الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤١ صباحاً

إلى الأستاذ اليدومي مع التقدير

عبدالله دوبلة
الاثنين ، ٠١ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
أستاذي الفاضل محمد اليدومي رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح المحترم. اسمح لي ابتداءً أن أعبر لك عن مدى حبي واعتزازي وفخري بك وبكل الآباء في قيادة الإصلاح المحترمين الذين نودّهم ونعترف بسبقهم وبفضلهم علينا. فأنا أخجل من كتابة هذه الرسالة إليك ومكانتك في قلبي كبيرة (يعلم الله)، فأنا في كل لقاء جمعني بك لطالما كنت ألمس روحك الكبيرة والحانية والعطوفة على أبنائك في الإصلاح الذين أفخر أني كنت أحدهم، صحيح أني كنت قد توقفت عن حضور اللقاءات ودفع الاشتراكات منذ مدة طويلة، إلا أني لا أجد نفسي إلا إصلاحياً دائماً وأبداً، فهو يستحق أن ينتمى إليه ويفخر به.

لطالما كنت أجد نفسي في الإصلاح ولا أزال، فالنضال السلمي لتحقيق الإصلاح السياسي الشامل الذي كان ينهجه الحزب لطالما كان يعبر عني كشاب يمني، وكان ذلك أملي في جلب الخير إلى بلدي اليمن. وحين أتت الثورة في 2011 انخرطت في الساحات لتحقيق الإصلاح السياسي في البلد، وكنت أجد المدخل إلى ذلك هو احترام الدستور ومنع اختراقه بتجديد ولايات الرئيس، كان إخراج

صالح بحسب الدستور والمجيئ برئيس لولايتين فقط أي كان انتمائه كافياً من وجهة نظري لضخ مياه الإصلاح والتغيير في الحياة السياسية كمدخل للإصلاح الشامل.

إلا أن صالح ارتكب خطيئة كبرى بقتل الشباب في جمعة الكرامة، غير أن الخطأ هو الرد على الخطأ بمزيد من الأخطاء ونسيان هدفنا الرئيس، فقد كان السماح بانشقاق علي محسن عن صالح خطأ فادحاً من وجهة نظري حينها، وكنت أجده أكثر نفعاً لو بقى في النظام مع دعمه للثورة، الخطأ الآخر هو التماهي مع حروب الحصبة وحروب أرحب، وكتبت حينها أن ذلك لا يخدم غايتنا في الإصلاح السياسي وأنه يخدم بالتحديد ما يفعله الحوثي كمليشيا. لتستمر الأخطاء الفادحة من الطرفين حتى وصلنا إلى التسوية السياسية عبر المبادرة الخليجية، لأستعيد أنا الأمل بإمكانية تحقيق الإصلاح السياسي الذي أنشده عبر التسوية.

كانت فكرتي عن ذلك، هي احترام التسوية وأطرافها وفي المقدمة الاعتراف بصالح كممثل عن المؤتمر وكطرف في التسوية كونه كان كذلك بالفعل، ومن ثم انجاز إصلاح دستوري والتشديد على احترامه وعدم تعديله ومن ثم الذهاب إلى الانتخابات التي كنت أعرف أنها قد تعيد حزب المؤتمر أو أي أحد من طرف صالح لأكثر من دورتين انتخابيتين قادمتين، وكنت أجد ذلك جيدا وكافياً كبداية ديمقراطية من وجهة نظري. فأن يكسب الجميع هو ما يدفعهم إلى الحفاظ على العملية السياسية، فشعور صالح والمؤتمر بالخسارة كليا كنت أجد أنه سيدفعهم إلى تخريب كل شيئ وقد فعلوا عبر الحوثي، الذي كان من الممكن إكسابه هو أيضاً في العملية السياسية باستيعابه في الحكومة والمناصب التنفيذية مع التغاضي عن سلاحه الذي كان يمكن معالجته مع الوقت.

صحيح أن الأمور لم تكن جميعها بيد الإصلاح إلا أنه لو كان قد توجه إلى ذلك لربما كان قد أحدث الفرق، لم يكن سراً أو مفاجئاً أن الطريقة التي تدار بها البلد بعد التسوية أنها كانت تستدعي الحوثي للانقضاض على كل شيء، وكنت أحد المحذرين من ذلك إلى جانب زملاء آخرين.

الخطأ الآخر الذي ارتكبه الإصلاح هو الانخراط في مواجهة الحوثي عسكرياً في بعض المناطق، وكان ذلك خطأ لعدة أسباب أولها أنه لم يكن يفترض بالإصلاح القيام بذلك فهو ليس من وظائف الأحزاب، ثانيا أنه كان واضحا أن الإصلاح ليس بمقدوره كسب تلكم الحروب لعده أسباب، حيث كان يفتقد لغطاء الشرعية السياسية عبر الدولة، وثانيا أنه كان قد ربى أعضاءه على النضال السلمي والسياسة، فيما كان الحوثي قد استعد كمليشيا للحرب فهو يقاتل ويتسلح لها منذ زمن بعيد، وهو أيضا في حال كسب الحرب يستفيد من ذلك سياسيا على العكس من الإصلاح الذي لم يكن بمقدوره كحزب الاستفادة السياسية منها وإن كسب المعركة.

وقد انهار كل شيء الآن بفعل اجتياح الحوثي للعاصمة صنعاء والمحافظات، لو كنت مكانكم في قيادة الإصلاح لكان التفاهم مع الحوثي هو الخيار الأفضل، فحاجة الإصلاح وأفراده إلى تجنب انتقام الحوثي وصالح يستدعي التقارب مع الحوثي وقد أصبح هو المسيطر على الأرض، والذي هو أيضا يحتاج إلى التقارب مع الإصلاح لتأمين ظهره من أي غدر محتمل من قبل صالح.

هذا التفاهم هو جيد إلا أنه مرهون برغبة الحوثي ومدى التزامه به، الذي يحتاج أيضاً إلى التوقف عن التصرف كدولة داخل الدولة والتوقف عن الانتهاكات بحق جميع اليمنيين وليس الإصلاحيين فقط. وأظنكم تعرفون الفرق الآن لو كان التفاهم قد حدث في حين كان لا يزال الحوثي في صعدة وقد كان ذلك ممكناً بكثير من التنازلات المرة من وجهة نظري والتي لن تكون بأمر ولا أقسى من تنازلات اليوم.

فالمؤامرات ومهما كانت كبيرة هي ليس التفسير الوحيد للأحداث، وإلا لن يخلو أي زمن منها ومن الصعاب الجمة والخطيرة، الفرق بين النجاح والفشل هو الحنكة في تجاوز ذلك أو الوقوع فيه. واسمح لي أن أقول إننا قد فشلنا، وذلك لا يلغي أن قيادة الحزب كانت صادقة ومخلصة.

في لقاءاتي القليلة بك كنت أحاول قول ذلك لك، إلا أني كنت أخجل وكنت أفضل الاستماع إليك أكثر، وفي مقالي عن الديناصور الأخير وحديثي عنه في مقابلتي مع نبيل الصوفي في قناة اليمن اليوم بعد سقوط الرئيس مرسي والذي دافعت عنه وتحدثت عن خطورة إسقاطه بتلك الطريقة الانقلابية بحجج ديمقراطية ودستورية مع انتقادي للإخوان، لم أكن حينها جباناً أو غبياً، إلا أني كنت أحاول إيصال رسالة ما لكم أستاذي الكريم، وآلمني أنك عاتبتني عن ذلك بدلاً من مناقشة الفكرة.

قد يكون عمري الحقيقي هو أقل من عمرك السياسي ومثلي كثير من شباب الإصلاح، إلا إننا حين نقول شيئا أو ننتقد فنحن لا نشكك بقدراتكم وحنكتكم السياسية، نحن فقط ننظر إلى أنفسنا كشركاء والشريك هو معني في الإسهام فيما هو شريك فيه، وإلا هو محاسب أمام الله الذي لن نلقاه إلا فرادى، وكل آتي الرحمن فرداً.

تعبدنا إلى الله الذي تربينا عليه في محاضنكم، هو ما يجعلنا أحراراً ومسؤولين عن هذه الحرية أمامه جل جلاله، إلا أني للأسف ومع تقدمي في التنظيم كنت أشعر حين يطلب مني أن أجدد إيماني هو أن أكون منافقاً وطائعاً للقيادة مهما كان الأمر ومهما كنت لا أفهمه، وقد كان الإمام البنا محقاً حين جعل الفهم قبل الإخلاص والعمل، فأي منهما هو يحتاج إلى الفهم أولاً. وكان ذلك هو أحد أسبابي في الابتعاد عن حلقات التنظيم التي كنت أجد أنها تتعاطى معي كرقم في جماعة لا كفرد مسؤول ومكلف أمام الله.

ينظر إلى الفرد المنقطع كفرد ضال وغير جدير بالاهتمام، ووحدهم من يملكون القدرة على التمثيل والتكيف من يترقون في التنظيم وكنت أرى ذلك بداية الطريق إلى الانقراض، فحين يصنع التنظيم أفراداً نسخاً من بعضهم هو يصنع بذلك الموات لا غير، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخلق من أصحابه تلك النسخ المتشابهة وقد كانوا جميعا أفرادا أحرارا ومتمايزين ولم يمنع ذلك من أن يكونوا على قلب رجل واحد، أو أن يكونوا مختلفين ومتقاتلين، ولم يكن لينقص ذلك من إيمانهم شيئ، فقد كانت تلك طبيعة البشر التي فطرهم الله عليها ولا يزالون.

إلا أني وأنا الشاب صغير السن المنقطع، من ينظر إليه كمقل من مظاهر الالتزام الديني والدعوي، كنت لا أرى نفسي إلا ذلك الإصلاحي الشريك في الإصلاح، والشريك هو معني ومسؤول أمام الله فيما هو شريك فيه، كما هو مسؤول أمامه سبحانه عن حريته وإرادته قبل أقواله وأفعاله. فالفرد المسلم هو مسؤول عن نفسه وقراراته فقط، وبالكثير يكون مسؤولاً عن أسرته في القرارات التي يتخذها عنهم، إلا أنه حين يكون مسؤولاً عن جماعة من الناس ويتخذ القرارات نيابة عنهم تكون مسؤوليته عظيمة، فهو سيحاسب أمام الله عن ذلك، وبقدر مشاركة الواحد منا في العمل الجمعي هو مسؤول عنه، الفرد والقائد على حد سواء كل بقدر مسؤوليته.

والقيادة الجيدة هي تلك التي تستشعر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه من تقودها قبل مجتمعها ووطنها وهي أيضاً من لا تنزعج من الانتقادات التي توجه لها ولا تصنفها إلى أربعة أصناف: المخلص، والأحمق، والنرجسي، والحاقد

من مسؤوليتي كشريك في الإصلاح اسمح لي أن:

أقول لك أستاذي الكريم أن ذلك المنشور الذي شاركته على حائطك في ردك على مطالب أبنائك من الشباب بإصلاح الحزب ممن يشعرون بالمرارة تجاه ضياع ثورتهم والأوضاع التي وصلت إليها البلد، أنه لم يكن موفقاً، فما يحتاجه أبناؤك الآن، هو استيعابهم والعطف عليهم ومناقشتهم في كل تلك الأمور التي حدثت فقد يكون هناك ما يجهلونه، والمرء عدو ما يجهل، فلا تكن عدواً لأبنائك جاهلاً بهم أيضاً. فهم ومهما كانوا مزعجين في نظرك وقد اختاروا عن إرادة منهم أن يكونوا في الإصلاح وتحت قيادتك يستحقون منك أن تكون مسؤولاً عنهم ومهتماً بكل شأنهم، وستسأل عن ذلك أمام الله.

أعرف أنه لا يعوزك الفهم والحكمة والإخلاص والتقوى لتفعل ذلك، ولا يزال أملي وثقتي بك كبيرين، فلنصلح ولنسدد ولنقارب وليبارك الله عملنا ويجزينا عليه، ففي الأخير لا يبقى إلا وجهه جل جلاله.

والدين النصيحة بالسر أو بالعلن، ولو كان ممكناً التناصح في التنظيم لما اضطررت إلى هذه الرسالة عبر الصحافة، وهناك الكثير مما نحتاج إلى إصلاحه في الإصلاح، فالأصوات المرتفعة هي لا تأتي من فراغ، إلا أن لملمة الشمل وتوحيد الصف هو أول ما نحتاجه الآن في هذا الظرف الحالك، فليعيننا الله على ذلك، وليجعله خالصا لوجهه الكريم.

*عن " المصدر أونلاين "