الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٩ مساءً

في صنعاء حولين كاملين !

محمد حمود الفقيه
السبت ، ٠٦ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ٠٣:٤٢ مساءً
هكذا عادت ارواحنا الوطنية الى صنعاء قبل نحو عامين وشعورها يردد بالروح بالدم نفديك يا يمن ، هذا الحس الوطني الخالص لم يجده الكثير من ابناء الوطن العائدون من المهجرعلى الارض اليمنية الا ثلة قليلة لم تدركها أبصار السياسة منذ نحو نصف قرن من الزمان .

كان شعوراً اشبه بشغف امراة العزيز بيوسف عليه السلام حينما قررنا العودة الى صنعاء ونظرة الامل قائمة على ان يطوي اليمنيون صفحات آلامهم وجراحاتهم التي اصبحت شبه مزمنة في حياتهم جيلاً بعد آخر ، ولكن ما حدث كان بخلاف الحلم الذي قضوا شهداء الكرامة من اجله ، الامل الذي شاخ الكثير من ابناء اليمن وهم ينتظرون بزوغ شمسه كي تشرق من جديد .

ما وجدناه في صنعاء ،بؤسٍ شكت منه الأرصفه ، والظلام يكسو المدينة هو الاخر دليل ٌ على سطو قانون الغاب وشريعته على القانون الانساني وشريعة الحياة ! لاشيء قد تغير بعد " الكرامة وهلوكست تعز" ! غير ان ساحة التغيير خلت تماماً من الخيام .

ما وجدناه في صنعاء خوف افترش الشوارع والطرقات ، ضحايا هنا وهناك والمدان هو "المجهول" والمجهول لا منزل له في بلادنا ولا ياكل او ينام ، وليس له انف كي يشعر برائحة الموت التي غدت حول المدينة اشبه بضباب الشتاء . ورغم ان لا شي ينازل روح الانسان ، الا ان اللذين هم على قيد الحياة ، يعانون من الموت البطيء الذي تمثل في اغراقهم بأزمات تلو الازمات وازهاقهم في بيوتهم واسواقهم ووسائل حياتهم المتنوعة ، حيث لم يحدث قط في التاريخ البشري ان يحاصر الناس بالنار وهم يملكون الماء ليطفئوها به !

ما وجدناه في صنعاء خلال حولين كاملين يعتبر نوع من أعمال الدراما الحديثة والخدع البصرية التي ترافقها ، فالصورة كما رأيناها كانت ثورة ضد اليد الطولى في هذا البلد الغريق بفوضى السياسة ، غير ان الواقع الذي عشناه بعدها مثل حقيقة ان من مات قد فات وان الدماء التي سفكت في سبيل نيل الحقوق والحريات لم ينال أصحابها سوى كلمة الرحمة عليهم من ذويهم وأهلهم في الإنسانية والحياة .

ان من عاش بعد الثورات اليمنية المتعاقبة ، يصل الى قناعة تامة ان السياسة وحدها لايمكن ان تفيء للمبادىء التي قدم الشهداء أرواحهم لأجلها ، وقد أخبرنا التاريخ العربي بوجه عام والتاريخ اليمني السياسي بوجه خاص ، ان السياسة مجرد لعنة أصيب بها الساسة جميعهم وقذفوا حممها الفتاكة على شعوبهم .

لقد علمتنا السياسة ان لا نتخذ منها قبلة لتنمية الأوطان او دعامة لاستقرارها ، وعلمنا التاريخ السياسي اليمني ان نأخذ الحيطة والحذر من السياسة ، سيما في مناخ اجتماعي أدركه الجهل المحدق ، وغياب الضمير والوطنية الخالصة ، وعدم المعرفة الحقيقية لمفهوم الانتماء للأرض ، الانتماء للمجتمع ، الانتماء للذات الإنسانية نفسها .!