الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٣ مساءً

‏ الوقت يمضى واليمن من تخسر!‏

ياسر المياسي
الثلاثاء ، ٢٩ ابريل ٢٠١٤ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
الأخبار السيئة سيدة الأفق، هذه هي اليمن التي أنهت قبل شهرين مؤتمر الحوار الوطني ‏الذي هدف إلى الخروج بمعالجات وحلول لمشاكلها المتعددة ، وعلى رأسها المشكلة ‏الاقتصادية التي تستحوذ على 75% من مشاكله، لكن ما يمثل التحدي الحقيقي هو قدرة ‏اليمن مع أصدقائها المانحين، في الخروج من محنها المتعددة، بمحاولة إعادة الروح ‏للاقتصاد المتعثر.‏

اليوم، لا شيء أسوأ من ادعاء الحب والحرص معاً.. كلهم يريدون الانتصار لليمن، لكنهم لم ‏يقدموا ما يحتاجه هذا البلد ‏‏‏الفقير والملتهب، إلا قليلاً من الدعم. ما تزال المليارات التي ‏أعلن عنها المانحون، بحوزتهم، وتحدث ضجيجاً واسعاً، ‏وما زلنا نحن نفشل في استغلالها، ‏و‏نغرق عميقاً في الفقر والحرمان.‏

محملة بملفات ثقيلة، ذهبت الحكومة اليمنية ، إلى لندن، لحضور الاجتماع الـ7 ‏لمجموعة ‏‏أصدقاء اليمن.هذه ‏المجموعة ‏التي تشكلت عام 2010، لتنسيق الدعم الدولي المقدم لليمن، ‏والتي تضم في ‏‏عضويتها 39 ‏دولة ومنظمة، للأسف لم ‏يستطع هذا ‏الحشد الدولي، مع ‏الحكومة اليمنية، تحقيق النجاح والتسريع ‏باستغلال هذه المبالغ ‏لصالح التنمية، فالمشاكل ‏ظلت تتفاقم، والوقت ‏يمضى، واليمن من تخسر!‏

في اجتماعات أصدقاء ‏اليمن تتكرر كل مرة نفس الملفات والقضايا التي يتم مناقشتها وهي ‏الملف السياسي والاقتصادي والأمني ، ومناقشة لماذا لم يتم استغلال مبالغ المانحين وهي ‏قضايا اليمن الحقيقية. اليوم وبعد انتهاء مؤتمر الحوار وخروجه برؤية فيدرالية تقسم اليمن ‏إلى ستة أقاليم يجب أن تتغير النظرة ، فهذه المخرجات تحتاج إلى مساعدات متعددة ‏لبلورتها على أرض الواقع وهنا يأتي دور المجتمع الدولي. ‏

في2012؛ تعهدت ‏مجموعة أصدقاء اليمن ‏بمنحها مساعدات يبلغ إجمالي قيمتها 7.9 مليار ‏دولار(بما فيها المبالغ القديمة التي لم يتم استغلالها )، وكان يهدف هذا المبلغ في ‏‏‏التصدي ‏لأزمة إنسانية، وأزمة في الميزانية، وتحديث ‏البنية التحتية، خلال المرحلة الانتقالية ‏‏2012-2014 ‏، ‏ لكن ‏للأسف ‏‏لم يتم استغلال هذه الفرصة، وعجزت الحكومة عن استيعاب ‏هذا المبلغ وجدولته ضمن خطة تنموية محكمة حتى نهاية العام الجاري.‏

عامل الوقت هنا هو الحاسم والأهم، فحسب تقرير المكتب التنفيذي المعني ‏بمساعدة ‏‏الحكومة ‏اليمنية لاستيعاب أموال المانحين، فإن 35% فقط من مبلغ الـ‏7.9 مليار دولار ‏تقريباً ‏تم ‏ربطها بمشاريع ‏تنموية. وقال ‏‏التقرير إنه من المفترض بحلول نهاية هذا العام، أن تكون ‏اليمن قد استنفدت جميع الأموال الممنوحة! وإن هذه ‏الطريقة بالعمل ‏‏سوف تجعلها تحتاج ‏إلى 4 سنوات أخرى من أجل استنفاد هذا المبلغ، وهو وقت كبير سيدفع اليمنيون ثمنه.‏
‏لكن الجانب اليمني يبرر ‏أن الأموال المتأخرة ‏‏تعود ‏إلى مشكلات ‏فنية وسياسية، وهو بعيد ‏إلى حد ما عن قول الحقيقة.‏

الحكومة – للأسف- لا تفكر جيداً في ‏إيجاد بدائل تسد فجوتها المالية المتسعة ‏بشكل مخيف، ‏كما لا تفكر في محاربة الفساد، ‏وإيقاف ‏النهب الممنهج لإيراداتها ‏من قبل الفاسدين. يمكنها ‏توفير المال من خلال ‏الحفاظ على مواردها الحالية، ‏المتمثلة ‏في ثبات إنتاج النفط، والحفاظ ‏عليه، وعدم إهداره في الصحارى القاحلة. يمكنها محاربة الفساد في إيرادات ‏الضرائب ‏والجمارك، والإيرادات ‏‏الأخرى التي يمكنها أن تفعل الكثير دون الحاجة إلى الشفقة من ‏الآخرين.‏

المختلف هذه المرة من جانب الحكومة اليمنية، أنها بدأت تستوعب دروس الفشل في عدم ‏استغلالها لهذه المساعدات، فقررت الاستجابة السريعة ‏لطلب المانحين بتعيين الأستاذة أمة ‏العليم السوسوة، مديراً تنفيذياً للجهاز التنفيذي لتسريع استيعاب المساعدات ‏وإصلاح ‏السياسات. قرار مهم، وهو تصحيح لوضع مشوه في التعامل مع المنح والمساعدات الدولية، ‏التي عُلقت كثيراً بسبب ‏الفشل الإداري في التعامل معها. يبقى على الحكومة ترك كل ‏الصلاحيات لها في اختيار طاقمها الذي يجب أن يكون احترافياً، ‏بعيداً عن صداع ‏المحاصصة والتقاسم، إذا أرادوا صنع جسور من التواصل الجيد، وكسب ثقة المانحين، وهو ‏ما نحتاجه في هذه المرحلة.‏


رفع الدعم لن يكون إشاعة عابرة في قادم الأيام
يمكن للحكومة التفكير بشكل جيد لإدارة أزماتها غير المنتهية، فرفع الدعم عن المشتقات ‏النفطية، والذي يستهلك ثلث ‏‏‏موازنة ‏الدولة، ‏لم يكن إشاعة مغرضة، كما صرحت به ‏الحكومة، فهي أخفت الكثير من الحقائق التي تدور في ‏كواليسها، ‏‏‏فوزير المالية لم يذهب إلى ‏البرلمان من ذات نفسه، لإعلان رفع الدعم عن المشتقات النفطية. وللتذكير ‏فقط؛ فقد ‏كان ‏‏‏صخر الوجيه، في الماضي، أقوى المعارضين لرفع أي دعم!‏

كل المؤشرات تؤكد أن الحكومة ستتجه، خلال المرحلة القادمة، نحو رفع الدعم عن ‏المشتقات النفطية، في ظل تدهور ‏اقتصادي كبير، ونصائح ‏تلقتها من المانحين، وعلى ‏رأسهم صندوق النقد الدولي، الذي يرى أن الرفع بنسبة تتراوح بين 10 و15%، سيحقق ‏وفورات ‏يمكن أن تحدث فارقا، ‏لكن رفع الدعم بشكل كلي سيوفر مبلغاً ضخماً يقارب الـ4 ‏مليار دولار سنوياً، لكن المشكلة تكمن في من سيضمن عدم سرقة هذا المبلغ ‏الكبير، ‏‏خصوصاً أن عصابة النافذين الذين يسيطرون على تهريب المشتقات النفطية إلى القرن ‏الأفريقي، ما زالوا متواجدين، ويديرون قواعد اللعبة.‏

الأمور لا تحتمل كل هذه البساطة، فبدون محاربة حقيقية للفساد، ‏والحفاظ على موارد الدولة ‏من النهب والتدمير، سيظل الوضع كما هو، ولن تستفيد اليمن من تلك المبالغ، وستضطر ‏أية ‏حكومة قادمة، إلى اتباع مزيد من الرفع... وهكذا سنظل ندور في حلقة مفرغة لا ‏تنتهي؛ ترتفع المشتقات النفطية، ‏وترتفع معها الأسعار، لتكون النتيجة اتساع رقعة الفقر، ‏ومزيداً من الحرمان، واللصوص هم من يكسبون الرهان.‏