الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٣ مساءً

حرب عمران .. ومدى تقبلنا للرأي الاخر !!

أحمد عبدالله جحاف
السبت ، ١٩ يوليو ٢٠١٤ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
ما أسهل السخرية من المعتقدات التى لا نؤمن بها ، وما أسرع النكات التى نبتكرها عندما يتعلق الأمر بدين أو مذهب لا نتبعه ، وما أوسع أفقنا وتقبلنا للرأى الأخر عندما نناقش مذاهب ومعتقدات الأخرين ، وما أشد جهلنا ورفضنا للحوار عندما يتعلق الأمر ... بالدين الذى نعتنقه .

تابعت بشغف ممزوج بالحسرة ، نظرات وعبارات الشماتة والإستغراب التى إرتسمت على الكثيرين من المتابعين لاحداث محافظة عمران الاخيرة والتي كان ضحيتها العديد من المواطنين والجنود الغير مخيرين في اختيار مصيرهم ، وأخر تطورات الاحداث هناك مقتل قائد اللواء 310 القشيبي والذي كان يقاتل بلواءه استجابة لاحدى الاحزاب المتصارعه هناك ، ولاحظت عبارات التحسر من بعض النشطاء التى تمتزج بنظرات ساخرة تتحول لجلسات كاملة من التندر والفكاهة السخيفة بمجرد الخلوة بالأخرين .

وكنت سأشك فى قدرتى على التنبوء مالم تخرج "مصادر رسمية" تتبع الطرفين المتحاربين بخبر مقتل قائد اللواء القشيبي ، بعض المصادر تحدثت عن العثور على جثته القشيبي في احدى الشقق المجاورة للمعسكر ومصادر اخرى تتحدث عن أسره قبل أعدامه ولكن الأكيد بأنه قُتل ولكن ما يزعجني هو أسلوب بعض المصادر الذي نشرت خبر مقتله بإسلوب يندى له جبين كل صاحب أخلاق مهما كان دينه .

أما عن التعليقات على مواقع التواصل ، فحدث ولا حرج وبذاءه ما بعدها من بذاءه .

ما حدث ويحدث ، يعيد لى تساؤلات بعيدة ، عن مدى تقبلنا الأخر .. الأخر بكل أنواعه وأشكاله .. نحن لا نملك أدنى قدر من تقبل الأخر ، ولا ذرة من القدرة على تصور نظرة الأخرين لما نعتقده ونؤمن به .

من يسمون أنفسهم مسلمين ، ويسخرون على ما احداث الحروب والدماء التي تتساقط من الطرفين ، لا يستطيعون وضع أنفسهم موضع الأخر ، وينظرون لمعتقداتهم الدينية من هذا المنظور .


بإختصار : أى نظرة خارج صندوق الدين او المذهب او العقيدة ومحاولة تفسير الشعائر بشكل عقلانى لا تنتهى إلا برؤية أتباع هذا المذهب كمجموعة من الحمقى الذين لا يدرون ما يفعلون ، إذا أردت حقا أن تفهم ديناً أو مذهباً أو طائفتاً فيجب أن تتبعه حتى تستطيع فهم كل شعائرة بعيدا عن المنطق والإنتقائية .


مثل ما يحدث الان من سخرية البعض بعد مقتل القشيبي قد حدث ويحدث وسيحدث تكراراً ، فقد سخر البعض في جنازة قائد جماعة الحوثيين ( حسين بدر الدين ) وكذلك بعد استشهاد بعض قياداتهم مثل الدكتور شرف الدين والنائب جدبان ، إن هؤلاء الذين يسخرون من سفك الدماء ، ومن محاولة نشر الفتنة الطائفية والمذهبية في المجتمع ، ويدعون الديموقراطية وحرية التعبير عن الرأى ، هم أول من يقمع حرية الرأى ويخرس الألسنة إذا إنتقدت قياداتهم او مشائخهم او علمائهم او أصعر عضو في جماعتهم ، حينها حرية الرأى تتحول عندهم لقلة أدب غير مقبولة وجرأة لا محل لها من الإعراب


نختلف أيضاً في طريقة ممارسة العقائد الدينية ، فحين تخالف الاخر في الطريقة تتحول العقائد الدينية إلى هدف للأقتتال وسفك الدماء حتى وإن كانت داخل المساجد الطاهرة بيوت الله سبحانه ، المشكلة الحقيقية لدينا هى أننا لا نفهم حق الأخرين فى الإختلاف ، وحريتهم فى ممارسة عقائدهم الدينية على الشكل الذى يرتضوه طالما لا يضرون أحدا ، ولا يجبرون أحد على إعتناق مذاهبهم ، بينما نعطى لأنفسنا الحق المطلق فى الإنتقاد والسخرية والمقارنة التى لا هدف منها سوى إبراز جهل الأخرين مقابل علمنا ، وقدرتنا على التحليل مقابل ميلهم للجهل .

وفى خضم "المعمعة" الفكرية التى تمارس الان في اثناء أستمرار المواجهات المسلحة في عدة مناطق ، أوجه التحية الخالصة للأعداد الغفيرة من اليمنيين المسلميين الحقيقيين ، الغير مسيسين ، الذين وجهوا التعازى القلبية الخالصة لقتلى الجماعتين ، الذين وجهوا كلماتهم الصادقة لحل الخلاف بين الجماعتين ، على الرغم من عدم سعيهم لأى ظهور إعلامى أو كسب أى نقاط سياسية أو إجتماعية ، هؤلاء هم اليمنيين الحقيقيين ، المؤمنين بحق الأخر فى إعتناق المذهب او الطائفة الذى يراه ملائما .

هؤلاء هم اليمنيين الحقيقيين الذين يعلمون جيدا أن رصيد وحدتنا الوطنية والدينية قد شارف على النفاذ ، وأن إعادة شحن الرصيد قد تكون بكروت تعازى صغيرة ... وهذا أضعف الإيمان .