الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٦ مساءً

من سيدفع فاتورة الاعمار؟؟

د . محمد حسين النظاري
الجمعة ، ٢٨ اكتوبر ٢٠١١ الساعة ٠٩:٢٥ مساءً
• الكم الهائل من الدمار الذي لحق بالاقتصاد الوطني وبالبنية التحتية والمنشئات التنموية والخدمية، والممتلكات العامة والخاصة، والتي لم تُفرق بين منشأة وأخرى طيلة الأشهر التسعة الماضية يطرح سؤالاً مهماً جداً والمتمثل: بمن سيدفع فاتورة إعادة اعمار ما دمرته الأزمة السياسية؟ ومتى سيكون ذلك الاعمار؟ هذا إذا ما تفاءلنا بأننا سنخرج من هذه الأزمة بما سُجل من خسائر سابقة، ولم نتجه لا قدر الله لما هو أشد فظاعة مما حدث خلال ما يقارب 300 يوم.

• لن نتحدث عن الخسائر البشرية من رجال الأمن والقوات المسلحة ومن شباب الساحات ومن الآمنين في بيوتهم ومتاجرهم وأسواقهم، فتلك خسائر لا يمكن أن تُعوض بثمن، ولا يمكن أن تُداوي الجروح الغائرة لأُسر الذين انتقلوا إلى رحمة مهما تم استرضائهم، ستظل حسرتهم عالقة في أفئدتهم، ولن يخففها اتفاق الأفرقاء، لهذا فإن الحديث عن الخسائر البشرية مدعاة للحزن ليس إلا في ظل عدم الاعتبار، وكفى بالموت عبرة وعضة.
• كنا فيما سبق من الأعوام نسابق الزمن حتى تستطيع الحكومة إقامة ملتقى للمانحين وهو ما تحقق في لندن، وفرحنا عندما استطعنا أن نُوجد دعماً ناهز 5 مليارات دولار (رقمياً فقط) ومع أن ذلك المبلغ لم يكن ليفعل شيئاً إلا انه كان سيساعد في توفير فرص عمل على الأقل ولكن تجمدت تلك الأموال لأسباب عديدة من بينها عم اقتناع المانحين من طريقة إدارة تلك الأموال في فساد إداري واقتصادي، ورغبة بعض المشايخ في الاستحواذ على كل شيئ.

• ما أريد قوله أننا كنا نبحث عن 5 مليار دولار في وضع بنية تحتية تعتبر حينئذٍ ممتازة عندما نُقارنها بين فبراير 2011م وحتى اللحظة، فالواقع الآن يرمي بتلك المليارات الخمسة في اعمار قطاع واحد من القطاعات المتهدمة، هذا إذا ما سلمنا جدلاً أننا سنحصل فعلاً على ذلك الدعم المزعوم.

• فاتورة الأزمة التي نعيشها قد تتجاوز العشرين مليار دولار، فمن ذا الذي سيهب لنا تعويض ما دمرناه بأيدينا؟وما هو مقابل كل سنت واحد من تبعية وهيمنة وذل؟ ومن ذا الذي سيثق بنا مجدداً في وضع لا تستمر فيه الهدنة إلا لساعات؟، ولا ينفذ من الاتفاقيات حتى بقدر الحبر الذي كتبت به؟.

• إننا لن نشعر بمقدار ما خربناه إلا بعد انقشاع هذه الأزمة، تماماً كالذي يتعرض لجروح بالغة من جراء حادث أصيب فيه إلا بعد فترة من الزمن، وما بالنا بآثار الحادث الأليم الذي نعايشه يومياً، نحن الآن مخدرون بدوي المدافع وصوت الرصاص،ورغبة التغيير، وبكاء الأسر على موتاها، مع أن البكاء سيطال كل بيت بعد أن تنتهي هذه الفتنة، ليظهر لنا مدى فداحة الزلزال الذي ألحقناه بأنفسنا وبوطننا الحبيب.

• لسنا كالعراق ولا كليبيا حتى يُصرف على اعمارنا مما نمتلكه، ولهذا فإن أي حكومة قادمة سواء كانت توافقية أو مؤتمرية أو مشتركية، لن تستطيع أن تصمد وسينقلب عندها الحال من أزمة سياسية بالمقام الأول إلى معضلة اقتصادية يصعب فك طلامسها وشفراتها.

• ستضطر أي حكومة قادمة إما إلى رفع الدعم نهائياً عن المشتقات النفطية، وإما إلى رفع الضرائب والجمارك مما سيشعل الأسعار إلى حد لا يمكن تصوره، فأي حكومة قادمة ستقع في هذا المأزق وإلا ستجد نفسها غير قادرة على دفع رواتب الموظفين، وهو الأمر الذي سيحُدث كارثة تفوق بكثير كل الكوارث التي تعرضنا إليها خلال الأشهر الماضية.

• المصيبة أن الحوار الذي نادى به البعض وتهرب منه البعض الآخر سنعود إليه شئنا أم أبينا سواء بمبادرة مجلس التعاون الخليجي أو عبر تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014،أو بعد حرب أهلية لا سمح الله وسيجلس الأفرقاء على طاولة طالما تنافروا منها، وسيذهبون مرغمين إلى صناديق الانتخابات، ولكن بعد ماذا بعد أن نكون قد فقدنا الغالي والنفيس من روح ومال وبنىً تحتية.

• الشيء المضحك والمبكي في الوقت نفسه أن تجار هذه الأزمة المقيتة والتي قادونا إليها، هم من سيطالبون بأن تُوكل إليهم جني ثمار إعادة الاعمار حتى يكونوا قد مصوا دم الشعب مرتين، ولن تعرف حمرة الخجل إلى وجوههم طريقاً، فربما أنهم فعلوا ما فعلوا ليصلوا إلى هذه النتيجة.

• إن هذه الدول التي تنادي بالتغيير بكم من المال سترفد خزينة الدولة، فهي شريكة فيما حصل من دمار، لأنها ساهمت في تردي الوضع وإزالة الأمن، وتغذية الانشقاق لا لشيء إلا لأنها تريد أن تُطبق تجربتها الجديدة علينا نحن العرب، والذين صرنا كفئران تجارب، لماذا لم يساهموا في إن يقود الشعب اليوناني بثورة وهو في وضع أسوأ بكثير من الأقطار العربية التي طبقوا عليها تجربتهم اللعينة بل دعموها بشطب 100 مليار من ديونها؟!.

• في الأخير كلنا خاسرون في اليمن الحبيب دولة ومواطنون والرابحون فقط هم تجار الحروب، فسيأتي اليوم الذي تنتهي فيه الأزمة الحالية، لتبدأ الأزمة الحقيقية أزمة أولئك الشباب الذي خرج لإصلاح وضعه المعيشي ، وإذا به يزداد سوء، إنها أزمة المال وما أدراك ما أزمة المال التي لن ينفع فيها الحوار ولا الانتخابات ولا التغيير ولا الثورة في ظل ما أهدرناه من ثروة وإن كانت قليلة لكنها على الأقل أنها كانت موجودة في حدها الأدنى، ولن تغني الشعارات الرنانة فهي لن تشبع حينها جائعاً، والصراخ في الشوارع لن ينقذ مريضاً وسنصبح وقتها كالغابة لا بقاء إلا للقوي ، ونسأل الله تعالى ألا يرينا ذلك اليوم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وكل عام وانتم بخير بحلول العشر من ذي الحجة التي نسأل بها الخير للوطن والمواطنين.