الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٥ صباحاً

الإصلاح والحوثي .. من الذي وقع في الفخ

موسى المقطري
الثلاثاء ، ٢٣ سبتمبر ٢٠١٤ الساعة ١٠:٢٣ صباحاً
كثر الحديث عن موقف الإصلاح من الأحداث الأخيرة المتمثلة في حالة اللا عقلانية التي تنفذها جماعة الحوثي المدعومة من أطراف محلية وإقليمية وعالمية ترغب بالقضاء على الإصلاح كونه يمثل نموذج الإسلام السياسي المعتدل .

تنظر إيران وحلفائها إلى الإصلاح كقوة فكرية ذات امتداد شعبي يمكنها من إيقاف أطماعها في إقامة بؤرة تشيع في المنطقة تمثل عمق استراتيجي لها وأداة ضغط ضد دول وأطراف اقيليمية سنية .

في الجانب الأخر ترى دول أخرى في الإصلاح نموذج يمكن لشعوبها الإقتداء به ، ولذا تحرص على القضاء عليه أو جره إلى مربع الصراع والتشدد لتظهره للعالم كقوة إرهابية وليست كيان سياسي مدني .

على صعيد الداخل يسعى للانتقام من الإصلاح أطراف فاقدة لمصالحها الشخصية والمتمثلة في إفشال مخطط الحكم العائلي الذي سعى إلى تنفيذه النظام السابق .

كل هذه الأطراف كانت المحرك للأحداث الأخيرة ولم تجد من ينفذ المهمة الا جماعة الحوثي لأسباب عديدة أهمها كتلة من الغباء السياسي يهيمن على هذه الجماعة التي تركن للسلاح والقتل والدم ناسية أو متناسية أن هذا الأسلوب وإن أفادها اليوم سيكون غداً هو الجاني عليها .

بعيداً عما يعيشه بعض الإصلاحيين من جلد للذات ، والقلة الذين يندبوا حضهم بسبب الأحداث الأخيرة ، إلا أن رؤية فاحصة لسيناريو الأحداث بعمقها المتشعب والذي يمكن تعقب أحداثه منذ ثورة 2011م والذي قدم الإصلاح نفسه فيه كنموذج للعمل المدني في أوساط الجماهير وكنموذج ناجح للحشد الجماهيري القادر على التغيير .

نجح الإصلاح بقوة في توجيه الجماهير نحو إسقاط نظام صالح وجاءت المبادرة الخليجية كقارب إنقاذ لصالح وحلفائه ونظامه ، واضطر الإصلاح لاعتبارات عديدة أقلها حرصه على حقن دم اليمنيين على قبولها والتعاطي معها .

دخل الإصلاح كشريك في العملية السياسية ومع كونه الطرف الأقوى لكن السياسيون أرغموه على تقبل مشاركة ضعيفة في مؤتمر الحوار وفي الحكومة وفي كل الهيئات التي تشكلت بعد التسوية .

استغل مناوئي الإصلاح حرصه على البلد ومقدراته ، وقبل مكرهاً بهذا الوضع على أمل أن يحصل الانتقال السياسي إلى الدولة المدنية وهو الحلم الذي ظل يراود الإصلاح وكل الشعب معه .

انقلبت الأمور ولم تستقر البلاد ، ورُمِي الإصلاح بالتهم مع كونه لا يمللك القرار السياسي ولا الاقتصادي وتعرض لحملة ظالمة ممولة ومدروسة من مراكز القوى نالت من شعبيته ، وأرهقت أفراده وجهازه الإعلامي في رد الكيد والحملات المضادة ، وتوضيح الحقائق والرد على الشبهات .

دعونا نقولها بصراحة : ما الذي جناه الإصلاح من مشاركته الضئيلة في الحكومة ؟ وهل لدى الإصلاح انجازات يحرص عليها من هذه الفترة ؟

الإجابة ببساطة لا وألف لا .

أخيراً ظهر الحوثي بمشروعه الهادف إلى السيطرة على البلاد والقضاء على الإصلاح كقوة وحيدة تعرقل تحقيقه أهدافه وأهداف حلفائه من الداخل والخارج .

بدأ الإصلاح في الاصطدام مع الحوثة منذ أحداث دماج ، مع كون المقيمين هناك على خلاف فكري شديد مع الإصلاح لكنه تعامل مع الأمر كمظلومية يجب الوقوف ضدها ، وكأن الشعب كله يأمل أن تقوم الدولة بدورها في حماية شعبها على أي بقعة من أرض اليمن .

دفع الإصلاح وقوى خيرة أخرى في سبيل نصرة المظلومين في دماج ، لكن الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ووزير الدفاع لم تكن عند مستوى المسؤولية ، وتركتهم يواجهون مصيرهم بأنفسهم ، وبدأ مسلسل العار بدخول الدولة كوسيط بين قطاع من الشعب والمعتدين الحوثة .

تكرر الحدث بكل تفاصيله في عمران وتخلت الدولة عن لواء عريق وكررت دورها المخزي بالظهور كوسيط بين المعتدين الحوثة وبين لواء يتبعها وكان يشكل أحد مقومات الجيش اليمني .

وصولاً إلى حركة الحوثي الأخيرة في محاصرة العاصمة بالسلاح عمل الإصلاح على حشد الناس لرفض هذا الأسلوب غير المدني ، واوهم الحوثي أنه من سيدافع عن صنعاء في ظل تأكيدات يعتقد أن الحوثي تلقاها من قيادات الدولة الكبرى بشكل مباشر أو غير مباشر بالوقوف بالحياد بينه وبين الإصلاح .

لقى الحوثي وحلفائه في الداخل والخارج أن الفرصة مناوئة للقضاء على هذا المارد الذي يوقف تمدد مشروعه ومشروع حلفائه وكانت توقعاته الدخول في جرب طويلة مع الإصلاح يتلقى الحوثي الدعم العسكري الداخلي من الجيش الذي سيظهر كمحايد ، ومن حلفائه في الإقليميين والدوليين الذي سيمده بالمال والغطاء الدولي ، وهي فرصة للقضاء على الإصلاح وأفراده ورموزه ومؤسساته .

كقوة مدنية طمح الإصلاح إلى أن يتغير تعامل الرئيس ووزير دفاعه مع الموضوع كون الأمر يمس البلد وعاصمته ، وحشد الشعب بشكل غير مسبوق على أمل أن يتغير تعامل الدولة ولا يتكرر تقاعسها .
الإصلاح قرأ المشهد بشكل صحيح ، واوهم الحوثي بأنه سيخوض معاركه معه ، فتهور الأخير وأعلن الحرب وبجولات بسيطة توهم الحوثي وحلفائه أن الإصلاح وقع في الفخ .

في لحظة فارقة وحاسمة دحر الوهم وظهر على حقيقته كحزب سياسي فقط لا غير وترك الحوثي يواجه الدولة التي لم تكن أصلاً بحاجة لكل هذا الحشد من العتاد والأفراد ، وافقد المناوئين لذة قيادة المشهد واقتصر وجوده على الظهور في الاتفاق الموقع كطرف سياسي لا غير .

لم يتخلى الإصلاح عن مسؤوليته ، فللدولة جيش يحميها لكنه نفذ من الفخ وترك الحوثي بتهوره وولعه المفرد في القتل والدم ليظهر على حقيقته ، ويمارس ما كان يمارسه النظام السابق الذي ثار الشعب من أجله .

باختصار .... الإصلاح قائم ككيان سياسي لا غير والدولة هي التي تحمي التلفزيون والجامعات والمستشفيات والمواقع العسكرية ولا يوجد للإصلاح ما يدافع عنه ، وليس للإصلاح مليشيا مسلحة يخرجها إلى ساحة المعركة ولم يكن يوماً معسكراً حتى نقول خسر أو لم يخسر المعركة .