السبت ، ٢٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:١٦ صباحاً

مسيرة الأوصياء في الإرهاب..!

د . محمد ناجي الدعيس
الجمعة ، ٢٨ مارس ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
في البدء لا بد أن التطرق بإيجاز عن مسيرة الإرهاب في التاريخ الإنساني، فآفة الإرهاب ليست وليدة اللحظة كما يعتقد البعض، ولكنها وجدت مع بداية خلق الإنسان وحتى اللحظة، وتنبأ بها الملائكة بقوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ، قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( .. و يعني مفهوم الإرهاب في اللغة إشاعة الخوف والفزع والرعب، أمّا اصطلاحاً فلم يوجد حتى الآن تعريفاً محدداً لمفهوم الإرهاب، لسببين الأول هو تعدد واختلاف آراء المهتمين بدراسة هذا المفهوم كظاهرة، وثانياً غموض المفهوم على المستويين السياسي والقانوني. وقد أتاح هذا الأمر الاجتهادات البشرية الواسعة كلاً بحسب خلفيته الفكرية والفلسفية، وبرغم الجهود التي بذلت على المستويين الذاتي - الباحثون والفقهاء - أو الدولي، إلا أنهم لم يتوصلوا أيضاً إلى تحديد دقيق للمفهوم، نظراً لاقتصار مثل هذه المفاهيم على بعض الجوانب دون غيرها، فمنهم من ركز مثلاً على الجوانب المادية - الأفعال - ومنهم من ركز على الجوانب القانونية – الجرائم -، وآخرون ركزوا على الجوانب السياسية، بينما الأمر قد يتطلب أن يكون هناك تعريفاً يحتوي على أمرين هما :

- التجرد والموضوعية في الطرح . - الإلمام بالجوانب المختلفة للظاهرة دون إغفال أي منها.
لذلك فاقت تعريفات المفهوم الـ 100 تعريفاً، ومن أبرز هذه التعاريف، أنه " العمل الإجرامي المصحوب بالرعب أو العنف أو الفزع بقصد خدمة هدف محدد".
وقد بدأ الاهتمام مفهوم الإرهاب في العصر الحديث على مستوى النظم الدولية، من قبل عُصبة الأمم - هي أوّل منظمة أمن دولية هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي و منع قيام الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، - وتأسست عقب مؤتمر باريس للسلام عام 1919م الذي أنهى الحرب العالمية الأولى التي دمّرت أنحاء كثيرة من العالم خصوصاً أوروبا. ووصل عدد الدول المنتمية لهذه المنظمة 58 دولة، وقد ورد في اتفاقية العُصبة إعلان تعريف للإرهاب مفاده أنه " جميع الأعمال الإرهابية الموجهة ضد أي دولة يُقصد منه خلق حالة من الرعب في أذهان أشخاص معينين أو مجموعة منهم أو بعامة الجمهور ". إلا أن هذه المنظمة العُصبوية فشلت في مهامها فشلاً ذريعاً تمثل في قيام الحرب العالمية الثانية، ما أدى إلى مولد منظمة جديدة بعد الحرب سميت بمنظمة الأمم المتحدة – برأيي أكثر عصبوية - تـقاســم فيها الأقـوياء الـمنـتـصرون العالـم بكل ما فـيـه، ولأنهم قد فصّلوا نظام المنظمة الداخلي ومواثيقها واتفاقياتها عليهم تماماً، فمنحوا أنفسهم استدامة العـضـويـة في مجلس الأمن، وســلطات اسـتـثـنائية غير عادية في منظمة الأمم المتحدة، أهمها حق النقض - الفيتو باللاتينية - وهـو حـق الاعـتراض على أي قرار يُـقـدم إلى مجلس الأمن دون إبداء أســباب. لم يرد لـفظ - فـيتو - في مـيـثاق الأمـم المتحـدة، بل ورد - حـق الاعـتراض - وهو في واقع الأمـر - حـق إجهاض – لأي قرار لا يعجب دولة واحدة فقط من الدول الخمس وليس مجرد اعتراض. ليتم رفض القرار وإن قبلته حتى الدول الأربع عشرة الأخرى. ألا يُعد هذا استباق لترتيب مستقبلهم للسيطرة على العالم بأسره؟ ثم فتحوا العضوية في منظمة الأمم المتحدة أمام كل الدول المحبة للسلام التي تقبل التزامات ميثاق الأمم المتحدة وحكمها الذي تمت صياغته من قبل الأقوياء المؤسسين للمنظمة فقط. فتوالت عضوية الدول الضعيفة – كتبعية عمياء للأقوياء - حتى بلغ عدد الدول الأعضاء فيها 193 دولة، وكما نعرف أن مجلس الأمن يحق له منفرداً القدرة على إصـدار القـرارات التي تـتعـلـق بالسـلم والأمـن الدولي، ولا يحق للجمعـية العامة أن تصدر قراراً في أي أمر يتعلق بالســلم والأمن الدوليين دون قرار أو توصـية من المجلس نـفـسه، أي إن المجلس ســلطة عـليا، وليس للجمـعية العامة التي تضم جميع الدول الأعضاء الـ 193 أكثر من إصـدار توصـيـات فقط. كما أن هـذه الدول الخمس الدائمة لم تـُنـتخـب لعـضوية المجـلس بصـورة ديـمـقـراطـية وإنما فرضت نفسها فرضاً كوصية على العالم، ولا تسمح بالتصويت على القرارات بنظام الأغلـبـيـة المعـروف.. ألا يتـناقض هذا مع النظام عموماً والـقـواعـد الأســاسـية التي تشـترطها النظم الديـمقـراطـية؟ فأين هي إذاً ممارسة الأوصياء دائمي العضوية من مسطرة العدالة الدولية والديمقراطية والقبول بالرأي والرأي الآخر والفضيلة الإنسانية التي تنادي به منظمة الأقوياء بما حوته وثائقها؟!!!

ومع الأسف نجد أن الدول دائمة العضوية تمارس الإرهاب في العالم بطرق مختلفة، وأنها أجهدت نفسها كثيراً حول توصيف موضوع الإرهاب منذ العام 1947م، وحتى الآن، وبعد نقاش حاد وجدال طويل الأمد تمخض جهدها إلى وصف الإرهاب أنه " جميع الممارسات والوسائل غير المبررة التي تشير إلى رعب الجمهور أو مجموعة منه لأسباب سياسية وبصرف النظر عن بواعثه المختلفة "، ولكن نسأل دائمي العضوية بماذا نسمي ما حدث من قبلها وتحت مظلتها في أفغانستان والعراق وفلسطين..الخ وما يحدث الآن للواقع العربي؟.

وما يؤكد قولنا آنف الذكر أن قادة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية قد استشرفوا المسـتقبل، وأدركوا أن يوماً ما سـيأتي من يطالب فيه بتغيير هذا النظام الاسـتبدادي، أنهم حصروا بذكاء سـلطة لا يمكن إحداث أي تغييـر في المجلـس إلا بموافقتهم فقط، وضمنوا بهذا اسـتحالة زيادة عدد الأعضاء الدائمين في المنظمة بأي شكل من الأشكال، ولنأخـذ مثلاً ألـمانيا كتأكيد لقولنا، فهي تمثل أقـوى اقـتصاد في أوروبا والرابع في العالم، وليس لها ماضٍ احتلالي – استعماري - كفرنسـا وبريطانيا، ولا يعرف عنها أنها تدخلت في شـؤون أي دولة، ولها القدرة إن أرادت أن تكون قوة عـســكرية، فما الذي يمنع أن تكون عضواً دائماً في منظمة الأمم المتحدة؟!

وبالعودة إلى الشأن العربي نجد أن الأغلبية من الشعوب العربية وخصوصاً الشباب الطموح منهم لم يعاني من هذا الحق الدولي مزدوج المعايير فقط، بقدر ما كانت أكثر معاناتهم وألمهم من قادة نظمهم السياسية أنفسهم حكاماً ومعارضة، بأنهم أخذوا التجربة من تلك المنظمة الدولية ليمارسوها بكل قسوة وضغينة سواء بين الدول العربية – العربية، أو على كل مواطن عربي داخل وطنه الصغير أو الكبير، وكم كان الأمل يحدو المواطن أن يمارس قادته تلك التجربة لاستشراف مستقبل أوطانهم كما فعل الأقوياء، لا أن يمارسوها بجهل منقطع النظير في طموح لا يكاد يتجاوز حدود أنوفهم لاستشراف مستقبلهم الاستثماري وحاشيتهم حتى وصل الأمر إلى هيجان الأغلبية من الشعوب لترحيل معظم تلكم القادة بصورة مشينة من أعلى قمة هرم نظم السلطة.. ولكن يبقى السؤال هو: هل قضى ذلك الهيجان الشعبي برحيل القادة على ثقافة إرهاب الأقلية السياسية للأكثرية أم لا زالت الأقلية السياسية التي صعدت وتربعت في أعلى قمة نظم السلطة تمارس نفس ما مارسه سابقيهم؟

إذاً نخلص إلى تعريف بسيط لمفهوم الإرهاب بكل أشكاله – لفظي أو مادي جسدي وغيره – هو الاعتداء على إنسان أو مجموعة من الناس لإقلاق أمنهم وتكدير عيشهم ويهدف الإرهابي من ذلك تحقيق مصلحته الذاتية ولفئته..! من ذلك نجد أن الإنسان على الساحة العربية بطولها وعرضها يعيش مهدداً وقلقاً في حاضره وعديم الرؤى لمستقبله.. فعلى سبيل المثال كان خطاب قادة الأنظمة العربية السابقة إرهابياً لشعوبها من المحتل الذي رحل أو من القوى المعارضة أو المؤامرات الخارجية وبأنهم – القادة – دون غيرهم الأوصياء وحاميي الحمى، وهكذا كانت إيحاءاتهم في الخطابات لأي مناسبة.. وخلال الربيع العربي وبعده مع الأسف لازال المواطن العربي يسمع ويعيش بكل أسف ذلك النوع من الإرهاب حتى أوصلوه الأوصياء الجدد لكل الطيف المجتمعي بفرقه التي فاقت عدد تعريفات الإرهاب، وكذا على مستوى الدول العربية أيضاً، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد الواقع العربي أن الدولة الكبرى تقصي الدولة الصغرى لمخالفتها في وجهة النظر وهذه الدولة تتآمر على شقيقتها. وفريق إسلامي يخوّن ويقتل الفريق الآخر من الإسلاميين أو السياسيين، والسياسيين أنفسهم يكيل التهم كل حزب على الآخر، وعلى مثله يقاس بين قادة المهن والوظائف والقبائل والأمن..الخ، كل قائد فريق يرى في نفسه أنه هو الوصي والملهم لقيادة البلد والبقية عملاء خونة يستحقون القتل، حتى أصبحت قوى الشر للأقلية بكل أدواتها الإرهابية هي المسيطرة على الأغلبية الخيّرة والتي يمثل الشباب منها ثلث عدد سكان معظم الدول العربية، ومثلت نسبة بطالة الشباب في بعض الدول العربية (50%) من إجمالي الشباب حسب الإحصائيات الأخيرة وهي نسبة الخطر الحقيقي القادم..!

وأمّا نسبة الشباب في اليمن تقدر (70%) من عدد السكان، الغالب من أسرهم تعيش في فقر مدقع بحسب ما ذكره وزير المالية في لقاء تلفزيوني العام الماضي حيث قال أن نسبة الفقر في اليمن تزيد عن (45%).. وفي كل شهر ترتفع القيمة الشرائية للمواد الغذائية بشكل ملحوظ دون أن يحرك أحداً ساكناً لا الحكومة ولا المواطنين، وفي هذا الشهر عاش المواطن اليمني حالة إرهاب عنيفة إضافة إلى ما يعيشه باستمرار، تمثلت في أزمة الغاز ثم الديزل ثم البنزين وزيادة في أسعار المواد الغذائية تراوحت بين 300 - 800 للسلعة الغذائية وكأنها جرع صامتة خفية على الشعب، دون زيادة تذكر على المرتبات والأجور منذ ما يزيد عن عقد من الزمن..! فأي ملّة إنسانية يرضي ذلك الواقع الإرهابي؟ ألا تستطيع الأغلبية من الشباب أن تنصّيب قائداً لها لترحيل تلك الأقلية من الكهول التي أصبحت غير قادرة سوى على التفنن في إرهاب الأغلبية من الشعوب؟ يا ترى متى سوف يصحوا حزب الشباب المؤمّل عليه والذي لا ينتمي لأي حزب غير حزب الشباب لبناء نوعية حياتهم التي يطمحون هم بها لا غيرهم، من الذين قد أكل الدهر منهم وشرب؟!! وليعلم الشباب أن الناس تريد أن تعيش فقط، وبأنها قد سئمت نوعية الحياة للأيادي التي أدمنت الهدم والإرهاب لحقب مضت حتى الآن، وأدركت جيداً بأن تلك الأيادي لا يمكن أن تبني أو تصافح من أجل السّلم المجتمعي لما تبقى لها من عمر..!