الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤٣ صباحاً

الثور والفيل والنملة

فؤاد الحميري
السبت ، ٠٦ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١٠:٢٦ صباحاً
إضعاف الدولة بشقيها الرسمي والحزبي على مدى عقود من الزمن نقل القبيلة من وظيفتها الاجتماعية إلى ممارسة الوظيفة السياسية اضطرارا لا اختيارا . وقد كان لهذه النقلة من الإيجابيات ما حافظ على كيان البلد ، وهيكل الدولة . غير أن السلبيات كانت أكثر وأكبر كون بساطة القبيلة لا يمكن بحال أن تحيط بتعقيدات الدولة مهما حاولت .
ومن تلك السلبيات اختراق بعض الأعراف القبلية للبنية القانونية للدولة - واقعاً لا نصا - مما أرانا - في الصورة الكلية - رئيسا في صورة شيخ ، ومواطنين في صورة ( رعية ) ، كما أرانا - في الصورة الجزئية - ( الثور ) وهو رمز للتسويات الاجتماعية كرمزٍ جديدٍ للتسويات السياسية . ومع الأيام تجرد ( الثور السياسي ) من بعده المادي ليتحول إلى ثقافة سياسية ، أفرغت الدولة من معاني السيادة المقتدرة على ( الضبط والربط ) . والمحتكِرة لأدوات العنف - امتلاكاً واستخداما - وفق القانون .
لقد انتقلت الدولة - عبر ثقافة ( الثور السياسي ) - إلى ( مُفارع ) بين المتخاصمين ، أو ( متفرج ) عليهم ، أو - وهي الأدهى - مُحرّش بينهم . الأمر الذي قاد أطراف الخصومة المجتمعية أو السياسية - وقد رأوا ( قبْيَلَة ) الدولة معهم - إلى أن ( يَتَديوَلوا ) عليها .
وإذا كان كل إنسان مسؤولا عن وجهه على حد قول أحد الفلاسفة فلا شك أن الدولة - من باب أولى - مسؤولة عن وجهها . وعليها وحدها تقع مسؤولية الإضرار بصورتها أمام الداخل والخارج .
لكن إحدى أهم النتائج الكارثية لتبسيط الدولة وتسطيح مؤسساتها وظهورها في صورة القبيلة المهجّنة المحكومة بثقافة ( الثور السياسي ) هي إعطاء أصحاب ( المشاريع الصغيرة ) والرؤى الضيقة أملاً كاذباً في القدرة على ( تعليب ) الوطن الكبير ، و( كرتنة ) الشعب العظيم ، لمجرد أنهم مدجّنون على الصراخ ، أو مدجّجون بالسلاح . ولو أنهم أمعنوا النظر ، وأدمنوا التأمل ، لأدركوا أن الدولة الضعيفة أقوى ألف مرة من الجماعة القوية . وأن عقلية ( الأبيض والأسود ) لا يمكن أبدا أن تتحكم بعالم الألوان الواسع الكبير . ولتعلّموا من قصة الفيل والنملة ما يعيدهم إلى جادة الصواب .
فقد رُوي أن نملة ( وهي هنا تمثل أصحاب المشاريع الصغيرة ) عشقت فيلا عظيماً ( وهو هنا يمثل الشعب العظيم والوطن الكبير ) ولتمتين العلاقة بينهما قامت النملة بدعوة معشوقها إلى بيتها . فلما رأى الفيل البيت وهو بالكاد يُرى بالعين المجردة . التفت إلى النملة قائلاً : « يا نملتي الصغيرة .. إما أن تبحثي عن بيت يليق بحبيبك ، أو أن تبحثي عن حبيب يليق ببيتك « .