الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً

الجميلة في خطر

سعدية مفرح
الخميس ، ١٨ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١٢:٠٠ مساءً
والجميلة المقصودة ليست المغنية اللبنانية، هيفاء وهبي، التي دعا إعلاميون، في احتفالية اليوم العالمي للغة العربية قبل عام، إلى الاستعانة بها، وبأقرانها من المشاهير، لترويج اللغة العربية بين الشباب، وسط اعتراض عرابي الاحتفالية على الفكرة حينها، بل هي اللغة العربية نفسها التي يعرّفها كثيرون بهذه الصفة، منذ أطلقه عليها الشاعر المصري، فاروق شوشة، في برنامج شهير، كانت تبثّه الإذاعة المصرية في الستينيات. أما الخطر المحدق بها فهو أوضح من تبيانه بشواهد محددة. ولعلّنا لا نبالغ أن هذه اللغة، التي حظيت بأوسع وسيلة انتشار افتراضية، وهي كونها لغة الكتاب المقدس لأكثر الديانات انتشاراً، ومع هذا نجد أن أهلها لم يستغلوا هذه الميزة في تعزيزها لدى الأجيال الجديدة منهم، أو في نشرها وسط غير المتحدثين بها من الأمم والشعوب الأخرى.
نحتفل اليوم، الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول، باليوم العالمي للغة العربية للمرة الثالثة، منذ أعلنت "اليونسكو" في العام ٢٠١٢ عن اعتماد الاحتفالية في مثل هذا اليوم كل عام، بناءً على جهود نبيلة وملحّة بذلها، بحماسة وإخلاص، غيارى على هذه اللغة، أبرزهم المندوب السعودي في المنظمة الأممية، ورئيس الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية فيها، والذي أصبح لاحقاً المشرف على احتفالية "اليوم العالمي للغة العربية"، زياد الدريس.


ولأنه احتفال دوري، تحظى به لغات أخرى، تحت مظلة الأمم المتحدة، تعامل معه كثيرون على أنه مجرد مناسبة سنوية تقليدية، لا تستدعي سوى فعاليات احتفالية ذات طابع رسمي كالعادة، ولولا تواصل الجهود التي بذلها الدريس، منذ أُقرّ مقترحه، قبل عامين، مستغلاً وسائل التواصل الإعلامي والمجتمعي الجديد، ومستثمراً حماسة شباب كثيرين من رواد هذه المواقع، في خدمة لغتهم الأولى، لمضت المناسبة من دون أن يشعر بها كثيرون من غير المعنيين مباشرة. أما وقد رأينا شعار الاحتفالية السنوية منتشراً في حسابات إلكترونية عديدة على "تويتر" و"فيسبوك" و"أنستغرام"، بدلاً من الصور الشخصية لأصحاب هذه الحسابات، منذ أيام، فذلك يفتح باب التفاؤل بمستقبل هذه اللغة التي لا تنتشر، كما تفعل اللغات الأخرى، وكما يليق بها، وبمكانتها الحضارية وبعمقها التاريخي، وبعدد المتحدثين بها، واتساع الرقعة الجغرافية التي تتمدّد عليها الدول المتحدثة بها رسمياً. لكن، هل يكفي ذلك الاحتفاء التواصلي السنوي المحموم، والذي لا يطول سوى أيام معدودات لمحاربة الإهمال الذي لحق بالعربية عقوداً، إن لم نقل قروناً؟ هل تنجح الجهود العشوائية ذات الطابع الفردي التي يبذلها كثيرون من شباب الإعلام الجديد في التصدي للخطر المحدق بهذه الجميلة؟
بالتأكيد لا. فكل ما يُكتب في هذا الإعلام الجديد، مع أهميته في نشر الفكرة وإلقاء الضوء عليها، وتطويعها لمناسبة أجواء العصر الإعلامية والتواصلية، لا يعدو أن يكون نافذة من نوافذ الاهتمام المفتوحة على اللغة العربية، أمام الباب الواسع الذي ينبغي أن تخرج عبره هذه اللغة من أزمتها، فهو تعزيز منتجاتها الأدبية والفكرية، وتشجيع الشباب، وقبلهم الأطفال، على التحدث والكتابة بها، في كل مناشط حياتهم اليومية، علاوة على الدور المؤسساتي الحكومي والشعبي، في الترجمة منها وإليها، والمساهمة في تقديم حلول عملية وسريعة للمشكلات التي قد يراها بعضهم عائقاً أمام رغبته في استخدام هذه اللغة، للتعبير عن يومياته العصرية، بكل ما تحتويه من مفردات واختراعات ومصطلحات، تتجدّد كل يوم تقريباً. وأذكّر، هنا، بجهود مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز لخدمة اللغة العربية، والتي اطلعت على جانب منها في أحد المؤتمرات على هذا الصعيد، ولا بد أن هناك جهوداً أخرى تبذل في بلاد عربية أخرى، لم أطلع عليها، لكنها تبقى قليلة جداً، بالنظر إلى نتائجها الملموسة والمشهودة على أرض الواقع. فالجميلة ما زالت في خطر!

" العربي الجديد "