الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠٥ صباحاً

الاعتداء على المساجد .. الجذور والامتدادات ، قرآه في البعد التاريخي .

عبد الرحمن الحمراني
الاربعاء ، ١٨ يونيو ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٥٣ مساءً

ظهرت في الاونة الاخيرة (موضة ) كانت قد اندثرت في غابر الازمان ، وتركت خلفها ارثا تاريخيا مقيتا ، وجاء استهداف المساجد ابان ثورات الربيع العربي كحدث جماعي تقوم به جماعات وانظمة استبدادية سلطويه ، لا تراعي للانسانية اي معنى ولا وزن .
ولقد كثر اللغط حول موضوع استهداف المساجد بين من يرجع بعدها الى الجانب العقدي لجماعة وطائفه معينه وبين من يرى ان هناك بعدا اخر لا دين له ولا طائفه ولا شيء سوى الاستبداد والوصول للحكم باي طريقة كانت حتى ولو كانت عبادة الشمس ، وحين ننظر في السياقات التاريخيه نجد ان هناك نماذج كثيره في استهداف المساجد من كل الطوائف والاديان .
وقبل ان نذكر بعض المحطات التاريخيه يجب ان نتوقف عند بعض المقدمات المهمه والتي تدل على عمق الفكر العربي في التعامل مع الاعتداء على مقدساته ، جاء القرآن ليخبرنا ان المساجد ليست لأحد من البشر بقدر ما هي اماكن لله وحده ففيها تقام الصلوات وسائر العبادات الشعائرية والمعاملاتيه ايضا كما في عهد الرسول والصحابة وغيرهم ، ولذلك يقول الله تعالى : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (18) سورة الجن.. فهي قاعدة مهمه بعدم اختصاصية الخلق بها ، ومن هذا المنطلق قدم الاسلام الانسان على المسجد والكعبة حتى ، فالانسانية واحترام الاخر المخالف وحق الدماء اهون من ان تدمر حجرا ، ولذلك يقول الرسول الكريم : لهدم الكعبة حجرا حجرا اهون عند الله من قتل امرء مسلم ، وهو ما فطن اليه جده عبدالمطلب قبل ذلك حين قال : انا رب إبلي والكعبة لها رب يحميها.

من هذه المنطلقات نجد ان كل الانتهاكات ضد المساجد هي سياسية بحته ، كانت لاستظهار العضلات والقوه على الاخر ، وبقدر ما هي استفزازية للمسلمين لما لبيوت الله من حرمة وقداسة في نفوسهم ، الا انها لم تكن تؤثر على معنوياتهم وتهزم من عزائمهم بل تعطي حالة اسفاف واستحقار لمن يفعل مثل هكذا فعل بل وتظل لعنات التاريخ تلاحقه حتى قيام الساعة.

لقد سطر القران الكريم ابلغ الانتهاكات واجذرها في تحد واضح للعرب كافة ولقلب العروبة انذاك (قريش) ، وذلك حينما اعتدى ابرهة الاشرم على الكعبة المشرفه ظانا منه انه سيهدم اركان الوجهة الحنفيه وذلك بعد ان بنى كعبته في صنعاء ، وهو ما تفعله اليوم بعض الجماعات بضرب المساجد في اماكن في حين تبنى اضرحة وتضع عليها قباب وتعطيها قداسة باطلة كي تهوي قلوب الناس لها.

وفي عهد الدولة الأموية ضربت الكعبة مرتين بالمجنيق واحرقت ، تارة في زمن يزيد بن معاوية في الثالث من ربيع الاول 64 هـ ، حينما وجه يزيد الحصين بن النمير لقتال عبدالله بن الزبير الذي تحصن بالكعبة ، وحاصر الكعبة عدة شهور فلما علموا بوفاة يزيد انهارت قواهم فتركو الكعبة ورجعوا الى بلاد الشام . وفي عام 73هـ ، ارسل عبدالملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي للتخلص من خصومه الذين من ضمنهم عبدالله بن الزبير ففعل مثلما فعل الاول اضافة الى انه قتل ابن الزبير وبهذا انفك الحصار عنها وعن اهل مكه عموما .

ثم جاء القرامطة واستباحو الكعبة ومن فيها وكان الناس يستنجدون باستار الكعبة وبداخلها فيأتي القرامطه ليقتلوهم واحدا تلوا الاخر دون احترام للحرمة الانسانية ولا للمكان المقدس ثم انهم تمادوا كثر حينما سرقو الحجر الاسود ليردوه بعد بضع وعشرين عاما .

ولما جاء المغول والتتار واستباحو بغداد سنة 656هـ ، قتلوا وشردوا ودمروا المساجد وكانوا لا يقيمون لها اية قداسة فقد كانوا يقتلون كل من لجأ اليها من المسلمين الا من كان مواليا لابن العلقمي الخائن .

وفي ذات السياق جاء الشاه الصفوي وفعل مثلما فعل التتار في ايران وكان يحارب مخالفيه والذين غالبيتهم من السنه ويقتحم قراهم ويهدم مساجدهم ولم يسلم منه مسجد العالم الصوفي الكبير عبدالقادر الجيلاني .
كما لا يخفاكم سياسية اسرائيل في استفزاز العرب المسلمين في فلسطين فقد اعتدوا على القدس الشريف وبنوا تحته انفاقا وهدموا كم من المساجد وبنوا على انقاضها وحولوا مساجد الى معابد والى متاحف ولا زالت انتهاكاتهم مستمره .
ويستمر مسلسل الاعتداء على المساجد اليوم في سوريا من قبل النظام الفاشي هناك ، وفي اليمن نجد جماعة الحوثي الاجرامية لا تقيم للمساجد حرمة ولا لدور تعليم القرآن الكريم الذي يتغنون بمسيرته اي وزنا ، فلا تنهاهم ضمائرهم ولا اعرافهم ولا قيمهم ـ ان كانوا لهم ضمير او عرف اوقيمه ـ من انتهاك لمثل هكذا اماكن لها حرمتها ومكانتها في قلوب الناس .
وفي الاخير لا قيمة لبيت من حجر واسمنت وحديد الا بالقيمة التي اكسبها الله لها ، حينما قال : (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) (18) سورة الجن. ويقول : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الاعراف 31 ، ولئن ذهب مسجد فانه سيقام مسجد اخر وسيبنى لكن الانسان اذا هذب فلا رجعة لروحة ، فحرمة البشرية اكبر قدرا من حرمة المسجد لو كانوا يعقلون ، فهدم الكعبة لا تساوي حرمة دم امرء مسلم .
انها الانسانية التي رسخها الاسلام ، اما المساجد فصاحبها ومالكها سيتولى الرد على من قام بالاعتداء عليها عاجلا ام اجلا قال تعالى : بقول الله تعالى :(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (114) سورة البقرة
نخلص بالقول ان الجذور التاريخية لهدم المساجد ليس لها الا بعدا سياسيا لاستظهار القوه على الخصم ، واستفزاز مشاعر الناس وترهبيهم ، وهو عمل غير اخلاقي لا يقوم به الا ارذل القوم والتاريخ شاهد بزوال من قام بمثل هكذا فعل .