الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٠ صباحاً

بعرة احتجاجات أربعاء صنعاء

د. عبدالله أبو الغيث
الاثنين ، ١٦ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
عمت الاحتجاجات يوم الأربعاء الماضي 11 يونيو مختلف مديريات وشوارع مدينة صنعاء تقريباً، وحددت وزارة الداخلية في بيان أصدرته عن الأحداث أنها تعاملت في ذلك اليوم مع (221) حالة قطع طرقات وحرق إطارات وأعمال شغب (يتطابق الرقم مع عدد أعضاء مجلس الشورى في التعديل الجديد).
تضاربت الروايات وتبودلت الاتهامات بين الأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية، وحاول البعض تصوير الموضوع على أنه مجرد احتجاجات شعبية عفوية على انقطاع الخدمات وانعدام المشتقات النفطية.

نحن بدورنا سنحاول أن ندلي بدلونا حول الموضوع ولكن على طريقة الأعرابي القديم التي تعتمد على الربط العقلي البسيط بين الأشياء للاستدلال على الأحداث، عندما قال "البعرة تدل على البعير وأثر القدم يدل على المسير ...".

وفي البداية دعونا نعترف بأن الغضب الشعبي بالفعل صار يعم الشارع اليمني بعد أن تحولت حياته إلى ظلام دامس في ظل انقطاعات مستمرة للكهرباء وصلت قبيل احتجاجات الأربعاء ذروتها، وصار المواطن عاجزاً عن الحصول على المشتقات النفطية إلا بعد الانتظار في طوابير طويلة قد تمتد لأيام، وتضاعف سعر اسطوانة الغاز.

لكن هل بالفعل كانت احتجاجات الأربعاء عبارة عن نتاج عفوي للغضب الشعبي؟ أم أن هناك جهة ما حاولت استغلال ذلك الغضب لتفجير الأوضاع ضد رئيس الدولة وحكومة الوفاق؟

العقل يقول بأن الاحتجاجات الشعبية العفوية الغاضبة تعبر عن نفسها عادة بأحداث غير مرتبة، في أوقات مختلفة، وأماكن متفرقة، وبوسائل وطرق متعددة، وتتصاعد بشكل تدريجي.

وإذا اسقطنا ذلك على الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة صنعاء يوم الأربعاء المنصرم سنجد أنها لا تنطبق عليها، حيث انطلقت فجأة، ووصلت إلى الذروة منذ انطلاقها من غير بدايات مشاهدة، وعمت مختلف أنحاء العاصمة في وقت واحد تقريباً، واتخذت طابعاً موحداً، ورددت شعارات متشابهة إن لم تكن متطابقة.

وباعتمادنا على قول الأعرابي بأن البعرة تدل على البعير سندرك ببساطة بأن احتجاجات صنعاء لم تكن عفوية وإنما هي احتجاجات منظمة وتقف وراءها جهة ما هي من نظمها ومولها ونسق لها.

وبما أننا لم نسمع بأي دعوة صدرت في هذا اليوم من أي جهة تدعو لهذه الاحتجاجات أو حتى تنظيم مسيرات فذلك يجعلنا نعرف بأن منظمي تلك الاحتجاجات قرروا أن يظلوا كجهة سرية غير معلومة، ومن يعمل في السر لا يمكن أن تكون مراميه إلا شريرة وإلا لأعلن عن نفسه.

كما أن خبوت الاحتجاجات بمجرد الرد العنيف وغير المتوقع والمعلن من قبل الأخ رئيس الجمهورية ضد طرف سياسي محدد يؤكد بأنها احتجاجات منظمة، لأن الاحتجاجات العفوية كانت ستستمر بشكل أو بآخر ليوم أو أيام قادمة، خصوصاً والمحتجين لم يتعرضوا لأي أعمال قمع يمكن أن نقول أنها كانت وراء خوفهم ومنعت استمرار خروجهم إلى الشوارع.

والسؤال المطروح هنا من هي الجهة التي نظمت تلك الاحتجاجات؟ ولماذا حرصت على إخفاء نفسها؟ وسنكتفي هنا بإيراد بعض الشواهد التي قد تمكننا من الإجابة على ذلك السؤال:
1) رصد المراقبون ووسائل الإعلام لشعارات متطابقة تم تردديها في تجمعات المحتجين من مثل (سلام الله على عفاش) و (الشعب يريد أحمد علي).
2) توافق شهادات رواد المواصلات العامة التي استمرت في العمل في ذلك اليوم وغيرها من التجمعات الشعبية بأن هناك أشخاص كان واضحاً أنهم يؤدون مهمة كلفوا بها وهم يذكرون الناس بعهد الرئيس السابق و(سلام الله على عفاش).

3) حديث نوراء الجروي التي تتزعم حركة احتجاج محسوبة على (الزعيم) عن بيان ضبط بحوزتها يوم الاحتجاج وهي في قناة اليمن اليوم، وقولها أن البيان كان مجرد منشور عن الأوضاع، وبغض النظر عن موضوع البيان ومضمونه نكتفي بالإشارة إلى أن الحركة الاحتجاجية التي تتزعمها الجروي لم تدعُ لأي احتجاجات في ذلك اليوم فما مناسبة إصدار البيان.

4) تقديم قناة اليمن اليوم أول بأول لخارطة دقيقة تتبعت الاحتجاجات في الجهات المختلفة للعاصمة بصورة أوحت للمشاهد بأنها تملك معلومات أعدت مسبقاً، وبطريقة تحريضية تدعو المواطنين للالتحاق بتلك الاحتجاجات، الأمر الذي أوحى للمواطن العادي بأن هناك شيء ما يطبخ، وهو ما تأكد لديه إثر اقتحام قناة اليمن اليوم وإغلاقها، ودعونا نقول بأن الرئيس هادي الذي عُرف بصبره وهدوئه لا يمكن أن يقدم على مثل هكذا خطوة إلا بناء على معلومات استخبارية دقيقة وخطيرة.

5) وجود سيارات لاحظها الجميع وهي تزود المحتجين بإطارات السيارات ومادة البنزين لإشعالها.
6) ضرب أبراج الكهرباء بصورة متواصلة أدى إل قطعها بصورة مستمرة على كل المحافظات اليمنية، مع استخدام العنف والتقطعات لمنع إعادة إصلاحها.
إذا أضفنا لذلك مسارعة الاتحاد الأوربي وبريطانيا على إدانة الاحتجاجات والتحذير من أي حماقات قد ترتكب من أطراف تهدف لعرقلة عملية التسوية، إلى جانب اتصالات غير معلنة يقال أن الأمم المتحدة وبعض الجهات الدولية أجرتها مع بعض الأطراف على الساحة اليمنية وحذرتها من موقف دولي حازم سيتم اتخاذه بحقها، سيجعلنا ذلك نعرف أن الموضوع كان أكبر من مجرد احتجاجات، وسيفسر لنا لماذا حرصت الجهات التي تقف وراءها على إخفاء نفسها.

بقى أن نقول بإن اختيار زمن الاحتجاجات تم تحديده بدقة، وذلك عندما جعلوه يتوافق مع بداية امتحانات الشهادتين الأساسية والثانوية العامة، وكذلك بدء الامتحانات في معظم كليات جامعة صنعاء، حيث تصور راسموا خطة الاحتجاجات أن قطع الكهرباء، وعرقلة وصول الطلاب الى مراكزهم الامتحانية سيشعلها ثورة عارمة.

وتناسى واضعوا هذه الخطة بأن الشعب اليمني قد تعود على مثل تلك الانقطاعات في الخدمات طوال سنوات سابقة في عهد الرئيس السابق الأمر الذي جعله يتعامل ببرود منقطع النظير ويكتفي بصب لعناته على من يقف وراء ذلك، وعلماء النفس يذكرون لنا بأنك عندما تربي شخص ما على الخنوع والاستسلام لأوامرك التعسفية لا يمكن أن تجعل منه مقاتلاً شرساً يدافع عنك في اللحظة التي تقرر فيها ذلك.

دعونا نختتم بالتعليق على التغيير الوزاري الذي أعقب تلك الاحتجاجات ونتساءل هل سيمكن ذلك الحكومة من معالجة التدهور الذي تعاني منه الخدمات العامة في اليمن؟ ومن وجهة نظرنا أن ذلك التعديل قد يكون بمثابة المخدر الموضعي الذي سرعان ما سينتهي مفعوله، فمشكلة انقطاعات الكهرباء والمشتقات النفطية ليست بيد وزيري الوزارتين بقدرما هي بيد وزيري الدفاع والداخلية، ولعل ضرب مخربي الخدمات بالطيران والتعامل معهم كإرهابين يشكل الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح.

كلمة أخيرة: البلد بحاجة إلى حكومة تعمل بشكل متجانس، وتأتمر بأمر رئيسها في ظل تنسيق كامل مع رئيس الدولة، سمها بغد ذلك ما شئت: حكومة كفاءات أو حكومة وحدة وطنية أو حكومة وفاق، فالمشكلة ليست في الأشخاص أو في الجهات بل في السياسات والمواقف.
أما المؤتمر الشعبي العام فنعتقد أنه صار أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما أن يتصرف كحاكم ويتحمل مسؤوليته باعتباره الشريك الأكبر في الحكومة بدلاً من إلقاء تبعات الفشل على غيره، أو يعلن انسحابه من الحكومة وينزل إلى الشارع لتزعم المعارضة لأن "من ركب على جملين استلخ" "ومن أكل بيديه الاثنتين اختنق".