الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٤١ مساءً

عيون باكية وأحضان دافئة

نُهى البدوي
الخميس ، ٠١ يناير ٢٠١٥ الساعة ١١:٠٠ صباحاً
لم يكن ذلك المشهد المبكي لصورة معانقة طالبات صغار لرجل مرور يقوم يومياً بمرافقتهن والعبور بهنّ لأحد الطرق العامة المليئة بالسيارات، والمحاذية لمدرستهم بمدينة عدن، التي تناقلتها مؤخراً وسائل الإعلام وأطلق عليها ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي "صورة العام"، معبرين في الوقت ذاته عن مدى روعتها، وأنها أسالت الدمع من أعينهم أثناء مطالعتهم لها كونها ترجمت الدور المهم الذي يقوم به رجل المرور في خدمة طالبات المدارس الصغار، لم يكن ذلك إلا واحداً من المشاهد الحزينة التي نراها بصورة شبه يومية تعكس مأساوية الأوضاع التي يعيشها الشعب اليمني أطفالاً، ورجالاً، ونساء، وهم يبحثون عن الأمن والأمان والاستقرار المعيشي والطمأنينة والعيش الكريم في هذا الوطن الجريح المضطرب سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

لست وحدي ممن لم تستطع إخفاء مشاعر حزنها، وهي تشاهد تلك الصورة التي عرضتها قناة آزال الفضائية، بل الكثيرات من النساء والرجال والشباب الذين أيضاً تأثروا بالمشهد، لما تُعبر عنه الصورة من دلالات تعكس عمق المشكلة، وخطورة السير في الازدحام والطرقات، والسرعة الجنونية للمركبات، وماتسببه من قلق وخوف لأبنائنا وبناتنا أثناء ذهابهم وعودتهم إلى المدرسة، وما توضحه من دور كبير يقوم به رجل المرور لتنظيم حركة السير والحفاظ على حياة المارة وخاصة الأطفال والمسنين، ومساعدتهم للعبور واجتياز الطريق بأمان وطمأنينة، أما الدلالة التي ربما أثارت نسبة كبيرة من المتفاعلين مع مشهد الصورة فإنها تكمن في مدى الترابط الوثيق الذي جمع شرطي المرور بالأطفال وهو يؤدي مهامه وواجبه باخلاص وأمانه ومعانقة الأطفال له الذين يبحثون عن أحضان دافئة وأفئدةٍ رحيمة لمساعدتهم لتخطي واجتياز خطر الطريق والعبور إلى مدارسهم بأمان.
تفاعلنا جميعاً معها، لأنها تبعث الأمل والطمأنينة في نفوسنا بأن هناك من لا يزال يحافظ على القيّم ويؤدي واجبه بصدق وإخلاص لخدمة المجتمع والوطن، في زمن أصبح فيه البعض يتخلون عن تأدية واجباتهم والقيام بمهام أعمالهم، ويتنصلون من مسؤولياتهم ويصرفون اهتماماتهم إلى المشاغل الخاصة، ينأون بأنفسهم عن تقديم العمل الإنساني أو المساعدة لهذا الطفل أو ذاك العجوز حين يتطلب الوضع في الباص أو "الدباب" أو الشارع، وكأن كثيراً من الصفات الحميدة التي عُرف بها المواطن اليمني، قد استبدلت بأخرى غير حميدة لعوامل متعددة منها تأثر المجتمع وبعض أفراده بوضع التفكك الحاصل للدولة ولمؤسساتها، وغياب الالتزام والرقابة فيها عن القيام بدورها، واستشراء الفساد في مفاصلها وتلاشي سلوك الانضباط والحرص على تنفيذ الواجبات والمهام بصورة صحيحة في كثير من المؤسسات الحكومية والتربوية، ومنها الأمنية المرتبطة بالجوانب الشرطوية وانعكاسات هذا المستوى المتدني في التعاطي المسؤول مع الواجب، ويرى مراقبون أن الحوادث المرورية باتت تحصد الأرواح في اليمن بشكل يفوق الحروب الأهلية الطويلة، وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن حوادث السير هذا العام تسببت في وفاة وإصابة 12 ألف شخص.

إن التلاحم والترابط الإنساني والمجتمعي الذي أظهرته تلك الصورة النادرة، تؤكد على حاجتنا الكبيرة لتشجيع هكذا تعامل وسلوك لجنود مجهولين يقفون تحت حرارة الشمس لتأدية واجبهم بأمانة وبمسؤولية عالية، فعلينا أن نشجعهم للحفاظ على هذا التعامل والاستمرار بهذا الوجه المشرق، وعلينا أيضاً التوجه بالدعوة لبقية رجال المرور للاقتداء بهذا الجندي الذي كسب حب وود الأطفال، ومنحهم الدفء والطمأنينة والأمل والأمن والأمان، فتحية لهذا الرجل الخلوق الذي دخل قلوب الآباء والأمهات وأبكى عيونهم فخراً وعزةً لإخلاصه لواجبه.