الثلاثاء ، ١٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٠١ مساءً

إلى متى… يرمي العرب أولادهم في البحر؟

القدس العربي
الخميس ، ١٨ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ٠١:٣٤ مساءً
مع سقوط مئات الضحايا، اغلبهم من الفلسطينيين هذه المرة، اثر غرق مركب للمهاجرين غير الشرعيين قرب جزيرة مالطا قبل ايام، تتجدد مشاعر الصدمة تجاه هذه المأساة المستمرة والتي تودي بحياة الآلاف من المواطنين العرب كل عام.

ومن الواضح ان ثمة علاقة طردية تربط معدلات الهجرة غير الشرعية وما ينتج عنها من فواجع، بتفاقم الازمات الاقتصادية والصراعات العسكرية والطائفية والحروب الاهلية في بلادنا، ما يجعل المخاطرة بالموت في الطريق الى «الجنة الاوروبية الموعودة» بالنسبة لكثيرين افضل من حياة اصبحت كالموت او اسوأ.

قد يكون هذا التوصيف دقيقا بالنسبة الى بعض المهاجرين، الا ان هذا لا ينفي وجود نسبة اخرى مهمة من «المهاجرين الاقتصاديين» الساعين نحو تحسين نوعية حياتهم، وهؤلاء لا يتورعون عن دفع مبالغ طائلة الى شبكات التهريب، التي هي في حقيقتها عصابات مافيا دولية تعمل في العديد من البلاد العربية والافريقية والاوروبية من اجل العبور الى الشاطئ الاوروبي.

وقد اقرت مصر امس رسميا بوجود «مافيا مهربين» على اراضيها لتهريب مهاجرين غير شرعيين الى اوروبا وذلك بعد اسبوع من غرق سفينة في المتوسط بعد مغادرتها الشاطىء المصري وعلى متنها 500 راكب.

ونجا عشرة اشخاص فقط من حادث الغرق «الاخطر في السنوات الاخيرة» في المتوسط بحسب منظمة الهجرة الدولية. وقال بعضهم انهم دفعوا ثلاثة آلاف وخمسمئة دولار ليهاجروا من غزة الى اوروبا.

ونفت حركة «حماس» امس اتهامات من حركة «فتح» بانها ضالعة في تهريب مئات الشبان من قطاع غزة إلى أوروبا وغرق عشرات منهم في البحر، وقالت ان ماحدث «كارثة مزدوجة» محملة إسرائيل المسؤولية عنها.

وبعيدا عن التجاذبات، فان مأساة الهجرة غير الشرعية اصبحت تحتاج الى «مقاربة اكثر شمولا» لا تقتصر على الجوانب الامنية، بل تتسع للجذور السياسية والاقتصادية والثقافية ايضا.

وهذه محاولة سريعة لرسم خارطة طريق لاهم محاور تلك المقاربة الجديدة:
اولا: لايمكن ايجاد حل جذري لقضية الهجرة غير الشرعية، الا بايجاد البديل امام اولئك الهاربين من حياة كالموت الى الموت ايضا في بعض الاحيان. لابد من برنامج او سياسة اقتصادية اوروبية جديدة تسهم في ايجاد الوظائف وتوفير سبل الحياة الكريمة في البلاد الاصلية لاولئك المهاجرين. ومهما كانت تكلفة هكذا برنامج، ستكون اقل من الاعباء الاقتصادية الهائلة التي يشكلها اولئك المهاجرون على الميزانيات الاوروبية المرهقة وخاصة في مجالات الاسكان والصحة والاعاشة الى جانب الاجراءات الامنية والقانونية.

ثانيا: ينبغي ان يكون للاتحاد الاوروبي، باعتباره المتضرر الاكبر من موجات الهجرة غير الشرعية، نهج سياسي اكثر استقلالا عن الولايات المتحدة البعيدة عن المنطقة وكوارثها السياسية والاقتصادية. ما يعني بالضرورة دورا اوروبيا اكثر فعالية في انهاء الاحتلال الاسرائيلي، والحروب الاهلية والطائفية الاقليمية، ومواجهة تفشي خطر المنظمات الارهابية في كثير من البلاد العربية.
ثالثا: ينبغي على الحكومات العربية تسهيل طرق الهجرة الشرعية امام الشباب بشكل خاص، بمساعدتهم على التواصل القانوني سواء مع الدول التي تحتاج الى مهاجرين دائمين او مؤقتين، او تلك التي تحتاج الى نوعيات محددة من العمالة. ويحتاج هذا الى تعاون افضل مع الدول الاوروبية، اذ انه من الافضل لها ان تقبل نسبة اكبر لكن محددة من المهاجرين الشرعيين او اللاجئين المعروفين لدى المفوضية الدولية للاجئين، على ان تغلق الابواب الشرعية، ليتدفق عليها الآلاف من الذين لاتعرفهم في قوارب الموت.

رابعا: تقديم المساعدة المعرفية للشباب العرب الراغبين في الهجرة حول حقيقة الاوضاع الصعبة التي يواجهها اغلب المهاجرين بعد وصولهم الى «وهم الجنة الاوروبية»، من حيث صعوبة الحصول على وظائف او سكن او قوننة أوضاعهم، ما يدفع كثيرين منهم اما الى العودة او الندم، خاصة من اولئك الذين ينفقون اكثر من عشرة آلاف دولار للهجرة اما عبر البحر، او لشراء «تأشيرات سياحية» ليكتشفوا عند وصولهم انها لا تسمح لهم بالعمل، او غير قابلة للتحويل، بينما كان المبلغ نفسه يكفل لهم الحصول على تأشيرات قانونية للدراسة والعمل في الخارج.

خامسا: انشاء منظمة امنية اقليمية لمواجهة هذه الشبكات من المهربين التي اصبحت فيما يبدو تخترق سلطات واجهزة امنية محلية، ما يفسر عدم القبض الا على عدد يسيرمن المهربين، بل ان بعضهم اصبح يعمل بتواطؤ شبه رسمي من سلطات ودول.

واخيرا، يبقى السؤال ان كانت هناك ارادة سياسية حقيقية لمواجهة هذه المأساة المستمرة، ام اننا امام حكومات لا تمانع اصلا ان يهاجر مواطنوها «بطريقتهم»، تخففا من مشاكلهم، وأملا في التحويلات بالعملات الصعبة من الخارج.

المصدر: القدس العربي