الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:١٢ صباحاً

دواعش الشيطان!

هاني غيلان
الأحد ، ١٠ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
مسلحو القاعدة يقطعون بالسكاكين رقاب 14 جنديا يمنياً بمنطقة الحوطة بحضرموت يوم أمس ثم يصورونهم وينشرون صورهم ويرمون بجثثهم على قارعة الطريق في وحشية وإجرام يندى لها الجبين.. وحشية وإجرام تضع أمامنا العديد من التساؤلات المشروعة عن مدى إنحطاط قيم وأخلاق أولئك القوم وإنحراف مسلكهم والمعتقدات التي يدينون بها.. وعن ماهية (الشريعة) التي يرمون لتطبيقها بزعمهم؟ مع اعتقادي بضرورة التفريق بين قيادات تلك الجماعات العليا والوسطية وأفرادها المغرر بهم ممن قد يكونوا وقعوا ضحية لعوامل كثيرة منها : (الحماسة الدينية الغير منضبطة بالعلم والفهم الصحيح لتعاليم الدين ومقاصده السمحة) والأوضاع السياسية والاقتصادية المتأزمة وحالة التشرذم والضعف والهوان الذي تعانيه الأمة اليوم.. كما أنه لا يمكن -باعتقادي - مواجهة وحشية وتطرف تلك التنظيمات بالقوة وحدها ما لم يوازي ذلك عمل دؤوب ومنظم ترعاه الدولة وينبري له العلماء الأكفاء القادرون على مواجهة المعتقد بالمعتقد والحجة بالحجة والفكر بالفكر.. لا بد من عمل منظم ودؤوب لنشر العقيدة الوسطية الصافية الخالية من الغلو والتطرف وتعليمها للناشئة لأن الجهل المطبق بتعاليم الدين الذي يعيشه العامة اليوم هو المدخل الذي ينفذ منه غالبا أصحاب تلك الدعوات الهدامة الضالة المضلة، وأمثالها، مستغلين العاطفة الهوجاء لنصرة الإسلام والمسلمين وتحكيم الشريعة والجهاد.

أما (تنظيم القاعدة) ومن سار على دربه فليس وليد هذا العصر بقدر ما هو امتداد لفرقة شهيرة منحرفة ظهرت في عصر الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وتحديدا في عهد الخليفة (عثمان بن عفان) وسموا بـ (الخوارج) نسبة لتشددهم مع الحاكم أو ولي الأمر ثم تحريضهم عليه وتكفيرهم له ولمن تبعه وما ترتب على ذلك من خروج وقتال وسفك دماء.. من صفات الخوارج ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم عنهم، فقد ورد في الصحيحين بأنه ((يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة )).. ومن صفاتهم: الإجتهاد في الزهد والعبادة على قلة العلم الشرعي والتشدد والتعصب والغلو والتسرع في التكفير والاستهانة بالدماء وما ينتج عنه من إضعاف جماعة المسلمين وخدمة مخططات أعدائهم.. ومن صفاتهم أيضا: تأويل أحاديث (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعدم السكوت على الظلم) كمنطلق فكري لمنهج الخوارج -قديما وحديثا- لتغيير أئمة الجور والفساد وإقامة دولة العدل والخلافة بزعمهم ولذلك فجروا الثورات ضد الأمويين وضد عمالهم وسفكوا الدماء بلا طائل ولا نتيجة كما ذكرت كتب التاريخ والسير.

أما مسألة الخروج على الإمام أو الحاكم أو ولي الأمر فمحرم شرعا كما دلت على ذلك ظاهر الآيات القرآنية كقوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله وإلى الرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ (النساء/59)، والأحاديث الصحيحة التي تعدت المئة حديث شريف كما عدها بعض أهل العلم كقوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: (إلا من ولي عليه والٍ فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة) وكقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الصحيحين: (بايعنا رسول - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرةٍ علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان). ولنتأمل قوله (كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان): أي دليل صريح لا يختلف فيه اثنان مع إشتراط بعض أهل العلم إقامة الحجة وامتلاك القوة والغلبة، فالمسألة إذاً مقيدة بحدود الشرع والمصلحة لأنه ينبني على الخروج مفاسد عظيمة وإراقة دماء بريئة وهتك أعراض وضياع حقوق ولا يتيسر ردع للظالم ولا نصر للمظلوم، وما إلى ذلك مما نشاهده اليوم واقعا معاشا في بلادنا للأسف الشديد!

وأما ما يزعم البعض من (دعاة الإسلام السياسي) من أن الخروج المُحرم إنما يكون بالسيف فقط ولا يكون باللسان فهو قول باطل وأحمق أيضا، فاستمرار إيغال الصدور والشحن والتحريض والتهييج لا بد أن يؤدي ببعض المتحمسين والطائشين والمغامرين للخروج بالسلاح واليد، خاصة مع ما يحدث اليوم من بعض الخطباء والدعاة -المحسوبون على تيار سياسي بعينه- من استغلال لمنابر المساجد وخطب الجمعة للتشهير ونشر المعايب وسوق الاتهامات بالتواطؤ والخيانة والعمالة والنفاق والكفر، بدلا من التوجيه إلى الخير بحكمة وإحسان والدعاء للجميع بالهداية والصلاح، وقد ذكر أهل العلم أن من خرج على الولاة بلسانه ولو لم يخرج بسيفه فهو من الخوارج، وذكر ابن حجر في المقدمة «هدي الساري» شخص ما قال: (هو من (القاعدية) وهم الذين يخرجون على الولاة باللسان لا بالسنان)، وقد وضح العلماء –منهم الألباني وإبن باز والعثيمين رحمهم الله- بأن النهي عن المنكر يجب أن يكون مضبوطا بضوابط المصلحة فلا يؤدي إلى شر وفساد أعظم من المنكر المراد إزالته، وأما النصيحة للحاكم فيجب أن تكون بالرفق واللين وأن لا تكون في العلن درء للفتنة وليتحقق منها الفائدة المرجوة وفي هذا يقول الشاعر:
تغمدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوعً من التوبيخ لا ارضي سماعه