الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٣ مساءً

سواليف وجدانية ,,, من وحي الثورة

عباس القاضي
الثلاثاء ، ٠٨ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ مساءً
سواليفي هذه أسلك بها دروبا لم نَعُد نسلكها واستحضر ذكريات تكاد أن تُمحَى من أذهاننا من خلال شخصية "مسعود" التي جاد بها خيالي ولكنها أبهرتني بما تملك من ثقة بالله وإصرار وعناد ومفردات رغم أُمِّيّتها ومن خلالها أعود بكم إلى ذاك الزمن الجميل إلى فجر فصل الربيع بما فيه من استعداد لموسم البذر (الذري) وأصيل الخريف وما يحمل من فرح وغبطة الحصاد تعالوا من البداية:

مسعود ذلك الفلاح (المزارع) حيث قام باكرا وحمل الذري ذاهبا إلى حقله وسط دهشة أهل القرية إلى أين يا مسعود؟ هل عندك عقل ستذرى عِفرِه (والتربة جافة) ؟ سأله أحدهم ساخرا, رد مسعود هذا موسم الهند البياضي(ذو الحبة البيضاء) وهو رباعي( ما مدته أربعه أشهر منذ بذره حتى حصاده) وأنا يعجبني الهند البياضي عصيده وفطيره وبعدين الله كريم
لم يتركه هذا الفضولي بل حشد عليه أبناء القرية ولاقُوه عند المخرج هيا مالك يا مسعود؟ قالها احدهم لا يدري من هو من كثرتهم , مالي؟ أنا ذاهب لبذر حولي (حقلي) ما دخلكم؟
لكن أين المطر ؟ أين الرَّوَى ؟ سؤال صفعه أحدهم به وعقَّب آخر اصبر حتى تشرب الأرض وبعدين اذرأ ثلاثي.(وهو ما كان مدته ثلاثة أشهر) ..

أنا لا يعجبني إلا البياضي حقه الهِندِه (السبولة) هكذا وأطلق يده اليمنى في الهواء وأمسك بيده اليسرى مرفقه,- دلالة على كبر حجم السبولة -, لا أريد قَرَابِع (السبولة الصغيرة) ولا يعجبني البُر ولا الطابونه ولا أنا موظف ولا معي ضمان اجتماعي قالها مسعود, وهو يحرك عمامته للأمام ويحرك رأسه مع غمزة باتجاه أحدهم وهو من المتنفذين الذي سجل نفسه وزوجته وأبناءه في الضمان الاجتماعي رغم أنه موظف ومن كبارالملاك.
اخترق مسعود الجموع وذهب لحقله ولأن طبع هذه القريه الفضول لحقه بعضهم إلى الوادي , فكان مسعود قد علق حقيبة الذري على رقبته , ويده اليمنى تلقي بالحَب ويده اليسرى يرفع سبابتها إلى الأعلى مشيرا لهم بأن الله كريم بدلا من التحدث معهم ,وهو يهيل التراب على الحَب بِِقََدم ويدوس بالأخرى عليها ليخفيها من الطيور ,انتهى من الذري وعاد إلى بيته قالت زوجته : ألم اقل لك يا مسعود تراجع عن فكرة الذري هذه؟ أرأيت أصحاب القريه كيف كانوا يضحكون ؟,حتى النساء عندما ذهبت إلى الطاحون كن يتغامزن ,وقالت لي إحداهن ,كان معاكم (جماع حبوب) شعيتم بها (هدرتوها) يا رحمتاه! قلت لهن مثلما تقول دائما: "الله كريم" صاحت إحداهن :هل جئنا نتسول منك لما تقولي الله كريم ؟حينها سكت رديت كيدهن في نحورهن.
رد عليها ,الذي يحزنني يا فاطمة ليس الاستهزاء بنا , الذي يحزنني هو فقدانهم الثقة بالله , دعيني الآن, ظل وهو نصف مستلقي يتأمل في فضيحته إذا لم ينبت الزرع.

استجمع قواه ثم قام وتوضأ وتوجه إلى المسجد لصلاة العصر ولكن مازال في الوقت مُتَّسَع وكان قد سمع عن فضل الاستغفار بأنه يزيل الهم والغم وينزل الغيث ويوسع الرزق, وبعد ركعتي تحية المسجد , صلى ما شاء الله له أن يصلي, جلس وتربع وبعد تركيز شديد رفع يده إلى القرب من وجهه وبد أيستغفر حتى حان وقت الصلاة ,صلى مع المصلين ثم جلس للأذكار يخلطها بالاستغفار ولأنه أُمِّي لا يحفظ الكثير من الأدعية, تضرع إلى الله بكلمات عجيبة قال : يا الله لقد ألقيت حَبِّي في أرض جافة وعندما ألقيتها لأدري على أي وضع كانت الحَبَّة , هل كانت على بطنها أم على ظهرها أم على جنبها وأنت في كل حال تنبتها إلى أعلى فبحق هذا السر, اسق أرضي وأنبت زرعي, ثم التفت وقد انفض الناس من حوله, ثم قال يا رب أقول لهم الله كريم , فيسخرون مني فاجعلني أسخر منهم.

ثم عاد إلى بيته لا ينظر إلا لما بين قدميه لا يريد أن ينظر إلى أحد فيدخله في دوامة الجدل.

حتى إذا ما جاء الليل صعد إلى سطح البيت من درج خارجي شأن بيوت القرية, فنظر إلى السماء فوجد النجوم وكأنها القناديل, وسوست له نفسه, كيف سيأتي المطر وليس هناك مثار(تهيئة لجو مطر) ,لكن الله كريم, ومازال على هذا الحال حتى رأى في الأفق برق خفيف فتسمر نَظَره على المكان وقلبه يخفق بالدعاء ,ي ارب..يا رب بدأ البرق من الجهة الثانية والثالثة , وتزيد بقوة, فنظر إلى أعلى ,فوجد النجوم تختفي وبسحب خفيفة سيارة ,بدأ صوت الرعد من الجهة الأولى فَحَدَّ سمعه فوجده كذلك فصاح بأعلى صوته فاطمااااه اخرجي .. خرجت فقال لها هل ترين ما أرى فنظرت إلى الأفق وهي تضع يدها فوق حاجيها كأنها تحجب الشمس عن عينيها وهو ليل ! إلا يا مسعود, أسمع رعدا, وهذه السحب فوق رؤوسنا وومضات البرق تتتابع, لا, وفيها زخات صغيرة من المطر , يسمعها وهو منذهل لم يصدق ,صوت صاعقة رعدية قوية هي مَن أخرجته من ذهوله اتكأ بيده على كتف زوجته لينزل من السقف فالمطر بدأ يسقط بغزاره .

كانت صوت قطرات المطر أجمل ماسمعه في حياته وسجد سجدة شكر لله فلما قام من السجدة قالت له زوجته في بَرَد(ثلج) قال لها هذه مُغَزِّرات يا فاطمة مغزرات ,وبات ليلته تلك هو وزوجته وكأنهم عرسان , وهي تمازحه بَكِّر قول لهم قادانا أقول لكم (ألم أقلكم ؟ )
قال لن أقول لهم سوى الحمد لله رب العالمين .

وتوالت الأمطار ونبت زرع مسعود وسط دهشة أهل القرية التي لم تقل عن الدهشة الأولى .