السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤١ صباحاً

حروب وفتن للتخلص من وثيقة الحوار

عارف الدوش
الاربعاء ، ١٩ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
حذّر سياسيون ومفكرون من عدم مصداقية وجدية القوى التقليدية في تعاملها مع الثورة الشبابية الشعبية السلمية فبراير 2011م وما أفرزته من تحولات على صعيد الخارطة السياسية اليمنية خاصة ما يتعلق بموضوع التغيير ومضمونه ونبهوا الى أن القوى التقليدية بمختلف أجنحتها المدنية والعسكرية وإن بدت في ظاهر الأمر متناقضة فكرياً وتوجهاً سياسياً أو مذهبياً وطائفياً، لكنها متفقة في الموقف من التغيير ومضمونه.

ودائماً مواقف القوى التقليدية من الثورة وممارسة السياسة والتغيير ومضمونه تظل ملتبسة ضبابية وهذا من تجربة الثوار معها منذ ثورة 1948 كأول ثورة للتغيير تفجرت في اليمن مروراً بثورتي سبتمبر 62 وأكتوبر 63 واستقلال الجنوب 67 وحركة 13 يونيو 74 التصحيحية والوحدة اليمنية 90 باعتبارها « ثورة ثالثة » وأخيراً الثورة الشبابية فبراير 2011م.

ومن واقع التجربة والممارسة وما كُتب ونُقل عن المشاركين في الثورات وحركات التغيير سالفة الذكر فإن القوى التقليدية لا تعلن برامج سياسية واضحة وتبقى في مربع العموميات وبعضها يرفض أو يتهرب من الظهور كحركة أو حزب سياسي ببرنامج واضح المعالم وغالباً ما تهرب هذه القوى إلى التنظيمات الواسعة التي تجمع المتناقضات الفكرية والسياسية وتركز على أولوية الحشد للناس على أساس تضخيم الجزئيات والفرعيات خاصة فيما يتعلق بالمذهب والطائفة والمنطقة الجغرافية.

وفي كل مراحل التغيير التي مرت بها اليمن تلجأ القوى التقليدية مهما بدت متناقضة في أفكارها وتدينها وشكل عبادتها «المذهب والطائفة» ومناطقها الجغرافية فإن هناك صفات وعناصر وطرائق عمل تجمعها وتوحدها في الهدف العام، فهي دوماً تلتف على كل أهداف ووثائق ثورات وحركات التغيير بعسكرة الحياة وخلق نزاعات وفتن وحروب طائفية وقبلية وجهوية، ولنا في تعاملها مع ثورات «فبراير48 و26 سبتمبر 62 وأكتوبر 63 والاستقلال 67 والوحدة اليمنية 90 والثورة الشبابية الشعبية السلمية فبراير 2011م خير دليل.

وإذا عدنا إلى ما كُتب ونُشر حول ثورات وحركات التغيير في اليمن منذ 48 إلى اليوم سنجد أن هناك موقفاً واحداً مرعباً تتعدد صوره وطرائق ممارسته بحسب الزمن والظروف يتلخص في إعلان الحماس مع الثورات والانتقال من مربعات الحكم إلى مربعات الثورة بشكل سريع وسلس والسعي إلى السيطرة على مفاصل التغيير لتوجيه القرار وإفراغ التغيير من مضمونه وكل ذلك يتم من خلال التخطيط والإنخراط في معارك دموية وتسريعها أو إطالة أمدها بحسب الظروف والقوة والقدرة التي تؤدي في الأخير إلى السيطرة على الحكم والثروة.

والتاريخ يحدثنا بوضوح كيف أطالت القوى التقليدية فترة الحروب مع ثورة 26 سبتمبر 62 م حتى تمكنت من إفراغ مضمون أهدافها والقضاء على قواها الثورية «أحداث اغسطس 68 وما لحقها من تصفيات وإقصاء وتهميش وتحويلها إلى مجرد إسم وكيف انقضّت على حركة إبراهيم الحمدي التصحيحية 13 يونيو 74م وعلى الوحدة اليمنية وأوصلت البلاد والعباد إلى التوريث والتحول من ثورة و جمهورية إلى ملكية وراثية مستبدة وإن ظل الاسم «جمهورية».

وفي ثورة فبراير 2011 التفت القوى التقليدية على أهدافها ومضمامينها بالسيطرة على ساحاتها بعسكرتها وحولتها إلى أزمة بين طرفين، فكانت المبادرة الخليجية المدعومة دولياً وكان مؤتمر الحوار الوطني الذي استوعب من لم تستوعبه المبادرة وآليتها «الحراك الجنوبي والمرأة والشباب المستقلين والحوثيين» وبدت مشاركة القوى التقليدية في الحوار بما في ذلك من تم استيعابهم كأنها قبول بالشراكة الوطنية وبما سيخرج به مؤتمر الحوار «وثيقة الحوار».

لكن الأمر لدى القوى التقليدية كان عبارة عن مراوغة واستراحة محارب ليس إلا فاستمرت عمليات عسكرة الحياة والتلويح بالقوة العسكرية والمليشياتية والمال فكانت الاغتيالات والتصعيد وقبيل اختتام مؤتمر الحوار الوطني تصاعدت عملية عسكرة الحياة والحشد والحشد المضاد والاغتيالات بهدف تفجير مؤتمر الحوار وإفشاله هروباً من استحقاقاته التي تضمنتها «وثيقة الحوار».

برغم أن كل الأطراف وقعوا ظاهرياً على «وثيقة الحوار» بما فيها «القوى التقليدية» الرافضة لها لكنها لم تعلن موقفها الرافض وإنما انتقلت الى مربع «خصي» مخرجات الحوار ثم خلق نزاعات وفتن طائفية وقبائلية وجهوية وتفجيرها في أكثر من محافظة وامتدت لتصبح حروباً صغيرة وتوسع وسيطرة جغرافية هنا وهناك وتواصلت الحروب وأخذت مسميات متعددة ومختلفة ومتناقضة وفي الوقت نفسه «توسع ، سيطرة ، تمدد، فرض نموذج وأسلوب الغلبة للوصول إلى الحكم أو السيطرة عليه تماماً وإقصاء الآخرين كشركاء».

والأسماء كثيرة، متعددة ومتناقضة لكنها تلتقي في الهدف التي تريد الوصول إليه «إصلاح ، إخوان، حوثيين، أنصار الله، سلفيين، تكفيريين، بلاطجة، اتباع المخلوع، مراكز قوى سابقة، مراكز قوى جديدة، والمهم لدى القوى التقليدية كره الثورة والتغيير بمضمون وحب الثورة والتغيير على المقاس فقط المهم هو التركيز على استمرار الانقسام في المجتمع وتغذيته وترويجه وتنفيذه عملياً وتكريسه كواقع معاش.

وأخيراً: لا سبيل للخلاص من كابوس مضمون التغيير المؤرق للقوى التقليدية في اليمن إلا بتنفيذ «وثيقة الحوار» والمؤرق للمحيط الإقليمي والمصالح الأجنبية غير العسكرة والحروب، وهو ما نراه في كل مكان في اليمن من شمال شماله إلى الوسط إلى جنوبه وشرقة وغربه والهدف التخلص من «وثيقة» الحوار وتحويلها إلى المتحف كسابقاتها «أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر والوحدة».