الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٢٨ صباحاً

ازدهار جماعة الحوثي أصبح خلف ظهرها

نائف حسان
السبت ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٤ الساعة ١٠:١٠ صباحاً
أقام الحوثي وجوده عبر تحشيد منطقة شمال الشمال كقوة للسيطرة والغلبة، ولم يتم له ذلك إلا عبر بعث الهوية الطائفية لهذه المنطقة. كانت الزيدية مذهباً دينياً، وتعبيرات اجتماعية وثقافية، وتاريخاً إنسانياً؛ إلا أن الحوثي نقلها من هذا المستوى الوطني إلى مستوى آخر، تحولت فيه نزعة الطائفية إلى أداة للتحشيد السياسي. هذا التحشيد هو الذي نقل الحوثي من حركة ملاحقة في جبال مران في صعدة إلى قوة للسيطرة والحكم في العاصمة صنعاء. وقد أدى ذلك إلى حدوث تحشيد طائفي وجهوي مضاد.
ندرك جميعاً كيف أن الهوية اليمنية تتراجع لصالح سُعار التحشيد الطائفي القائم اليوم؛ إذ لم تعد أداة تعريف اليمنيين هويتهم الوطنية، بل هويتهم المذهبية والمناطقية.
ينتمي علي عبد الله صالح إلى شمال الشمال؛ لكن حضوره على رأس الحكم لم يكن يُحدث هذا القدر من إعادة الفرز الوطني على أساس طائفي ومناطقي. يعود الأمر، ببساطة، إلى الطبيعة الاجتماعية لـ"صالح". صعد الرجل إلى الحكم قادماً من أسرة فلاحية، وحكم البلاد كمشروع سياسي. في الطرف الآخر، ينحدر عبد الملك الحوثي من أسرة ترى أن نسبها يمنحها امتيازات على محيطها الاجتماعي. وإلى هذا، فالحوثي أسس حضوره وبنى مشروعه كحركة دينية إحيائية داخل المذهب الزيدي.

وفي مجتمع متعدد، تصبح سيطرة طائفة أو جماعة بمثابة شرارة لإحداث حرائق طائفية داخل المجتمع. وتتحول الطائفية إلى شروخ في الكيان الوطني عندما تعتمد جماعة ما على القوة والغلبة للسيطرة على الحكم. والمفارقة أن اليمنيين يقبلون نظام صالح، رغم فساده وتدميره للبلاد طوال العقود الماضية، ولا يقبلون حكم الحوثي، رغم محاولاته الحثيثة لإظهار سعيه إلى محاربة الفساد وتحقيق الأمن.

كلما اتسعت سيطرة الحوثي على الحكم، تصاعدت حمى الطائفية بشكل أكبر في اليمن. ما يعني أن ازدهار جماعة الحوثي أصبح خلف ظهرها وليس أمامها؛ ذلك أن سيطرتها الكاملة على الحكم لن تفضي بها، واليمن ككل، إلى عهد جديد من الاستقرار؛ بل إلى مرحلة جديدة من التشظي والفوضى. وحالة ضبط الأمن التي وفرتها اليوم اللجان الشعبية التابعة للجماعة هي حالة غير أصيلة ستتراجع وستحل محلها فوضى وانتهاكات أشد بشاعة.
...
ما يؤلم حقاً أن سعار الطائفية الذي يلفح اليوم وجوهنا يأتي، أكثر ما يأتي، من أصدقاء جمعتنا بهم سنوات من العمل المهني المشترك دفاعا عن الحقوق والحريات، وسعيا إلى وطن ديمقراطي قائم على حكم القانون والمواطنة المتساوية.

عندما شاهد هؤلاء الأصدقاء عصبويتهم الطائفية تعيد تشكيل نفسها كقوة للسيطرة والغلبة تركونا والتحقوا بها! والمشكلة أنهم يظهرون اليوم الأكثر حماسا للطائفية، والأكثر تحريضا ضد حرية الصحافة، والأكثر تبريرا للانتهاكات ضد الحريات والحقوق!
هل خدعونا طوال هذه السنوات؟ لا. هم فقط أكدوا كم أن الطائفية مدمرة لروح الإنسان قبل الأوطان.
...
يتعامل العالم مع الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني كتعبيرات وتكوينات مدنية وطنية حديثة، لأنها نقيض/ بديل للتكوينات ما قبل الوطنية، القائمة على أساس قبلي أو مناطقي أو طائفي.

هذا معروف للجميع؛ لكن هناك من يحتاج التوقف مجددا عند هذا الأمر، والالتفات إلى المكان الذي يقف فيه.

من صفحة الكاتب على " الفيس بوك "