الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤٣ مساءً

مواقف مشرّفة .. ومطالب مُفخّخة

نُهى البدوي
الاربعاء ، ٠٣ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١٠:٠٥ صباحاً
المنعطف التاريخي الذي تمر به بلادنا بسبب تمرّد الحوثيين وسعيهم إلى الحلول محل الدولة بإقامتهم المخيمات وفرض الحصار على العاصمة صنعاء وتطويقها بالمسلّحين، والمغالطة بتبنيهم مطالب “إسقاط الحكومة وإلغاء إجراءات رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية”، قد وضع القيادة السياسية والأحزاب اليمنية ومنظمات المجتمع المدني، وكافة أبناء الشعب اليمني، وكذا المجتمع الدولي والدول الراعية للمبادرة الخليجية أمام اختبار وامتحان مفصلي في كيفية التعامل مع الحدث القائم والتمييز بين الحق والباطل، والصدق والكذب، والجدية والنفاق، والديمقراطية والتمرّد، ومن الطبيعي أن تظهر التيارات السياسية بمواقفها المتباينة ،حول ما يدور لكن قد يختلف الأمر مع الوضع الحاصل والذي بيّن معدن التيارات والأحزاب السياسية وقياداتها، فبعضها كانت مواقفها شجاعة ومشرفه نابعة من شعور صادق وغيره لدى أصحابها على الوطن والشعب والحفاظ على ثوابته الوطنية، وأخرى متأرجحة ومتباينة وركيكة الطرح خضع أصحابها إلى مؤثرات الصراع السياسي القائم بين الأحزاب منذُ 2011م ، وبنوا مواقفهم على أساس الربح والخسارة السياسية وانطلقوا في ذلك من رغبتهم للثأر السياسي وتصفية حساباتهم الحزبية بالتعامل مع الحوثي على حساب التفريط والسماح له بالمساس بالثوابت الوطنية.

هكذا نقرأ ويقرأ البسطاء التباين الحاصل في مواقف الأحزاب اليمنية، وهكذا نرى التخاذل “المخزي” لقياداتها بعد أن تلقوا صفعات الإدانة والانتقادات من العامة ومن أعضاء أحزابهم والانقسامات التي برزت فيها هي من تؤكد ذلك، وبالمقابل نشعر بالفخر والعزة لأصحاب المواقف الوطنية الشجاعة التي كانت تصريحاتهم كالبلسم لمداواة جراحاتنا لتنهض بناء للاحتشاد في الميادين والساحات لنقول: الحق كما أكدنا على ذلك يوم الجمعة الماضية في مسيرة “معاً لأجل اليمن” لنسمع العالم أصواتنا والتفافنا أننا شعب يصطف خلف رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي لتنفيذ مخرجات الحوار، ولنؤكد باحتشادنا للعالم أجمع رفضنا لتمرّد الحوثي ومطالبه (المفخّخة) التي بها يحاول تضليل الرأي العام المحلي والعالمي، واستدراج واستغلال بعض المواطنين والتأثير على وعيهم المحدود بتزييفه الحقائق لهم، وتغطية مطامعه وأهدافه الطائفية وارتباطه المعروف بتبعيته لإيران لتنفيذ ما تمليه عليه من مخططات تستهدف اليمن.

تلك الكلمات الصادقة التي تعودنا عليها في المواقف الصعبة أن تصدر من الرئيس عبدربه منصور هادي، رئيس الجمهورية كان لها أثرها البالغ لتشد من معنوياتنا، حين قال أثناء استقباله لعدد من النشطاء في الهيئة الشعبية للاصطفاف الوطني في 27 أغسطس الماضي: “لن نسمح لأحد بليّ الذراع، ولا أريد أن أدخل البلاد في حرب أهلية وبحرب من طاقة إلى طاقة، وسنضرب بسيف السلم إلى حيث يصل”. وأضاف “ أنا وأسرتي هنا بصنعاء وبشارع الستين وأسرتي ليست في دبي ولا أبو ظبي، ومستعد أن أموت أنا وأسرتي بصنعاء من أجل اليمن والحفاظ على الجمهورية والوحدة والديمقراطية ومخرجات الحوار الوطني” كان لها أيضاً وقعها الناري في نفوسنا، وهو موقف وطني يُضاف إلى مواقفه الوطنية المعروفة عن نزاهته وغيرته على وطنه، وكانت كالشعلة التي حرّكت مشاعرنا لننتفض لإحقاق الحق وإسقاط الباطل الذي يحاول الحوثي به حجب الرؤية عن عيوننا، والترديد على مسامعنا مطالب وشعارات مؤثرة تحمل في ثناياها وباطنها التفخيخ لضرب مصالح الشعب اليمني وإسقاط النظام الجمهوري، إلا أن كلمات الرئيس هادي الصادقة إزالة الغشاوة عن أنظارنا وشدت من عزيمتنا لنأبى أن لا نرضخ لفكر عبد الملك الحوثي ولتأثير كلماته الملغومة أو نستسلم لإرهابه النفسي.

تلك المواقف وغيرها من المواقف الأخرى لكثير من أبناء الوطن المخلصين التي أبدوها ضد تمرّد جماعة الحوثي ومنهم الأستاذ المناضل حسن زيد، أمين حزب الحق، والأستاذة الحقوقية أروى عثمان، رئيس فريق الحقوق والحريات بمؤتمر الحوار الوطني وجميع من احتشد في جمعة “معاً لأجل الوطن” في صنعاء وبقية المحافظات.. هذه المواقف سيخلّدها التاريخ وسيدوّنها في صفحاته دروساً للأجيال القادمة شاهدة عن التخاذل والتآمر والشجاعة وسينطق التاريخ في مناسبات قادمة كلمته الفاصلة حول هذا المنعطف التاريخي والأعمال الاستفزازية التي يقودها الحوثيون لمحاصرة صنعاء وحينها سيندم أولئك المتحالفون الجدد ضد الشعب.

كما أن هذا التصعيد الخطير وضع أولئك المتخاذلين على المحك وأماط اللثام عن وجوههم وكشف حقيقتهم وزيفهم ومغالطتهم للتاريخ، ولا أعتقد أن قواعد أحزابهم ستسمح لهم بالاستمرار بخداع الشعب ثانية بعد هذا الفضيحة التي ستلتصق بتاريخهم الأسود (أصلاً) بعد أن أكدوا التشكيك السابق من بعض الوطنيين الشرفاء حول حقائقه، ولن تسمح لهم الأجيال بعد اليوم بتزييف التاريخ أو صناعته وتفصيله على مقاساتهم وهي شاهده في الميادين على خذلانهم وتآمرهم على الوطن والشعب، ولن يجد المتحالفون الجدد (الحوثيون ومن يدعمهم) طريقاً آخر، إلا السقوط في مزبلة التاريخ التي تنتظرهم.

أما أولئك المغرّر بهم الذين لازال يصعب عليهم التمييز بين الحق والباطل فإنهم حتماً سيراجعون حساباتهم ويعودون إلى رشدهم والالتحاق بصف المدافعين عن الحق والرافضين الباطل أو المساس بالثوابت الوطنية، لا سيما بعد أن وضحت الصورة للداخل والخارج وللمجتمع الدولي، وانكشفت حقيقة الأعمال التي ينفذها الحوثيون بزعامة عبد الملك الحوثي ومن يدعمونهم بأنها تهدف إلى تقويض عملية الانتقال السياسي والآمن في اليمن، فإن أولئك المغرر بهم لا بد أن يعيدوا حسابتهم والتوقف عن السير في هذا الطريق الخاطئ وأن لا يسمحوا لأنفسهم أن يتحولوا إلى مطية لأطماع “التابع للمتبوع” وخدمة الأجندة الخارجية التي تسعى (إيران) إلى تنفيذها في اليمن.

لقد كان الموقف الدولي الرافض لهذه الأعمال كالكابوس على الحوثيين ومن يدعمهم، وكان البيان الصادر عن رئاسة مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي 29 أغسطس بمثابة رسالة مسمومة لها أبعادها، ولن يتجرّعها إلا الحوثيون ومن معهم فقط، إذا لم يمتثل لمطالب مجلس الأمن.

بإصدار مجلس الأمن البيان يكون الحوثيون ومن معهم قد انتقلوا من شباك اليمنيين التي وقعوا فيها إلى شباك وفخ المجتمع الدولي الذي لن يسمح بالتمادي أو التهاون والتطاول أو المجاراة وكسب الوقت كما فعل مع الدولة اليمنية عندما فرضت الضرورة ذلك على القيادة واليمنيين لإعطاء فرصة لجهود السلام ومحاولات حل الأزمة سلمياً كما ما جاء في كلمة الرئيس هادي «سنضرب بسيف السلم» حتى لا يفتح المجال أمام المتآمرين على الوطن للتربّص به بحجج عدم منح أي فرص للسلم قبل اتخاذ أي قرار لحل الأزمة.

يتساءل معظم اليمنيين بعد صدور البيان الأممي: هل سيكرّر الحوثي مع مجلس الأمن أسلوب المراوغة، كما كان يتعامل بها مع فرص المحاولات السلمية لحل الأزمة التي منحها له الشعب اليمني ورئيس الجمهورية؟! هنا نقول ونصرخ للحوثيين ومن معهم على أمل أن يسمعوا صراخنا أن عليهم أن يستفيدوا من الفرصة الأخيرة التي لاتزال أمامهم، وأن عليهم إعادة قراءة بيان إدانة مجلس الأمن، ومواقف الإدانات الواضحة الصادرة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا التي لن تتراخى معهم وستحاصرهم تدريجياً وسيتحملون العقبات والتبعات وحدهم وسيتجرعون صبر اليمنيين وتحملهم استفزازات هذا المتمرد، وحينها حتماً سيبتلعون السم الذي لم يذوقوه من قبل وسيجبرون على تنفيذ مطالب اليمنيين والمجتمع الدولي الذين عرفوا أن مطالب الحوثي التي يرفعها لإسقاط الحكومة وإلغاء قرار رفع الدعم عن أسعار المشتقات النفطية ماهي إلا حق يُراد به باطل وأنها مطالب مفخّخة تستهدف النيل من اليمنيين وأشقائنا والعالم بأسره.