الجهل والانحطاط الأخلاقي ,وارتقى بنا إلى شرف المبادئ وتسنم التحضر ,ونضوج العقل والفكر,فسمى بنا إلى أوج الطهارة وسموات النقاء.

فيا أختي المؤمنة لاتصغي لتلك الدعوات النشاز ,التي تريد خروجك من واحة الطهر والنقاء ,إلى مستنقع السفور والتعري ,لأن عشاق الرذيلة قد ملوا من النظر إلى تلك الأجساد العارية ,التي أصبحت مبتذلة ,تفوح منها بيارات العهر ومستنقعات الانحطاط ,فلا زلت مصونة بدينك الذي ألبسك جلباب الحجاب ,وغطاك برداء الطهر الذي يحميك من أعين مرضى القلوب ,وتجار الشهوات ,فكوني من المحافظات على حجابك ودينك وطهرك لتكوني ملبية لأمر خالقك واثقة بنفسك أمام كل الشبهات فلا تهزك دعاوي السفور ولا شبهات الضلال.