الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٢١ مساءً

هل تفعلها وزارة الكهرباء في اليمن؟

د . محمد نائف
الخميس ، ٠١ مايو ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
تداولت الوسائل الإعلامية العالمية بالأمس (29 إبريل 2014) خبر إقدام السلطات الباكستانية على قطع إمدادات الكهرباء عن عدد من المؤسسات الرسمية بينها مكتب رئيس الوزراء ومقر الإقامة الرسمي لرئيس الجمهورية والبرلمان الاتحادي ومنزل رئيس المحكمة العليا إلى جانب 100 مكتب حكومي لعدم تسديد فواتير الاستهلاك منذ سنوات.

ويعاني الاقتصاد الباكستاني بشدة جراء الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي لفترات قد تصل إلى 12 ساعة يوميًا. ويعود ذلك لأسباب منها أن العائلات صاحبة النفوذ والساسة وكبار الموظفين الحكوميين لا يدفعون نظير استهلاكهم للطاقة بينما لا يستطيع الفقراء في كثير من الأحيان دفع قيمة الفواتير المتصاعدة.

وقال عابد شير علي، وزير الدولة للمياه والطاقة، في تصريحات أذاعها التلفزيون الباكستاني وتناقلتها وسائل الإعلام الأخرى "سيتم فصل التيار الكهربائي عن جميع مؤسسات الدولة والمستهلكين الأفراد الذين لم يسددوا الأموال المستحقة عليهم، و لن يكون هناك تمييز". أي لن تَستَثني حملة القضاء على ظاهرة عدم دفع الفواتير أحداً، صغيراً كان أم كبيراً.

ما يَهُمنا من استعراض هذا الخبر هو أن اليمن تعاني تقريباً من نفس الظاهرة، فالاقتصاد اليمني يتكبد خسائر بالملايين خاصة حين تَنقطع الكهرباء من أربع إلى ست ساعات أثناء الدوام الرسمي ويتعطل العمل في الكثير من المؤسسات غير القادرة على توفير مادتي الديزل و البنزين للمولدات الكهربائية التي تستعين بها بعض المؤسسات لتسيير أعمالها في ظل الانقطاع المتكرر للطاقة الكهربائية إما لعدم توفر هاتين المادتين في السوق أو لارتفاع أسعارها.

كما أن الأدهى من ذلك والأمر أن الكهرباء في بلاد "السعيدة" تُقطع بصورة متكررة عن الموطنين البسطاء من ذوي الدخل المحدود والملتزمين بدفع مستحقات الكهرباء كل شهر ولا تُقطع عن الأحياء التي يقطنها المتنفذون و"علية القوم" الذين تبلغ مستحقات الكهرباء عندهم بالملايين إلا نادراً! هل تفعلها وزارة الكهرباء في اليمن وتُنَفِّذْ حملة للقضاء على ظاهرة عدم دفع فواتير الكهرباء كنظيرتها في باكستان وإلزام الجميع (متنفذين ومشايخ وأعيان ومسؤولين ودوائر حكومية، وصغار القوم وكبار القوم، الخ.) بدفع مستحقات الكهرباء في أوقاتها؟ لو استطاعت فعل ذلك لما تراكمت عليها الديون لوزارة النفط وغيرها من المؤسسات واستطاعت أن تقوم بتحديث وصيانة محطات أنتاج الطاقة وزيادة أعدادها لتُوَاجه الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية في جميع أرجاء اليمن، وأراحت واستراحت.

بالطبع "لو" حرف تمني وترجي والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تجرؤ الحكومة اليمنية ووزارة الكهرباء في الوقت الحالي على تنفيذ مثل هذه الحملة بشدة وصرامة وتبدأ بمؤسساتها الحكومية كما حدث في الباكستان فتكون القدوة الحسنة؟ وللإجابة على هذا السؤال وبدون الدخول في التفاصيل، فالإجابة هي قطعياً "لا".

إذاً، ما الذي يجب فعله في ظل هذه الظروف؟ من البديهي القول أن لكل مشكلة حلول وبدائل مختلفة وإذا لم نستطع تنفيذ أحد الحلول علينا تجريب حل أو بديل آخر بعد دراسة جدواه.

على سبيل المثال، قبل فترة من الزمن كنا نسمع أن وزارة الكهرباء تنوي استخدام العداد مسبق الدفع. طبعاً، هذه ليست فكرة جديدة فهي مطبقة في الكثير من الدول المتقدمة على الرغم من أن المواطنين هناك كباراً وصغاراً يحترمون القانون ويلتزمون بدفع مستحقات خدمات المياه والكهرباء والغاز والتليفون في نهاية كل شهر ولا يتبارون في التهرب منها كما يحدث في بلادنا "السعيدة"! وفي المقابل تقوم الجهات المختصة باحترام المواطن وتوفير هذه الخدمات بكل تفاني وأمانة وإخلاص. في بريطانيا، مثلاً، تستخدم العدادات مسبقة الدفع منذ أكثر من ثلاثين عاماً. قد يعتقد البعض أن تكلفة هذه العدادات كبيرة، ولكن إذا ما قورنت بالهدر والمستحقات المالية الضائعة لوزارة الكهرباء فلن تكون هذه التكلفة كبيرة على المدى القصير والبعيد وسيكون لها آثار إيجابية كثيرة لا يتسع المقام للخوض فيها في هذه العجالة.

بعد كل ما سبق التطرق إليه أعلاه، هل يحق لنا أن نسأل لماذا لا تقوم وزارة الكهرباء بدراسة هذه الفكرة وتجريبها ولو بصورة تدريجية بدءاً بعواصم المحافظات حيث يكثر التهرب من دفع مستحقات الكهرباء البالغة بالملايين وتُعميمها على جميع مستهلكي الكهرباء في عموم مناطق الجمهورية فيما بعد؟ فمن يريد طاقة كهربائية عليه أن يدفع مسبقاً، ومن لا يريد أن يدفع لن يؤثر خياره على الآخرين لا من قريب ولا من بعيد.

بمحاولة البحث ووضع حلول لهذه المعضلة قد يتخلص الموطنون البسطاء من أبناء اليمن من مسلسل "وادي العذاب" الذي لا يبدو أنه له نهاية، ويفوق في طوله وحلقاته حلقات جميع المسلسلات المدبلجة التركية والكورية والمكسيكية مجتمعة!