الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٦ صباحاً

صيف خليجي ساخن بعد الانتخابات المصرية وتتويج السيسي رئيساً

عبد الباري عطوان
الاثنين ، ١٢ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٥٤ مساءً
ظهر الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة كبار العلماء المسلمين مرتين في الايام الاربعة الماضية، بعدد توقف عن الخطابة من على منبر مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة لاكثر من 11 اسبوعا، في الاولى كان صامتا، اي صورة بدون صوت، عندما جلس في الصف الاول متوسطا اميري قطر، الحالي والسابق، اثناء حفل تخريج دفعة من طلاب جامعة “الامير الوالد” حمد بن خليفة آل ثاني حملت اسمه، ما الظهور الثاني فكان “مجلجلا” حيث القى كلمة الافتتاح في مؤتمر لنصرة القدس المحتلة انعقد في الدوحة نظمه الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يراسه وافتتح يوم امس.
وعندما نقول ان ظهوره الثاني كان “مجلجلا” بل “مزلزلا” ايضا، فاننا نتوكأ هنا على مضمون كلمته، والمقابلة النارية المتحدية التي ادلى بها الى مندوب وكالة الصحافة الفرنسية في الدوحة ودعا فيها المصريين الى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، مؤكدا ان المشير عبد الفتاح السيسي الذي يعتبر فوزه فيها شبه مؤكد “استولى على الحكم بالظلم والطغيان.. وانه عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي بالظلم والطغيان ايضا”، وافتى في المقابلة نفسها بتحريم هذه الانتخابات ودعا الى مقاطعتها بالتالي.
لو ادلى الشيخ القرضاوي بمثل هذه التصريحات التي تؤكد ان موقفه، سبب الازمة، لم يتغير مطلقا، من اسطنبول مثلا، او اي عاصمة اخرى غير الدوحة، لكان الامر عاديا لا يستحق التوقف عنده كثيرا، لكن ان يأتي هذا الهجوم على المشير السيسي والانتخابات الرئاسية التي يستعد لخوضها والفوز فيها، من العاصمة القطرية وفي مثل هذا التوقيت فان الامر ينطوي على درجة كبيرة من الخطورة، لما يمكن ان يترتب عليه من تبعات، وابرزها صب الزيت على نار الخلاف الخليجي المتأجج بين قطر الدولة المضيفة له من ناحية والدول الخليجية الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة وهددت بخطوات “عقابية” اكبر اذا لم تلتزم الاخيرة بتلبية شروطها التي وردت في “وثيقة الرياض”، ومن بينها ابعاد الشيخ القرضاوي او منعه كليا من التعرض للمشير السيسي.
***
الازمة بين قطر والدول الخليجية الثلاث لها جوانب عديدة، لكن النقطة المحورية فيها في نظرنا هي اتهام قطر بدعم حركة الاخوان المسلمين في مسعاها لاطاحة حكم المشير السيسي، وتوظيف اذرعتها الاعلامية الضاربة، جنبا الى جنب مع ثرواتها المالية الضخمة (185 مليار دولار دخل سنوي من عائدات النفط والغاز) من اجل هذا الهدف.
الشيخ القرضاوي الذي وقف منذ اللحظة الاولى ضد الانقلاب العسكري، ووقع قبل اربعة ايام “وثيقة مبادىء استرداد ثورة 25 يناير” لتكون الارضية الموحدة لثوار مصر “في مواجهة طغيان الانقلاب العسكري واذرعه الاعلامية والقضائية” حسب بيان اصدروه من بروكسل، اراد ان يقول، اي الشيخ القرضاوي، للدول الثلاث التي طالبت بابعاده، انه ما زال موجودا في الدوحة ولم يغادرها، وملتزم بالخط نفسه المعارض للمشير السيسي وحكمه، ولم يتغير اي شيء على الاطلاق، وانه بصدد الاستمرار.
لن يكون مستغربا اذا ما فهمت الدول الخليجية الثلاث ومعها كل من مصر والاردن الداعمتين لها، ستفهم مضمون هذه “الرسالة المتحدية” ليس فقط بانها تؤكد عدم حدوث اي تغيير في موقف الشيخ القرضاوي، وانما في موقف قطر ايضا التي طالبوها بكل الطرق باسكاته او ابعاده من البلاد، واعتقدوا خاطئين بأن تجنبه الخطابة والظهور على شاشة قناة “الجزيرة” بالتالي تجاوبا، ولكن هذا الانطباع تبدد كليا وسريعا بعد تصريحاته وفتواه الاخيرة الجازمة التي تحرم الانتخابات الرئاسية المصرية وتتهم المشير السيسي بالطغيان والظلم.
في تقديرنا ان الخلاف القطري مع المثلث السعودي الاماراتي البحريني مرشح للتصعيد في الاسابيع القليلة القادمة، وربما يتطور الى صدامات اكثر شراسة اعلاميا وسياسيا وربما عسكريا ايضا، ولا نبالغ اذا قلنا اننا نعيش حاليا “مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة”.
نشرح اكثر ونقول بان الجبهة الخماسية المعادية لقطر “السعودية، الامارات، البحرين، مصر، الاردن” تنتظر انتهاء الانتخابات الرئاسية المصرية وتتويج المشير السيسي رئيسا “منتخبا” لتبدأ موجة التصعيد على الجبهات المختلفة.
ربما لم يكن من قبيل الصدفة ان الدول الخميس، مجتمعة او متفرقة، انخرطت في مناورات عسكرية مكثفة في الشهرين الماضيين استخدمت فيها جميع انواع الاسلحة، الاولى في ابو ظبي شاركت فيها قوات مصرية الى جانب الاماراتية وحضر المشير السيسي، وكل قادة جيوشه، مرحلتها الختامية، والثانية في السعودية، دعي اليها جميع قادة دول الخليج او من ينوب عنهم، باستثناء امير قطر، وكان على يمين الامير سلمان بن عبد العزيز ولي العهد وزير الدفاع السعودي الذي تصدرها ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة وعلى يساره الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي (الدول الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة) اما المناورة الثالثة والاخيرة فكانت في البحرين وشاركت فيها قوات اردنية وسعودية، فلعها ارادت هذه المناورات غير المسبوقة توجيه رسالة او انذار لدولة قطر واستعراض القوة تجاه اعداء مفترضين آخرين مثل ايران والعراق وربما سورية ايضا في المعية القطرية.
وكان لافتا ايضا ان هجمات الاعلام السعودي ضد قطر استؤنفت بقوة، فبعد استدعاء الامير سعود الفيصل لرؤساء تحرير الصحف السعودية وابلاغهم ان دولة قطر لن تقدم اي تنازلات التزاما بوثيقة الرياض في تبديد واضح لبعض التقارير التي تحدثت عن تراجع حدة الازمة وقرب عودة السفراء، ولوحظ ظهور مقالات تنتقد قطر بشراسة في الايام الاخيرة في الصحافة السعودية بعد تسريب نص مكالمة هاتفية دارت بين امير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة والعقيد معمر القذافي تضمنت هجوما شرسا من الاول ضد المملكة العربية السعودية واسرتها الحاكمة، وتوقع سقوط الاخيرة في غضون 12 عاما وانخراط قطر في مخطط في هذا الصدد
احد هذه المقالات حمل عنوان “الى متى يا قطر؟” كان معبرا عن هذا التوجه الجديد من حيث مضمونه، وغير مسبوق في وضوح تحريضه بفرض عقوبات اشد على دولة قطر وعدم غفران ما ورد في هذه المكالمة كتبه الاعلامي السعودي المعروف فهد الدغيثر في الطبعة المحلية من صحيفة “الحياة” التي يملكها الامير خالد بن سلطان بن عبد العزيز، وطالب فيه باتخاذ اجراءات عملية قاسية ضد قطر مثل عزلها خليجيا، واغلاق الحدود البرية معها، ومنع طيرانها من التحليق في اجواء الدول الثلاث، والغاء عقد مع شركة “المها” القطرية يعطيها امتياز النقل الداخلي في السعودية، واعادة النظر في جميع الاتفاقات التجارية الموقعة مع دولة قطر.
مثل هذه المقالات ما كانت تمر في الماضي دون مباركة الدولة، فانتقاد الدول الخليجية محرم في الاعلام السعودي والخليجي عموما، حسب نصوص ميثاق الشرف الاعلامي الخليجي، وقد ابعد الزميل قينان الغامدي وظيفته كرئيس تحرير صحيفة “شرق” السعودية اليومية قبل علم لانه انتقد دولة قطر باعتدال وسخر من سياساتها، مما يعني ان هناك قبولا وتشجيعا رسميا على كتابة مثل هذه المقالات وضد قطر بالذات، فالامر ليس حرية تعبير وسقفا اعلى للحريات الصحافية فكل شيء مضبوط في الدول الخليجية عندما يتعلق الامر بالاعلام والنشر.
من الواضح ان قطر مستمرة في السياسات نفسها التي عرضتها للانتقادات المذكورة، فحالها حال من يركض على سير سريع اذا توقف سقط في هوة قد تكون سحيقة، ولهذا ليس امامه غير الاستمرار في الركض بالتيرة نفسها، فالمطالب تعجيزية، والتجاوب معها جزئيا غير مقبول، وان حدثت محاولات لم تخفف من حدة الغضب من بينها تهدئة نغمة “الجزيرة” تجاه مصر سرعان ما تبخرت.
***
الايام والاسابيع المقبلة قد تكون في رأينا حافلة بالتطورات والاحداث الساخنة غير المتوقعة، ونحن نتحدث هنا عن مرحلة ما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية المصرية نهاية هذا الشهر ويرصد المراقبون رسائل موجهة من الدول الخليجية الثلاث الى امير قطر الشاب الشيخ تميم تقول له ان الخلاف ليس معك وانما مع والدك وسياساته، فاذا اردت العودة الى السرب الخليجي في الحكم دون مشاكل فعليك التخلي عن هذه السياسات وحركة الاخوان المسلمين بالذات، اي ابعاده عن والده واحداث شق بين الابن والوالد واذا رفض التجاوب مع هذه الرسائل، وهذا المرجح، فيمكن توسيع دائرة الشرخ.
توقف الكثيرون عند معلومة مهمة تفيد بان شريط المكالمة الهاتفية المزعومة بين الامير حمد بن خليفة والعقيد القذافي جرى بثه بالكامل على موقع الفيسبوك للشيخ عبد العزيز بن حمد شقيق الامير السابق الذي يعيش حاليا مع والده المعزول في سويسرا ولم يعد الى قطر منذ عزل والده.
واذا صحت هذه المعلومة، وهي تبدو صحيحة، فان هذا يعني ان كل ما يقال حول تغذية صراعات الاجنحة في الاسرة الحاكمة ينطوي على جانب من الصحة، فأحد اسباب عزل الامير الاسبق وجود نوايا لديه بعزل ولي عهده (حمد) وتعيين الشيخ عبد العزيز نجله الاصغر مكانه، الامر الذي دفع الامير السابق الى عزل والده في انقلاب ابيض عام 1995.
الصيف الخليجي الزاحف ربما يكون اكثر سخونة من معظم المواسم السابقة، مثلما تشير المؤشرات الاولية، وقد يكون مصحوبا برياح “خماسين” مصرية، ولكن مما يميز منطقة الخليج عن غيرها انه من الصعب التكهن بدقة تطورات احداثها، فكل الاحتمالات واردة، ابتداء من المصالحة وانتهاء بالمواجهات والصدامات باشكالها كافة وبشكل تدريجي واحتمال الصدام هو الاقوى والاكثر ترجيحا حسب توقعات الكثير من المراقبين ونحن من بينهم.