الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٠٢ مساءً

الصيام أنواع ومراتب (1-2 )

عارف الدوش
الجمعة ، ٠٤ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
قبل الحديث عن الصيام ومراتبه من المهم أن يستقبل الإنسان شهر رمضان وقد صفى قلبه من كل الأمراض النفسية والأحقاد ومسح منه كل الذنوب الباطنة ، فقد سئل عبد الله بن مسعود كيف كنتم تستقبلون رمضان قال : لم يكن أحدنا يجرؤ أن يستقبل هلال رمضان وفي قلبه حقد على مسلم ويتبع ذلك اهل الله ( الصوفية) تصفية القلب مما سوى الله والشوق إلى لقائه والفرح بالنظر إلى وجهه الكريم .

والصيام عند أهل الله ليس امتناعاً عن الطعام والشراب والشهوات أنهم يرونه شهر يرتقي بالروح ويجعلها شفافة مستعدة لمعرفة الله تعالى معرفة حقيقية وهناك أنواع عديدة للصوم عند أهل الله منها الصوم عن الذنوب والصوم عن الغيبة والصوم عن النفاق والصوم عن البهتان والصوم عن الحسد والصوم عن النظر الحرام والصوم عن تخريب البلاد وهناك صيام الجوارح إلى غير ذلك من الأنواع وكلها تجعل حياة الإنسان في صوم روحي دائم فليس الصيام أن تترك الطعام والشراب فقط وإنما الصيام أن تترك الذنوب والمعاصي فالصيام صيام الجوارح.

في التجربة الروحية نجد تأكيدا ملحا على الجوارح أكثر من سواها فالباحث محمد غازي عرابي مثلا عبر عن الصوم في كتابه "النصوص في مصطلحات التصوف" بأنه : "فطم النفس عن شهواتها وهي حاجة ملحة لخروج النفس من قمقمها المادي بمعنى كسرها إياه لا بمعنى المفارقة" والصوم عماد الدين بعد الصلاة ، فهو توأمها ورديفها الثاني ، فمن دون الصوم لا يمكن للعبد أن يتفكر في ما اعتاده في حياته من عادات ثابتة .

وفيما يعتبر " العاديون من امثالي" شهر رمضان شهراً للطاعة وطلب للمغفرة وشهراً لغسل الذنوب وشهر مثوبة يراه العارفون بالله على انه شهر نكران الذات والتخلي عن كل شي إلا الله تعالى ومعرفة ذلك معرفة حقيقية والتمسك بكونها إرادة إلاهية.

وصيام الجوارح يغفل عنه كثير من الناس فنراهم في رمضان يصومون عن الحلال ولكنهم لا يتورَّعون عن أخذ الرشوة وأكل الربا وغير ذلك من ألوان الحرام ويقول جابر - رضي الله عنه - كما في "مصنف ابن أبي شيبة": "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمأثم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك وفطرك سواء".

ويقول زين العابدين بن علي -: "حق الصوم أن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك، ليسترك من النار" وهكذا جاء في الحديث: "الصوم جُنَّة من النار" (رسالة الحقوق ص107).

ويقول ابن الجوزي - رحمه الله - كما في "بستان الواعظين" ص 300:
ما من جارحة في بدن الإنسان إلا ويلزمها الصوم في رمضان وغير رمضان فصوم اللسان: ترك الكلام إلا في ذكر الله تعالى، وصوم السمع: ترك الإصغاء إلى الباطل وإلى ما لا يحل سماعه، وصيام العينين: ترك النظر والغض عن محارم الله؛ ا. هـ.

وفي كلام ابن الجوزي لكل جارحة صيام وصيامها أن تكفَّ عن العصيان فاللسان يصوم عن الغيبة والنميمة والكذب والبهتان والفم يصوم عن الحرام والأذن تصوم عن سماع ما يغضب الرحمن والعين تصوم عن النظر إلى النسوان واليد تصوم عن أخذ الرشوة والسرقة والبطش والطغيان والبطن تصوم عن أكل الحرام والقلب يصوم عن الكراهية والبغضاء والشحناء والحسد والخصام.

ومَن يجهل حقيقة هذا الصيام فله حظ ونصيب من كلام الحبيب - صلى الله عليه وسلم -: "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلا السهر " (رواه الإمام احمد وابن ماجه والنسائي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو في صحيح الجامع: ( 3488).

ويقول الإمام أبو حامد الغزالي في "الإحياء" (1/277 ) : اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص. أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة. وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام. وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهمم الدنية، والأفكار الدنيوية، والكف عما سوى الله بالكلية، فهو إقبال بكل الهمة على الله - عز وجل - وانصراف عن غير الله سبحانه.