الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٥٢ مساءً

الاتحاد الذي فصل الثقافة عن السياسة

عارف أبو حاتم
الخميس ، ٠٨ يناير ٢٠١٥ الساعة ٠٣:٣٥ مساءً
كان اتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين المؤسسة الأدبية والثقافية التي دانت أفعال الساسة وتوجهات الأنظمة الشمولية الحاكمة، وظل هو الكيان الموحد رغم التشطير السياسي لليمن.. وعقد مؤتمراته العامة في عاصمتي الشطرين «صنعاء وعدن» بقيادة موحدة ورؤية موحدة وتوجه وحدوي موحد.

ومنذ منتصف السبعينيات غلب على قيادة الاتحاد التوجه اليساري العتيد الذي لا يساوم في مسألة الحريات العامة والديمقراطية وتعدد المشارب وتنوع الأفكار وفصل السلوك الشخصي عن السلوك العام، لكنها لم تصطدم يوماً بالقيم السائدة في المجتمع.

وخلال ثلاثة عقود مضت تصدّر اتحاد الأدباء قائمة المدافعين عن قيم الحريات العامة، وفي مقدمتها الحريات الصحفية بوصفها ترمومتر ديمقراطية النظام الحاكم.. وما من حالة انتهاك للحريات أو تعدٍّ على رجال الفكر والأدب والرأي إلا وكان الاتحاد حاملاً للواء الكفاح ضدها ورافعة ثقافية وسياسية للحريات العامة.

مرةً اعتقلت السلطات في إحدى الدول العربية ناشطاً سياسياً معارضاً ووضعته في زنزانةٍ انفرادية، وحين وصل النبأ إلى مسامع الأديب الكبير زين السقاف وجدته يكتب بيان إدانة أشد شراسةً من بيان حرب، عند الانتهاء من صياغته دخلت معه في نقاش قصير ووجدتُ نفسي أمام رجل صلب من الصعب أن يهادن حاكم ظالم أو يتغاضى عن سلوك جماعة لا تؤمن بحق الناس في الحياة.
كان «زين» من طينة الكبار، طينة جيل القيادة الصلبة التي تعاقبت على رئاسة الاتحاد: عبدالله البردوني والقرشي عبدالرحيم وعمر الجاوي ويوسف الشحاري وأحمد قاسم دماج، وامتداداً لهم كان الأديب الشاب الراحل محمد حسين هيثم.

أشعر بغصة كبيرة وألم يضيق التصبر عليه حين أقارن مواقف أولئك الرعيل القوي كالحق والناصع كالنهار، مع مواقف قيادة الاتحاد اليوم.. في السابق لم يترك الاتحاد فرصة تمر منها رياح الطغيان إلا ولاحقها في كل محفل حتى يسد الثغرة الآتية منها، واليوم تدهورت الحريات وقيادة الاتحاد لا تفعل شيئاً سوى تلميع نفسها لدى صناع القرار، وربما ملاحقة بعض استثمارات الاتحاد.

في السابق ما من صاحب رأي اضطهد إلا ونظمت قيادة الاتحاد الوقفات التضامنية وأصدرت البيانات وعممتها في الداخل والخارج وحضرت جلسات المحاكمة وتكفلت بمخاسير التقاضي، بل وتدفع راتباً شهرياً لأسرة المعتقل حتى يفرج عنه.. اليوم لا قيادة ولا قيمة ولا حضور للاتحاد.

أتذكر أيضاً أن رئيس النظام السابق كان ينزعج من كل بيان لقيادة الاتحاد، ويحاول غزوه ومغازلة واستقطاب أياً كان من قيادته، ويضع ألف اعتبار وقيمة لبيان من بضع كلمات يصدره الاتحاد.. اليوم قيم الحريات تنتهك والدولة تصادر، والنظام الجمهوري مهدد بالسقوط الفعلي، وقيادة الاتحاد خارج مجرة الشعور الإنساني.

آمل ألا تطول حسرتنا، وأن يعقد الاتحاد مؤتمره العام ويعود إلى وهجه وقوته.. يعود إلى كاريزما «الجاوي» و«الشحاري» اللذين كان الرئيس السابق «صالح» لا يجرؤ على الحديث عن خرق للديمقراطية في مقامهما.

"الجمهورية نت"