الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٦ مساءً

غرفٌ لصناعة القرارات الرئاسية..!

د . محمد ناجي الدعيس
الخميس ، ١٧ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
إن الواقع المزري الذي وصلت إليه البلد وسوء حال الناس المتفاقم، يتحمل الجزء الأكبر من ذلك الوزر النمطية التقليدية لمراكز التفكير الاستشارية للرئيس الحالي أو السابق، ولا يقتصر حديثي هنا على المراكز التقليدية اليمنية فقط إلا كنموذج، لأن ما وصلت إليه حالة الشرق الأوسط من إشكالات مجتمعية وإقليمية تجمع بين القُبح والرذيلة للسلوكيات السياسية والقبلية والعقائدية والعسكرية و..الخ، وفي اعتقادي أن واقع الشرق الأوسط الحالي هو منتج طبيعي لمراكز التفكير تلك أكانت منفردة بشخص الحاكم، أو مجتمعة في بطانة الحاكم ومستشاريه، وما صنعته خلال تلك الحقب الماضية من قرارات ضيّقة الأفق لا تمت للهوية الوطنية ومكوناتها بأي صلة.

إن ما نعيشه في الساحة اليمنية هو حربٌ باردة توحي للمتابع بأنها بين معسكرات عِدّة وهي في حقيقة الأمر لا تخرج عن معسكرين فقط، معسكر مع الرئيس والآخر ضد الرئيس، وكلا المعسكرين مع الأسف بنمطية مراكز تفكير الأمس لم يطرأ عليهما أي تجديد أو تغيير، ويحاول كل فريق منهما بناء ترسانات عسكرية وأخرى مسلحة حول نفسها وأفرادها من المسؤولين، والغريب المضحك تضخيم استهداف رموزها حتى شُغلت بالحماية عن أداء المهمات المنوطة بها، وكل الخوف أنها على علم بنفسية الرئيس من حيث شكوكه بالآخرين فتقوم بتضخيم محاولات استهدافه بالاغتيال لمراتٍ عدة وبأنها هي الحامي له من أي محاولة استهداف، فيشغل الرجل عن أي مهمات وطنية أخرى.

إن ما أقصده بمراكز تفكير صناعة القرارات هي: تلك الغرف الاستشارية المختلفة للنخبة من رجالات الفكر التي يتم داخلها صناعة القرارات الإستراتيجية وإصدارها من قبل الرئيس للتخطيط الإنمائي للبلد في المجالات كافة.

ويرجع أول استخدام مدون لمفهوم – مراكز التفكير - think tanks إلى الخمسينات في الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تقديم الحلول والمقترحات للرئيس حول المشكلات بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنولوجية والاجتماعية والسياسية والإستراتيجية أو ما يتعلق بالتسليح. كما أن دور مراكز التفكير لم يقتصر على تقديم دراسات أكاديمية تحليلية نقدية فقط، بل قد تتناول مشكلة ما بصورة مباشرة وتقدم للمختصين وصانعي القرار في الدولة أو في القطاع الخاص بدائل يمكن أن يختار المسؤول أفضلها أو قد تقدم بديلاً واحداً لا بد من الاعتماد عليه من قبل الجهة المعنية وهنا يبرز دور وأهمية هذه المراكز الفكرية. كما لا بد أن يكون هناك مراكز تهتم بالسياسة الخارجية والعلاقات والشؤون الدولية ومراكز أخرى تهتم بالشؤون الداخلية والسياسات والموضوعات المحلية في المجتمع.

وعلى الرغم من تنوع وتعدد الخدمات التي تقدمها مراكز التفكير حسب تنوع وتخصص هذه المراكز، إلا انه نستطيع أن نجمع الخدمات في النقاط التالية :
1. تقييم السياسات السابقة، ووضعها في إطارها التاريخي والسياسي السليم.

2. تحديد الآثار بعيدة المدى للسياسات المتبعة تجاه الأصدقاء والأعداء على حد سواء، فيما يتعلق بمصالح أمريكا ومكانتها الدولية خاصةً.

3. طرح الأفكار والآراء الجديدة، واقتراح السياسات البديلة، خلال المدة التي تسبق مباشرة انتقال السلطة من أدارة إلى أخرى خاصة ، أو بعد حدوث حوادث كبرى أو بروز ظواهر جديدة أو مستجدات( مثل 11 سبتمبر، وقضايا الإرهاب)، وذلك كي تكون تلك الأفكار والمقترحات تحت تصرف صانعي القرار السياسي الجدد.

4. تزويد الإدارات المتتابعة والأجهزة المختلفة بالخبراء.

5. تقديم المشورة والنصح لأجهزة مؤسسات الدولة أحيانا بناءً على طلب تلك الأجهزة.

6. تدريب جيل جديد من القيادات الفكرية والسياسية ليكون جاهزاً لتسلم الإدارات السياسية العامة للدولة.

7. التأثير في الرأي العام وفي صانع السياسة والقرار السياسي من خلال عقد الندوات والمؤتمرات ونشر الكتب والدراسات، و إصدار النشرات والمجلات ونشر التقارير وإعداد البرامج الإذاعية والتلفزيونية وتقديم التحليلات، لتبرير سياسات معينة أو نقدها أو لترويج أفكار جديدة وتعميمها، وبذلك يعززون المكانة الأدبية لمراكز التفكير والمفكرين.

8. إمداد وسائل الإعلام وبرامجها بالخبراء والمحللين القادرين على تحليل الأحداث والتنبؤ بها، خاصة في أوقات الأزمات.

9. القيام أحيانا بإجراء الاتصالات السرية مع جهات أجنبية لحساب الحكومة الأمريكية ومحاولة جس النبض قبل طرح بعض المبادرات السياسية.

10. بلورة مواقف ومصالح الأمة المشتركة وتجسيد ذاكرتها الجماعية وتنمية قدرتها التراكمية في مجالات الفكر والسياسة والإعلام.

وهناك مراكز أخرى ذات اختصاصات مختلفة (كالصحة، والنشاطات الاجتماعية، والتعليم، ... الخ )، وبذلك نستطيع أن نقول بأن هذه المراكز أهم مصدر من مصادر المعلومات والتحليلات والفكر والمعرفة من خلال الأبحاث والدراسات في الولايات المتحدة، تؤثر على المجتمع والدولة بشكل عام وبصور مختلفة مباشرة وغير مباشرة. وهنا قد نحتاج إلى بحوث حول الثقافة والسياسة ودور المثقف في السلطة السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، (اتجهت الدولة الأمريكية منذ بداية تكوينها إلى الاستعانة بالخبرات البشرية المتواجدة خارج اطر الدولة الرسمية، إذ إن قيام القطاع الخاص يتحمل مسؤوليات التنمية والتصنيع والبحث العلمي بشكل رئيس يستحوذ على معظم الخبرات والمعارف المستجدة في المجتمع. مع العلم أن مراكز التفكير قد لا تمثل رأي الأغلبية، ولكنها تعمل بكل جهدها وتحاول باستمرار (إعادة تشكيل رأي الأغلبية بما يتفق مع وجهة نظرها وفهمها الذاتي لمصالح أمريكا الوطنية لا لمصالحها الشخصية، كما تعد مراكز التفكير من جهة أخرى وسيلة لقيام القوى المسيطرة على المجتمع بإيصال خبرتها ووجهات نظرها وحكمتها لصانعي القرار السياسي من ناحية وإلباسها فلسفتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لباساً علمياً وإعطاءها الشرعية والمصداقية من ناحية أخرى. وأيضا تعد تلك المراكز بمثابة مخازن لتزويد الحكومة بالآراء الجديدة والتحليلات الأكاديمية والكفاءات المؤهلة لتسلم مهام الإدارة في الحكومة.

من خلال كل ما تقدم نجد بأن المعرفة تؤثر على السلطة والسلطة توظف المعرفة لتحقيق السيطرة وضمان المصالح. لإيمانهم بان المعرفة هي قوة، وبالتالي أصبح من الطبيعي قيام تلك المراكز لغرض الكسب والحصول على القوة. وبأن القوة العلمية هي من تشارك في صناعة القرار السياسي.

برأي القارئ الكريم هل غرف مراكز التفكير المحيطة بالرئيس هادي قادرة على تغيير نمط تفكير الأمس وبدلاً من إرهابها له وإشغاله بكيفية تحصين نفسه من الانقلاب على السلطة باغتياله حتى أرهقت الرجل، أن تستبدل ذلك النمط العتيق بنمط البناء الوطني؟ وهل الرئيس هادي قد شعر بخبث تلك المراكز الفكرية الخبيثة وباستطاعته تغييرها بمراكز فكرية قادرة فعلاً على العطاء تتفق ومطالب المرحلة؟ اعلم أخي الرئيس أننا لا نريد شيئاً سوى هذا الوطن، ونريد من كل مسؤول أصدرت قراراً بتعيينه أن يضمن لقمة العيش لكل جائع، وأن يأمن الإنسان على نفسه حينما يخرج من داره في الصباح ليضمن أنه سيعود لأبنائه في المساء، نريد أن يكون المسؤول خادماً للمواطن لا لغيره. نريد مسؤولون يؤسسون للفقراء منبر يلهبون به ظهور الفاسدين واللصوص لا العكس. نريد مسؤولين يمسحون على رؤوس الناس، لا أن يمسح الناس أحذيتهم، نريد أن يعرفنا العالم بالإبداع لا بالحروب والعدوان. فهل تعي ومن حولك ذلك أيها الرئيس أم إن المعسكران قد أفقداك الاتزان؟!