الاربعاء ، ٢٤ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٦ مساءً

معاناة الصفوة العلمية وسر الفيتامينات

د. محمد علي بركات
الثلاثاء ، ٠٦ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
رحلة مضنية يقطعها الدكتور أو الأستاذ المساعد بعد تجاوزه لمحطتي المعاناة الاستفتاحيتين ، أولاهما عند الإيفاد وأثناء الدراسة ، والأخرى بعد استكمال دراساته العليا والاستعداد للإياب .. ليبدأ في اجتياز المحطة الثالثة فور عودته ومنذ أن تطأ قدماه أرض الوطن العزيز ويتنفس الصعداء معتقداً أنه سيُستقبل في وطنه استقبال العلماء بكل ترحاب .. لكنه يفاجأ بعكس ذلك تماماً ، فعند مبادرته بتقديم نفسه إلى المعنيين بأية جامعة وطنية وعرض مؤهلاته والتعريف بتخصصه ، وطلب العمل وفقاً لذلك بالجامعة قد يصدم بالاعتذار فيضطر للانسحاب .. وإما أن يصاب بالإحباط أو ربما يغادر البلد للبحث عن عمل يستطيع من خلاله تحقيق ذاته إن حالفه الحظ بإحدى دول الجوار ..

وقد يفتح الله عليه بالقبول ببركة دعاء الوالدين أو باسـتعمال أقوى أنواع الفيتامينات ، فيتامين (و) ذو التأثير الجبـار .. أو فيتامين (ر) دواء كل داء عضـال .. فأحدهما مضمون النتيجة ، ويمثل الحل الأمثل لكل إشـكال .. سـواء كانت هناك حاجة لتخصص صاحب الشـأن أو العكس فليس هذا الأمر ذا بال .. وعند ذلك يعتقد سعيد الحظ أنه قد تخطى كافة العقبات وحقق المراد ولكن لا مفر من أن يمر بالمحطة الرابعة في جميع الأحوال ..

وعند مروره بهذه المحطة يتم بداية إحالته إلى إدارة العبث المسئولة عن إجراءات التعيين التي تتكفل بأن تريه النجوم عند الظهر بكل اقتدار .. حيث تطول الإجراءات وتظل تتعثر حيناً هنا وحيناً هناك ، وتنقضي الأيام والشهور التي يواجه خلالها مختلف أشكال الابتزاز والاستهتار .. ويظل يسـعى مثل ( المكوك ) بين الجهات المعنية واللامعنية ، سـواء الجامعة أو وزارة التعليم العالي أو وزارة المالية ومكتب الصحة ووزارة الخارجية وغيرها من الجهـات التي تمارس الروتين المعقد بإصـرار .. وقد يستكمل المحظوظ كافة الإجراءات بعد طول عناء ومعاناة لكنه يظل رغم ذلك رهن الانتظار .. فما تزال هناك عدد من المجالس التي لابد أن ينتظر انعقادها لإصدار الموافقة النهائية على تعيينه الذي تعددت إجراءاته واتسع حوله الأخذ والرد وطال .. وذلك موال جديد يتطلب المزيد من الصبر والمتابعة وطول البال ..

فمن مجلس القسم المختص إلى مجلس الكلية ثم المجلس الأكاديمي فمجلس الجامعة .. وكل مجلس ينعقد في موعد يختاره المعنيون وفقاً للظروف أو الأمزجة ، وعلى الدكتور صاحب الشأن السعي الحثيث والإلحاح المستمر محاولة لإنهاء تلك المعمعة .. وأثناء تلك المراحل تحرص إدارة العبث على أن تطول الإجراءات وبالأخص بعد اعتماد وزارة المالية للمخصص المالي لكافة الدرجات الذي يُعتمد صرفه منذ بداية العام الجامعي في شهر سبتمبر .. ويتم الترتيب عادة على تأخير استكمال الإجراءات حتى شهر يناير أو على الأقل حتى نهاية شهر ديسمبر .. بحيث يُنهب المخصص المالي لثلاثة أو أربعة شهور من مستحقات كل دكتور دون وجه حق و ( على عينك يا تاجر ) .. وعدم استكمال إجراءات التعيين الذي يتكرر باستمرار عن غير قصد في كل عام هو المبرر ..!!

المحطة الخامسة والأخيرة يصلها المغلوب على أمره عند حدوث المعجزة وتستكمل إجراءات تعيينه كعضو لهيئة التدريس بعد عناء مرير وانتظار أمرّ .. وفي هذه المحطة يواجه معاناة من نوع آخر .. وذلك هو ما يعانيه معظم أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الوطنية بشكل مستمر .. فما زالوا يواجهون العديد من المشكلات المحبطة سواء المزمنة أو المستجدة .. ولم تتوقف مطالباتهم بإصلاح الأوضاع ، وحل تلك المشـكلات التي تعرقل سـير العملية التعليمية جراء تقاعـس الجهات المعنية عن المبادرة بتلبية مطالبهم ، وعدم التعامل مع الأمر بصورة جادة .. والضحية هم أعضاء هيئة التدريس الذين يحرموا من مسـتحقاتهم ومن حقهم في تطوير العملية التعليمية .. وطلاب الجامعات الذين يحرموا من حقهم في التحصيل العلمي المنتظم المواكب لكل تطور في مختلف المجالات العلمية .. والنتيجة وجود عدد كبير من الخريجين الذين لم يجد معظمهم أية فرصة عمل يتيمة .. مما يؤكد أن مخرجات التعليم لا تلبي متطلبات سوق العمل ، والدليل على ذلك أن نسبة البطالة بين أوساط الشباب كبيرة لأن شؤون التعليم الجامعي تسير بطريقة عشوائية ، ووفق أفكار عقيمة ..

وللأسف الشديد أن أوضاع التعليم الجامعي تتغير ببطء شديد ، ولا تواكب التطور المتسارع في مجالات التعليم من حيث الأساليب والمناهج والوسائل ، وتلك إحدى المشكلات المستديمة ..

وهنا نتساءل هل من مخرج لحل جذري لهذه المشكلات التي يريد لها بعض المحنطين الذين يعيشون خارج العصر أن تظل معلقة دون حلول حاسمة ..؟ وهل بالإمكان أن تبادر الدولة بمعالجة تلك القضايا السابقة واللاحقة حرصاً على المصلحة العامة ..؟

والحقيقة أن وضع الحلول والمعالجات المناسبة لمشكلات أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الوطنية والحرص على مصلحة أجيال المستقبل ، والعمل بجدية لإصلاح أوضاع التعليم المتردية .. كل ذلك بالإمكان وليس بالأمر المستحيل شرط أن تتوفر الإرادة الصادقة وحسن النية .. وتلك هي القضية .