الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٠٣ مساءً

أبناء وصاب وعتمة .... و رحلة البحث عن الحقوق الغائبة

بشير المصباحي
الخميس ، ١٣ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
تجدهم حاضرون وبقوة بمدنيتهم وسلميتهم وتضحياتهم حاضرون بالشهداء والمناضلين حاضرون بالعلماء والمفكرين حاضرون في الفقه والقانون والتأريخ والإقتصاد ... حضور حضاري وتأريخ يشهد المأثر والإيثار ....

هكذا هم أبناء وصاب وعتمه بدوائرهم الثمان حاضرون في الضرائب والزكاه والرسوم والإتاوات ...
يحضرون بصورة كاملة في أداء الواجبات ومغيبون كلياً في الحقوق حاضرون بوطنيتهم ومغيبين في وطنهم ... فأبناء هذه المناطق المعتمدين كلياً على أنفسهم بعد الله في مصادر أرزاقهم بإنتاجهم وأعمالهم وحرفهم وصناعاتهم لطالما عوقبوا بإستغلال قوى النفوذ المسيطرة على مصادر القرار في العهود الماضية لبساطتهم وفطرتهم السليمة وعاطفتهم الفياضة الصادقة.

فكانت مناطق وصاب وعتمه تستهوي شهية الإمام و زبانيته كمصدر دخل لخزينته من عوائد وزكاة الزراعة والثمار والعسل الوصابي فيحرص على إختيار عماله لهذه المناطق بعناية من الاشخاص المقربون له كمكأفأة أو تقدير على الإخلاص أو القرب من مركز القرار.

ولم يستجد شئ يُذكر بعد الثورة سوى إضافة الضرائب على الواجبات الزكوية التي كانت تورد لخزينة الإمام وإستغلال كثافة هذه المناطق السكانية كصوت إنتخابي بعد الوحدة يقوي مراكز النفوذ في مركز المحافظة والعاصمة لا اكثر.

لقد ألحقت وصاب وعتمه إلى محافظة ذمار بقرار سياسي لا إداري و كان الحفاظ على هذا الضم بعد الثورة يمثل حاجة سياسية لا علاقة لها بالمعايير الفنية التي يتطلبها التقسيم الإداري فغابت الجغرافيا والتأريخ والإقتصاد وحاجات المجتمع وظهرت محلها رغبات السياسيين ومصالحهم.

غابت الخدمات والتنمية في هذه المناطق فلا مستشفى ولا كلية ولا مشروع مياه ولا كهرباء عمومية ولا طريق معبد ...
حتى طريق ذمار الحسينية التي طال إنتظارها منذ السبعينات والتي تربط محافظتي ذمار والحديده إذا ما تم تنفيذها بالفعل فإن ابناء هذه المناطق المستفيدين بصورة مباشرة منها لا يتجاوزون نسبة 3% من إجمالي السكان الذين تتجاوز عدد قراهم وتجمعاتهم السكانية 6,340 قرية ومحلة وتجمع سكاني مقسمة على 181 عزلة وثمان دوائر إنتخابية بمساحة تقدر ب 2141 كيلوا متر مربع.

ذلك الغياب لم يكن له من مبرر سوى ربطه بالبعد الجغرافي لهذه المديريات عن مركز المحافظة من قبل قيادات المحافظة لمواساة السكان المحليين بسبب غياب الخدمات كليا عن وصاب وعتمة التي يصل حجم إيراداتها العامة إلى ستة مليار ريال ...

حيث يستغرق المواطن من المديريات الغربية كما يسميها أصحاب ذمار للوصول إلى مركز محافظتهم بحدود أربع إلى ست ساعات وتبعد أخر قرية في تهامه عن مركز المحافظة بحدود 220 كيلوا متر يحتاج عندها المسافر إلى المرور على أكثر من محافظة حتى يصل إلى مركز محافظته.

ومع غياب المعالجات الجادة والحقيقية التي لا تتجاوز في أحسن الأحوال أكثر من مواسات أو وعود إنتخابية تظهر عند كل موسم إنتخابي فإن المواطن من أبناء هذه المناطق لم يجد تفسيراً واحداً صريحاً و واضحاً حتى الأن لغياب أي تمثيل لأبناء منطقته في المناصب الإدارية في محافظته البعيدة عنه.
فلا يكاد يوجد مديرا عاما واحداً من أبناء وصاب وعتمه في مركز المحافظة , ناهيك عن المجالس المنتخبة إذا عرفنا أن نسبة تمثيل أبناء هذه المناطق في مجلس النواب لا يتجاوز نسبة 25% من المقاعد النيابية المخصصة للمحافظة وبحدود 20% من قوام المجلس المحلي , في محافظة تتراوح نسبة المديريات الغربية منها بين 45% إلى 50% من إجمالي عدد سكان المحافظة الإجمالي.

إن هذا الغياب وهذه المعانات لم تكن وليدة اللحظة ولم تأتي المطالبات بتغيير هذا الواقع الظالم والمؤلم تماشيا مع ظاهرة الصوت العالي السائده وإنما جاءت كنتيجة طبيعية للإحتقان والضيم الذي لحق المجتمع الواحد في وصاب وعتمه رجالاً ونساءً شيوخاً وأطفالا وبكافة مكوناتهم وإنتماءتهم أجتمعوا على مطلب واحد يرفع عن كاهلهم نزقات الساسة والنافذين فأول مطالبة قدمها أبناء عتمة و وصاب بإعتماد محافظة مستقلة حدثت في عهد الرئيس / عبدالرحمن الإرياني وتوالت المتابعات الصامتة والسلمية في العهود اللاحقة له , وتجددت بصورة فاعلة في بداية التسعينات من القرن الماضي وكانت هناك مظاهرات قام بها أبناء وصاب وعتمه في عام 1992 للمطالبة بإعتماد محافظة مستقلة بسبب البعد الجغرافي عن محافظة ذمار وحصلوا على الكثير من التوجيهات التي لم ترى طريقها للنور بإعتبار توقيت إصدارها المرتبط بالمواسم الإنتخابية ثم ما تلبث أن يتم إعادة تجميدها في أدراج المسئولين وصناع القرار حتى إنطلاق الموسم التالي لدغدغة عواطف الناس وإستمالة أصواتهم.
فبينما ظلت تلك المطالبات حبيسة الأدراج استحدثت خمس محافظات أخرى جديدة تقل في عدد سكانها عن وصاب وعتمه أو مساوية لها , ومقوماتها الجغرافية والإقتصادية والإجتماعية أقل فرصة للحصول على محافظة مقارنة بأبناء هذه المناطق.

فقد أعلنت خلال هذه الفترة اللاحقة لمطالب أبناء وصاب وعتمه كلاً من محافظات الضالع وريمة والمحويت التي يبلغ عدد سكان كلاً منها نسبة لا تتجاوز 60% من عدد سكان وصاب وعتمه وتتساوى هذه المديريات مع محافظة المحويت من حيث المساحه.
وأعتمدت محافظة عمران التي تتساوى تقريباً مع أبناء هذه المناطق في عدد السكان ولكنها لا تتساوى من حيث العوامل الأخرى اللازمة لإنشاء وحدة إدارية جديدة مع وصاب وعتمه من حيث التركيبة السكانية والإجتماعية أو البعد الجغرافي عن محافظة صنعاء التي أستقلت عنها ككيان إداري جديد ومستقل.

وأعتمدت مؤخراً جزيرة سقطرى محافظة مع التقدير لخصوصيتها إلا أن تعليق مطلب أبناء وصاب وعتمه بإعتماد مطالبهم الحقوقية العادلة يجعلهم يتسائلون عن الأسباب التي منعت عنهم تحقيق مطلبهم بينما تحصل عليه مديرية أخرى لا يزيد عدد سكانها عن ما نسبته 10% من سكان عتمة و وصاب.
فمن الغريب أن يصل عدد سكان هذه المديريات إلى أكثر من 1,000,000 نسمة ثلثين منهم يقطنون داخل المنطقة ويمتلكون كل المقومات اللازمة إدارياً من الناحية النظرية لإعلان محافظة .. بينما هناك محافظات قائمة يمثل تجمع الثلاث منها سكانيا أقل من عدد هذه المديريات الثلاث مثلما هو الحال بمحافظات مأرب وشبوة والمهره إذا قارناها بوصاب وعتمه التي تتساوى مع عدد سكان البيضاء وأبين مجتمعتين وتساوي ثلاث أضعاف مساحة محافظة عدن.

قد يتبادر إلى خيال الذين لا يعرفون الأبعاد الحقوقية للمطلب تفسيرات لمطالب أبناء عتمة و وصاب بعيدة عن الواقع فقد يحملون القضية أو يربطونها بأبعاد سياسية أو مناطقية خاصة ظهورها في هذا التوقيت , ولكنه يكفي أن يعرف المنصفين من هؤلاء سواءً كانوا أفراداً وجماعات أوكيانات سياسية أو منظمات .... أن أبناء هذه المناطق لم يمثلوا في مؤتمر الحوار بسبب تجاهل الأحزاب الرئيسية لهذه المناطق ضمن قوائمها في المؤتمر فأصبح من الطبيعي ظهور هذه القضية المطلبية بعد إنتهاء مؤتمر الحوار لعدم إثارتها أو تبنيها خلال جلسات إنعقاده والخوف من بقاءها عند ذات النقطة من السوء في مستقبل الأعوام والأجيال القادمة.

فمطلبنا الحقوقي يستند للشعور بالظلم والغبن والتهميش والجور الواقع على أبناء هذه المناطق والناتج عن مشقة وحرمان ومعاناة بالغة يتكبدها أبناء هذه المناطق الذين يفتقدون أبسط مقومات الحياة العصرية الطبيعية في مناطقهم , يضيف بعدهم الجغرافي عن ذمار صورة أخرى للمعاناة تمخض عنه الغياب المتواصل عن الحقوق الأصيلة كمواطنين يؤدون واجباتهم بروح وطنية إيجابية ومسئولة يملأها الإيثار والفخار بروابطهم الأصيلة المشتركة مع كل أبناء وطنهم الكبير ... اليمن.

إنها رحلة البحث عن الحقوق التي غابت قبل ثورة سبتمبر وبعدها وقبل الوحدة وبعدها وصمتت قبل ثورة فبراير لكنها نطقت في ظلها تجسيداً للمبادئ العظيمة التي أنطلقت بها في سبيل تغيير الواقع السئ الذي كنا نعيشه.

غابت وصاب وعتمة عن التنمية والخدمات مع غيابها عن التمثيل المناسب مع حجمها في الإدارة والتشريع , غابت عن قيادة الأحزاب مثلما غابت عن مؤتمر الحوار ... غابت عتمة و وصاب عن لجنة الأقاليم مثلما هي غائبة عن أي دور أو نشاط لمنظمات المجتمع المدني الحقوقية والإنسانية فترافق مع ذلك الغياب غياب أخر لحقوق الطفل والمرأة والشباب والإنسان ....

لقد غابت العدالة والإنصاف فغابت معها المساواة والحقوق.
فوجدنا أنفسنا عند هذه النقطة من الغياب في رحلة البحث عن حقوق الناس الغائبة حتى يتم إعتماد مطلبهم الحقوقي العادل بإنشاء محافظة مستقلة لأبناء هذه المناطق ضمن الإقليم الاقرب إليهم في تهامه , كواجب أخلاقي حقوقي أصيل تتحرك له قلوب الصادقين بعيداً عن كل الإنتماءات الفئوية أو المناطقية الضيقة التي ينبذها أبناء وصاب وعتمه في أخلاقهم وسلوكهم كمجتمع يعيش المدنية في أرقى صورها منذ عصورها الأولى.
فما لا يتم الواجب إلا به ... فهو واجب