الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤١ صباحاً

اليمن في مواجهة مأزق (التصعيد الثوري) للجماعة المسلحة

ياسين التميمي
الاثنين ، ١٨ أغسطس ٢٠١٤ الساعة ١١:٥٣ صباحاً
عبد الملك الحوثي، توعد الليلة بتصعيد (ثوري) غير مسبوق، عبر زحف "مليشاوي" من المحافظات إلى العاصمة تحت مسمى "الشعب". إنه الغرور الذي يمليه فائض القوة،
الموجودة لديه، ونزعة "الإسقاط" التي أخذت خلال الأشهر الماضية طابعاً عسكرياً محضاً، وأفضت إلى خروج محافظة أخرى هي (عمران) من كنف الدولة إلى كنف المليشيا المسلحة، فيما تكافح محافظة ثالثة(الجوف) للتخلص من عدوان جديد للجماعة المسلحة..

الحوثي يستخدم إمكانيات حركته العسكرية قبل أي إمكانية أخرى للحشد السلمي، في تنفيذ مشروع الانقلاب على ثورة الـ11 من فبراير الشبابية الشعبية المباركة، التي جردها من أهم فعل ثوري، وأنكر عليها التضحيات الجسام التي قدمتها قرباناً على مذبح التغيير والانتقال إلى مستقبل أفضل، الثورة التي جنحت للسلم رغم التضحيات، وقبلت باتفاق نقل السلطة ممثلاً بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.. الثورة التي عبرت عن إجماع لا يمكن لعبد الملك الحوثي أن يقامر، بادعاء وجوده في تحركه التصعيدي الذي سيبدأ غداً ضد الدولة وحكومتها ومشروعها السياسي للانتقال السلمي على قاعدة الوفاق الوطني.

لا أرى في التحرك التصعيدي للحركة الحوثية المسلحة إلا المستوى الأخير من عملية الإجهاز على الدولة ومقدراتها، وإحداث فوضى عارمة، يمكن أن تقود الدولة والمجتمع
إلى المجهول، لا سمح الله، إن لم يكن هناك تحرك حقيقي فاعل من قبل الدولة والقوى السياسية والمجتمع الدولي لاحتواء مناسب لهذا التصعيد لا يمس كرامة وهيبة الدولة، ولا يؤثر في البنية السياسية الهشة.. إن دعوة صارخة ومتشنجة كهذه، تضع البلاد برمتها أمام اختبار صعب، فإما أن تتجاوزه بنجاح أو تخفق، لا سمح الله، وحينها ستكون التكلفة باهضة.

لا أحد يمكن أن يجادل في المحتوى السياسي ذي الطبيعة الانتهازية، لدعوة الحوثي إلى ما أسماه (التصعيد الثوري)، فهو يريد إخراج القوى السياسية الرئيسية من الحكومة ومن السلطة، وإنهاء صيغة الحكومة الوفاقية، وتشكيل حكومة كفاءات، يكون له نصيب كبير فيها، وإحكام سيطرته على أوسع مساحة جغرافية من شمال البلاد.

ويتمثل المأزق في أن إسقاط الحكومة إن تم بإحلال حكومة كفاءات كما طالب الليلة في خطابه، لن يفضي إلى إسقاط الجرعة وهو مطلب رئيسي ثالث للحوثي، وإن حدث أن تحققت هذه المطالب كلها، فإن البلاد ستدخل في مشكلة عنوانها الانهيار الاقتصادي، والعزلة الدولية، والتي ستنتج عن عجز حتمي في الموازنة، وانهيار العملة، وفي توقف أي شكل من أشكال المساعدات.

أقول ذلك وأنا أزعم حتى الآن بعدم وجود صفقة من أي نوع بين الرئاسة اليمنية والحركة الحوثية، لأن صفقة كهذه ستكون بالتأكيد محل رضا المجتمع الدولي، الذي لن يقبل أو يبارك التراجع عن قرار تحرير أسعار المشتقات النفطية، وهذا وجه آخر من وجوه المأزق الذي خلقته دعوة الحوثي إلى (التصعيد الثوري).
من الواضح أن الحركة الحوثية المسلحة، تقف بمفردها في هذا التحرك المغامر والمجنون، ليس معها سوى مليشياتها سهلة القياد، وهي مليشيا دُربت للحرب وللفوضى، ولم تُدرب للاحتجاجات السلمية.

فعلى الرغم من أن التصعيد يأتي تحت يافطة عريضة عنوانها( السلمية) ويأتي كذلك تحت مظلة الجمهورية، كما أشار عبد الملك الحوثي في خطابه، فإن التهديدات المتكررة التي اشتمل عليها خطابه، والتحريض المبكر لمنتسبي المؤسسة العسكرية بالانضمام إلى تحركاته التصعيدية، تدل على الطبيعة الانقلابية لهذه التحركات، في مضمونها ومآلاتها.

هذه التحركات إن لم تتوقف فإن نتائجها لا يمكن أن تقبل القسمة على أكثر من واحد، وهذا الواحد، إما أن يكون الدولة ومشروعها السياسي الوفاقي للانتقال السلمي، أو الجماعة الحوثية المسلحة ومشروعها التفكيكي، وحينها، لا يمكن الحديث عن التعايش والشراكة والتعددية والانتقال السلمي للسلطة.
حفظ الله اليمن من كل سوء ومكروه..