الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٣ مساءً

بصمات وجدانية ,,, من وحي الثورة

عباس القاضي
الجمعة ، ١١ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
كثيرة هي المكاسب التي حققتها ثورتنا المباركة, ومن أهم ما حققته الثورة مؤخرا حيازتها لجائزة نوبل للسلام, لأن توكل كرمان نقطة التقاء لكل فعاليات الثورة.
فهي كفرد ناشطة حقوقية بدأت منذ وقت مبكر تقود الاحتجاجات وتتصدر المسيرات لنصرة المظلومين والدفاع عن الحقوق المنهوبة والحريات المصادرة.

وهي كحزبية عضو في شورى التجمع اليمني للإصلاح وبالتالي باللقاء المشترك تعمل بمقتضى سياساتها وكانت في صدارة الفعاليات التي دعت إليها هذه الأحزاب.

وهي مع الشباب منذ الشرارة الأولى, وقد تلقت خبر نيلها لجائزة نوبل للسلام وهي في خيمتها بساحة الاعتصام.
والذي دفعني لهذا السرد, ما جاء على لسان نائب وزير الإعلام الذي تعرّض لتوكل كرمان بالسخرية عندما قرن بينها وبين شخصية وردت في مثَل شعبي وهي " القمعرية " عندما ذكر خيبتها بأنها فرقت " سمنها "

" للمشايخ والرعية " وكانت النتيجة " لا المشايخ حكموا لِه ولا شهدوا لِه الرعية " بمعنى أنها فرطت بما تملك ولم تكسب ود المشايخ ولتي تمثل : النخبة أو السلطة , ولا كسبت الرعية والتي تمثل : القاعدة الشعبية, وكأنه يقول: إن نشاطها ونضالها لم يكسبها شيئا على المستوى الشخصي, وكان هذا الكلام قبل أيام من نيل توكل كرمان للجائزة.

هل كانت هذه الجائزة رد فعل واعتبار لهذه المناضلة والثائرة بعد سماعهم لهذا الرجل الذي يوظف الأمثال الشعبية لينال من الشخصيات الوطنية ,هذا لا يستبعد, فالله غيور.
بمجرد أن نالت توكل كرمان الجائزة أصبحت شخصية عالمية مصدر فخر للعرب والمسلمين جميعا, كونها أول امرأة مسلمة تحصل على هكذا جائزة.

توكل حصلت مع الجائزة مبلغ مالي لا تستطيع العصبة أولي القوة أن يحملوها فوق ظهورهم, مع عائد شهري , يجعلها تعيش حياة سبعة نجوم إن شاءت.

توكل بنيلها الجائزة تستطيع أن تطوف العالم دون تأشيرة دخول ويستقبلها الملوك والرؤساء.

توكل ستذكر عند أي فعاليات تتعلق بالجائزة في كل بلاد العالم مادامت على قيد الحياة وسيتم دعوتها للحضور.
توكل عندما نالت الجائزة جعلت اليمني معروفا في أصقاع العالم بعد أن كان مجهولا حتى في بعض الدول العربية.

توكل بعد أن نالت الجائزة أصبح الحي الذي تسكنه مشهورا فلا يتيه زائرهم توكل عندما تشيخ وتمرض مرض الموت سيتابعها الإعلام المحلي والإقليمي والدولي فإذا ماتت كان الخبر الأول في جميع وسائل الإعلام.

توكل سيتم تأخير دفنها عندما تموت حتى يحضر الوفود وستشكل لجان لاستقبالهم وترتيب سكنهم, حتى إذا ما انتهى الإعداد وتوافدت الحشود, يكون الدفن بحضور الملايين من اليمنيين والذي لم يستطع الحضور سيصلي عليها صلاة الغائب.

سيكون ضريحها في صدارة المقبرة وسيكتب بماء الذهب لوحة تعريفية على حجر الرخام : هذا ضريح المناضلة الحرة, توكل عبد السلام خالد كرمان, الحائزة على جائزة نوبل للسلام 2011 م المتوفية في27 رمضان 1464هجرية عن عمر ناهز ال64 عاما رحمها الله,,,,الفااااااتحة.

وبعد مرور مائتين عام, سيمر من أمام محطة الفضاء اليمنية رجل تعرف في وجهه نضرة النعيم,, قامة وجسم ووسامة تتدلى في يده مفاتيح سيارته الفارهة , فيتهامس الناس مِن حوله, من هو؟ فيجيب أحدهم ,هذا جدة جدته توكل كرمان الحاصلة على جائزة نوبل للسلام.

أما الذي استهزأ بها ودعوني أسميه " القمعري " هذا القمعري الذي من خلال مؤتمراته الصحفية يعمل على إبكاء الشعب ليُضحِكَ الرئيس, ما الذي حصل عليه , الرئيس زائل والشعب باقٍ يمقته, يمقته راكبا ويمقته قائما وقاعدا ويمقته وهو على جنبه وسيلحقه المقت إلى قبره.

فعندما يموت لن يجد مكان ليدفن فيه ولن يدفنه سوى واحد من أبنائه وهو الذي لايشبهه شكلا وإنما يشبهه سلوكا.... كيف عرفتُ هذا ؟.

عرفته من الحاج مسعد الذي يبلغ السبعين من العمر وهو يستعد للدخول إلى غرفة العمليات لإجراء عملية جراحية للقلب في أحد المستشفيات , تهلل وجهه عندما رآني قائلا : أريدك أن تكتب الوصية , يا مهندس, بدأت أكتب الوصية بالديباجة التي علمنيها أبي- رحمه الله – وهي " إني أدَعُو في وصيتي هذه شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله ......" وبدأ يسرد ما له وما عليه وقد كان دقيقا في التفاصيل حتى وصل إلى من يغسله ومن يكفنه و أين يصلَّى عليه ومن هو الإمام , فبادرته و أنا مجهد من الكتابة: والقبر أين ؟ قال : لا تستعجل أنا كنت على وشك ذكره.

قال : اقبروني في مقبرة لا يكون جواري " القمعري " استغربت وقلت له : لماذا؟ قال : يا ابني الرجل قد كَثُر كذبه , أنكر سفك دماء ,وحرض على القتل وسب وشتم العلماء,أنا أريد أن أهجع (أنام) في قبري وهذا الرجل سيتعرض للتعذيب بقدر هذه الذنوب وأنا لا أقوى على سمع الأنين والصياح, أزعجني في الدنيا وسيلحقني للآخرة!.

أعجبني كلام الحاج مسعد في هذا السياق وسألته خارج إطار الوصية فقلت له : هل تعتقد أنه لن يرتاح في قبره ولا يوم ؟ أبدا , رد بسرعة ولم يدعني أسأله لماذا؟ وبادر : شوف, يا مهندس, في اعتقادي أنه سيكون تعذيبه بحسب الجدول التالي : أيام ,السبت والأحد والإثنين, سيكون تعذيبه بسبب ادعائه كذبا بان شهداء الصالة الرياضية ما هم إلا جثث من المستشفيات ,وأيام الثلاثاء والأربعاء والخميس بسبب ادعائه زورا بأن شهداء القاع وجولة كنتاكي إنما هم قتلى كانوا في أرحب, أما يوم الجمعة بسبب محرقة تعز والذي ادعى بهتانا أن الأمن أقتحم ساحة الحرية وهي فارغة,,لا, لا كان لديه راحة ساعة واحدة في اليوم سيأتي من يحاسبه ويعذبه بسبب أخذه المال العام من رأس النظام بدون وجه حق لمجرد الدفاع عنه, قال هذا والممرض يقترب منا ومعه النقالة ليحمل الحاج مسعد إلى غرفة العمليات , نسأل الله له السلامة.

بعد أن تم دفن " القمعري " على قارعة الطريق لعدم رغبة الناس دفن موتاهم بجانبه لم يكتَب له لوحة تعريفية غير ورقة فيها شهادة وفاة, ليس فيها أي معلومات سوى أنه توفي في الأول من صفر, كانت داخل (الكيس الدعاية) الذي يحمله ابنه الذي لا يشبهه شكلا وإنما يشبهه سلوكا , وهذا ( كيس الدعاية ) الذي كان يحمل به أموال الضمان الاجتماعي, فبدلا أن يذهب به إلى الفقراء والعجزة والمحتاجين بني فيها هناجر وبيوت وسيارات ومرافقين.

وكان قبر" القمعري " مكان لالتقاء الحمير ليتمرغوا فيها ( عادة الحمير تعمل حمام تراب ليغطي جسمها التراب ).

وأحيانا إذا صادف قبره شخصا ما رمى عليه بحجر جريا على عادة العرب التي إذا مرت على قبر أبي رغال ترميه بحجر.
وأبو رغال هذا هو من دل أبرهه وجيشه إلى مكة في حادثة الفيل.

وعلى أي حال ولأنه مسلم وهو من البلاد لا يسعني إلا أن أقول : رحمك الله يا " قمعري " !