الخميس ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٩ مساءً

ذهبوا الى المدرسة فلم يعودوا

سياف عبداللطيف
الجمعة ، ١٩ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١١:١٩ صباحاً
كُنت قاعد وبجواري عدد من الزملاء في الصفوف الاولى في قاعة كبيره في المدرسة ، كنا في ندوة علمية وكان عدد الطلاب مايزيد عن خمس مئة طالب بالقاعه .. فجأة هجم علينا ثلاثة غُرباء وجوههم مغطاه يحملون اسلحة نارية على ايديهم .. انهالوا علينا بوابل من الرصاص بشكل مباشر مع صرخات " الله اكبر الله اكبر الله اكبر " مُدرسي سقط على الأرض مضرج بدمه ، لُذت بالفرار تحت المقاعد التي كنا نقعد عليها ، تظاهرت بالموت كل من بجواري قد ماتوا اطلق علينا ذلك الشخص الملثم مرة اخرى اصبت بطلقتين احداهما في الجهة اليسرى من بطني والاخرى في ذراعي اليسرى ايضاً .. ولم اعد اتذكر شيء الا اصوات اطلاق نار وصراخ .. ومن ثم سمعت صوت يشبه صوت اخي ، وفعلاً كان هو لكن في المستشفى .

عماد من الصف الثامن يروي اللحظات الاولى التي حٌفرت في ذاكرته ولن تُمحى من مخيلته تلك الدماء واصوات الرصاص مادام على قيد الحياة , سألته ماهو حال اصدقائك الذين كانوا بجوارك ؟ فأجاب لا اعلم .. ياللحماقة .. تمنيت لو ان الأرض انشقت وابتلعتني قبل ان انطق بهذا السؤال السخيف .. ربما من بجواره الأن في المستشفى لم يخبره بحال زملائه .. يقول احد الناجين ان شُعبتين ب ، ج تم آبادة كل من فيها من الطلاب بأستثناء اربعة او خمسه من كل شعبه وقرابة النصف من الشُعب الأخرى ، عدد مهول لا يمكن للمرء ان يتصوره .. تقول وسائل الاعلام المحليه والأجنبية على حداً سواء ان عدد الشهداء من الطلاب التي تتراوح اعمارهم مابين 10 سنوات الى 18 سنة قرابه 132 شهيد والجرحى اضعاف ذلك العدد .

عندما وصلنا على بوابة مستشفى (ال ار اتش ) كان الناس يتجمعون حول ملصقات ورقية كانت على جدار المستشفى ، شدني الفضول ان اتعرف ماذا هناك احدهم يقفز الى الجو فرحاً ويتمتم بكلمات باللغة البشتونية على مايبدوا واخر لا يتمالك نفسه فيسقط ، اقتربت اكثر فأكثر كانت الأوراق مكتبوبه باللغة الأنجليزية : اسم الطالب ،حالته الصحية ، عنوانه ، اسم المستشفى . عرفت حينها لماذا فرح البعض وبكاء اخرون .. انتابني نفس الشعور كنت أقراء الأسماء وكأن لي قريب في هذه القائمة ، فلان حالته الصحية جريح .. الحمد لله .. فلان حالته الصحية متوفي .. يالله . ربما بعضهم لم يسمع بالخبر الى عن طريق الأخبار فأسرع نحو المستشفى لان ابنه كان يدرس في نفس المدرسة والأخبار تقول ان عدد الشهداء يفوق 130 والجرحى اضعاف .. بلا شك كان يقول في نفسه هذا الذي سقط مغشيً عليه .. يارب لا تسلبني ابني .. ربما كان يتمنى ان لا يجد اسم ابنه في هذه القائمة لان اغلب من فيها شهداء ولكن حدث العكس ابنه كان احد الآرواح التي صعدت الى العليا .

غادرت انا وعدد من زملائي مستشفى (ال ار اتش) واتجهنا الى (سي ام اتش ) المستشفى العسكري وانتظرنا حتى تمام الساعة الثالثه مساءً موعد فتح باب الزيارات ، بعد ان سمحوا لنا بالدخول دخلنا جناح خاص بالطلاب المصابين من ابناء ضباط الجيش والأمن لان هذا المستشفى خاص بالعسكريين ، يبدو وكأنك داخل على نفس القاعة التي وقعت فيها الجريمة كل مصاب على سرير ومصفوفه جنب الى جنب في مشهد محزن عندما ترى اعينهم البريئة ووجوههم الطاهره تتجه نحو الزائرين .. ماذا بوسعك ان تقول ؟ وماذا بوسعك ان تقدم لهم غير الدعاء ؟ كل واحد منهم لديه رواية وقصة حتماً ستُخلد في ذاكرت الأجيال القادمة ، تخيل بعد مرور جيل كامل على هذه المدرسة اي بعد مرور 10 سنوات من الان سيأتي أطفال جدد لم يشهدوا هذه الجريمة ولكن ستخبرهم تلك المقاعد التي سبحت بين الدماء الطاهره وستنطق الجدران حينها قائله هل تعلمون ان زملاءٌ لكم كانوا هنا يضحكون ويمرحون ويتعلمون وفجأة انقلب الضحك الى صراخ والمرح الى رعب والعلم الى قتل ودماء .

لم يفٌرق القاتل بين الطفل ومعلمته وبين الطفله ومعلمها ، بين المسلم والمسيحي ، بين حارس البوابه والماشي في الطريق ، حتى معمل الحاسوب الذي احتمى فيه عدد من الطلاب مع معلميهم وظل القاتل يركض الباب حتى سقط على وجوههم ومن ثم بداء بتصفيتهم واحداً تلو الاخر ، لم يغادرهم حتى اصبحوا كومه اشلاء مرتطمه بعضها فوق بعض .. كما تتحدث الصور .

في الحقيقة ليست هذه الجريمة الأولى في باكستان او بالتحديد في بيشاور لكن الجديد في هذه الجريمة ظهور القاتل بشكله الحقيقي الانهزامي الجبان عندما يفتح بندقيته صوب أطفال في مدرسة عامه لا ذنب لهم غير ان قدرهم ان يكونوا ابناء ضباط في الجيش الباكستاني الذي فضل الحوار مع الارهابين على الحرب العسكرية .

وانت تقلب الصور سرعان ما ترجع بك الذاكره الى مجزرة بشعة ارتكبت بحق جنود قُتلوا في ميدان السبعين بصنعاء في 21 مايو 2012م ولما تشاهد صور اشلاء الأطفال في معمل الحاسوب وعلى جنبات قاعة الندوات في المدرسة تتذكر مجزرة مستشفى العُرضي في صنعاء، وفي نفس اليوم هذا 16-ديسمبر-2014م الذي وقعت فيه فاجعة بيشاور قُتلت 25 طالبه كانوا في حافلة مدرسية في مدينة رداع ، آلة القتل واحدة والقاتل اليوم في بيشاور هو نفسه القاتل في صنعاء ورداع وحضرموت ، الصرخات هي نفسها والضحيه هي نفس الضحية والمبررات هي نفسها هنا وهناك ، فلماذا السكوت والى متى ؟ هؤلاء يقتلون ويسوقون ورائهم آلاف الضحايا الى تحت التراب ونحن نردد الدين منهم بريء والله سوف يحاسبهم .

بيشاور - باكستان
16-12- 2014م
مدرسة : Army Public school