الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٩ مساءً

وحدة الأداة والإرادة لإحداث تغيير مجتمعي ايجابي

فضل عبدالكريم الجهمي
السبت ، ٠٩ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
بدلا من تسخير الطاقات والجهود والحشود من اجل استكمال عملية التغيير التي لن ولم تحدث بين ليلة وضحاها نرى كثيرا من المتطلعين والتطلع حق شرعي إن كان مرادف للقدرة والأحقية يسابقون الزمن للتسلق ولوصول على حساب وحدة الأداة والإرادة عبر اقصر الطرق وأسهلها وهي في لحضتنا التاريخية الراهنة الشرعية الثورية مستغلين حالت التخبط والفوضى التي تُسٌير بهاء البلاد ومستغلين نقاط ضعف الحكام الجدد المحسوبين على العهد الماضي الموبوء.

الوباء لم يمس فئة محددة حتى يمكن أن يحدث التغيير السريع كما يعتقد الكثير عبر محاصرته ومن ثم القضاء عليه وإنما وباء الفساد الفتاك قد مس المجتمع اليمني برمته ما بين فاسد ومفسد وحاضن ومتقبل وبالتالي فان الثورة الشعبية التي انتفضت ضد هذا السلوك الشٌين الذي مس الجميع ومنهم الثوار ذاتهم والذين أدركوا بأنهُ لم يعد بالإمكان السير في نفس الطريق وبنفس السلوك لكون الجميع كان على موعد مع السقوط تحت براثين التمزق وحكم العصابات والطوائف وكل أشكال الهيمنة التي ستعيد المجتمع إلى عصر السبي والعبودية.

إن السلوك الإنساني في المجتمع اليمني -ولكل مجتمع معاير للسلوك ارتضاها وحاول المحافظة عليها- والذي كان قائم على السلوك التعاوني ألتعاضدي عبر التاريخ قد شابه خلل كبيرا ولم يشفع له كونه مجتمع محافظ متدين أن يحافظ على تقاليده ومعتقداته على الوجه الأمثل
لقد شاب المجتمع تحولاُ كبيرا في السلوك وفي فترات قصيرة نتيجة لحالة الطفرة الاقتصادية التي مر بهاء في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وتحوله من مجتمع تعاوني منتج إلى مجتمع استهلاكي مستورد.

ولقد ساعدت الطفرة الاقتصادية نتيجة الهجرة على ارتفاع مدخولات الأسرة اليمنية جرى تحويلات المغتربين من بلدان الهجرة ما أدى إلى تغير نمط الحياة ونمط الإنتاج للأسرة جرى هجرة القوى العاملة الشابة والماهرة والقادرة وقد أدت هذه الهجرة إلى إفراغ المجتمع من جزء كبير من القوى العاملة التي أثر غيابها على نمط الإنتاج ونوعيته وأدت كذلك إلى تدهور الإنتاج الزراعي المحلي والحرفي وتحول الاعتماد في الاستهلاك من المنتج المحلي إلى المنتجات المستوردة.

لم تستمر الطفرة الاقتصادية وحالة النهضة طويلا فمثلما بدأت بصورة مفاجئة انتهت كذلك وبنفس الصورة نتيجة لاحتلال العراق للكويت وترحيل أكثر من اثنين مليون مهاجر يمني من بلدان الخليج العربي نتيجة لموقف اليمن من هذا الاحتلال كانت عودة هذا الاعداد الهائلة يعني حرمان المجتمع وحرمان الدولة من عائد مالي كبير بل إن هذه اليد العاملة الكبيرة والتي تحول نمط عملها بما لا يناسب حجم ونوعية سوق العمل في الوطن قد تحولت إلى قوى عاملة عاطلة وهو ما يعني تحول الأسرة اليمنية ليس من حالة الكفاية بل ومن الحالة الاستهلاكية المفرطة إلى حالة العوز الغذائي نتيجة انقطاع مصدر الدخل ولعدم وجود وعي ادخاري مسبق لدى المغترب أو الأسرة نتيجة لمحدودية التعليم وحتى لدا الدولة التي لم تساعد في إيجاد مستوعبات حقيقية ونزيهة لعوائد المغتربين بعد أن فشلت في إدارة الاستثمارات البسيطة التي شارك المغتربين المتنورين في ألمساهمة فيها في سبعينيات القرن الماضي وهيا ما أدت إلى عزوف المغتربين بشكل عام في الادخار أو المساهمة وتحولهم إلى استخدام الفائض النقدي في الاستهلاك السلعي والكمالي وهو الشيء الذي لم تعد الأسرة اليمنية مستعدة للتنازل عن مثل هذا النمط من المعيشة الاستهلاكية وهو أيضا ما آدا فيما بعد إلى خلق فجوة كبيرة بين الاستهلاك والمدخول وهو ما انعكس على نفسيات وسلوك الفرد والمجتمع.

لقد كان لهذه المتغيرات المفاجئة غير المدروسة وغير الموجهة الأثر الأكبر في تغيير السلوك المجتمعي الايجابي وتحول هذا السلوك الايجابي إلى سلوك سلبي في الغالب ما ساعد بان يكون المجتمع اليمني مجتمع متقبل بل وبيئة حاضنة للفساد والمفسدين.

لقد ساعدت العوامل الذكورة أعلاه بالإضافة إلى تخلف جهاز الدولة وفساده وانعدام الرؤية ولبرامج والخطط لدى الدولة في مضاعفة حجم التغير السلوكي السلبي الهدام فأجهزة الدولة وكافة مؤسساتها كانت بمثابة غنيمة للقائمين عليها ومن المقربين وهو ما كان له عظيم الأثر في إكساب السلوك الانتهازي الفاسد للمجتمع باعتبار هذا السلوك غير شين ويمارس بصورة طبيعية بدون حساب او عقاب بل إن المفسدين يحضون بالمكانة المرموقة في الدولة والمجتمع بينما بقية المجتمع يسقطون نحو القاع.

وينظر علم الاجتماع إلى الفساد بأنه (علاقة اجتماعية) تتمثل في انتهاك قواعد السلوك الاجتماعي في ما يتعلق بالمصلحة العامة
وعليه فالفساد عموماً هو عكس الاستقامة والنزاهة والإيجابية والبناء، وهو ممارسة وسلوك لتغليب المنفعة الشخصية على المنفعة العامة واستغلال المصلحة العامة لتحقيق المنافع الشخصية دون النظر إلى المنفعة العامة (سلام إبراهيم، الفساد والإفساد في العراق). إنّ المجتمع المريض الذي يحول دون إشباع حاجات أفراده، والذي يفيض بأنواع الحرمان والإحباط والصراعات المتنوعة، والذي يشعر فيه الفرد بنقص الأمن وبعدم الأمان هو مجتمع خصب لكل أنواع الفساد كما أن التنافس الشديد بين الناس، وعدم المساواة وغياب العدالة، والاضطهاد والاستغلال، و سوء الوضع الاقتصادي قد يدفع بالعديد او الجماعةإلى ممارسة أنواع السلوك الممنوع أو المرفوض اجتماعيًّا،في الحالة الطبيعية كأعمال الغش،والرشوة والسرقة والتزوير، والاتجار بالمخدرات وبالبشر حتى.

إن على الثوار والمثقفين والسياسيين الشرفاء وكل منظمات المجتمع المدني الإدراك بحجم الكارثة وبحجم التغييرات السلبية التي قد مست المجتمع وبالتالي الإدراك بان التغيير لن يأتي بين ليله وضحاها وإنما يتطلب الوقت ولصبر والتكاتف والبدء في التغيير الذاتي لخلق القدوة التي يمتثل إليها المجتمع.

إن الثورة الحقيقية التي ينبغي على كل ثائر وكل مثقف وسياسي شريف هي إحداث التغيير السلوكي الايجابي في المجتمع وإخراجه من حالت الفساد أو القبول بالفساد أو الصمت عن الفساد (البيئة الحاضنة)إلى حالت الرفض التام لكل إشكال الفساد.