الخميس ، ٢٥ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٥٨ مساءً

صنعاء.. مدينة بلا نوافذ !

د . أشرف الكبسي
الثلاثاء ، ٢٠ مايو ٢٠١٤ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
في صنعاء لا تشرق الشمس من المشرق، أو هكذا يبدو، فكل صباحاتك تبدأ في فراغ داكن بلا نوافذ شرقية ، أو حتى غربية ، ربما لأسباب وجودية أو لموانع شرعية.. تقرع طبلة أذنك الداخلية بسادية متفاقمة أداة حادة .. حنجرة مدير المدرسة بالجوار ، معززة بمكبرات صوت عملاقة ، تردد بلا كلل أو ملل ذات العبارات ، ومنذ عقود ، مذ كنت أنت صغيراً ، تقف في ذات الطابور الديماغوجي ، ترتدي قسراً زيك المدرسي البغيض ، وتستمع بحنق لذات الحنجرة: (صفاه ، انتباه ، يا طالب يا تعبان ، تحيا الجمهورية (..) اليمنية)..فتقرر في صمت ، أن الغباء وباء ، وأن الحياة التي تبدأ بطابور (مدرسي) تنتهي بطابور قهري (نفطي) !

تدرك أنها الثامنة صباحاً ، وأن القسط (المخصوم) يهدد اتزانك الشهري ، وربما وجودك البشري ، فتسارع إلى الحمام المظلم والجاف ، عبثاً تتوسل إلى الحنفية ، فصباحك بلا كهرباء ولا ماء ، وبينما توزع في عجالة لعناتك المعهودة بين الحكومة وسابع جد للوزراء ، وكل حسب اختصاصه ، تحمل حقيبة (إخفاق) جلدية ، وثلاث أوعية فارغة –كحياتك- دبة الغاز ، وأخرى للماء ، وثالثة ينتظر امتلائها بشغف ماطورك الصيني اللعين !

تفتح ما تبقى من عينيك ، ومن باب سيارتك المتسخة بطبيعة الحال، لتلقي حمولتك الفارغة بداخلها وتنطلق في الشارع الأكثر اتساخاً.. بلا صباح أو (صبوح) تتحسس مكانك من فوضى السير تحت خط المنطق والفقر ، تتلمس موقعك المتساقط من خيبة ظن الربيع ، بوصفك محتل (دحباشي) مفترض ، أو انفصالي مختل محتمل ، بوصفك كل شيء وأي شيء إلا البائس الذي هو أنت.. ترنيمة وجود أبله ، تتخذ منك تعويذة لحماقتها البلهاء ، تفر منها لتسترجع عناوين البارحة في نشرات الأخبار الوطنية: هجوم إرهابي ، قتلى وجرحى ، اختطاف طفلة بالخطأ واغتصاب طفل عمداً ، نهب بنك بدراجة نارية مجهولة جداً ، اختفاء مائة مصلي وسرقة ألف حذاء من مسجد الهدى.!

يخطر لك أن الجميع من حولك يحاول إقناعك أن الله عظيم ورحيم وكريم ، وكأن مشكلتك مع الله لا معهم ، فتتمتم في صمت.. إن كانت هذه بلاد السعيدة ، فما أشقى العالم !

صنعاء حوت كل فن.! لابد أنها ذات الكوميديا السوداء ، التي جعلت من بيت الله قصراً للكاهن ، تتجلى عبارة متحاذقة ، خارج أطر ذاكرة المكان والزمان والفن.. فما جدوى أن تشرق الشمس على مدينة بلا نوافذ ؟ ما جدوى الحرية.. وما ذاك الوجود الذي يقف في طابور بحثاً عن نافذة ؟