الجمعة ، ١٩ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٠٧ صباحاً

الثورة البتراء بأقلام صفراء (1)

عمرو محمد الرياشي
الثلاثاء ، ١٥ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً

كم هي المحاولات الكثيرة والمستمرة لفض تحالفات الثورة
من أجل عزل و إخراج الشباب من معادلة الثورة والمتمثلة بالعسكر والأحزاب والقبائل من كون هذا التحالف بينهم شكل قوة ثورية حقيقية هزت حكم صالح ومثلت كل مكونات المجتمع اليمني ..فجهود صالح بمختلف تكتيكاتها وطرائقها من أجل فصل فصائل الثورة عن بعضها ليتم الانقضاض على الثورة عبر إخراج الشباب الثائر وهم مكون ثور مستقل بذاته فالعمل السياسي والثوري لا يقبل بالعواطف والحماسة لإنجاح مشروع الثورة للتغير فالشباب بحاجه لدعم قوى سياسية تقود سير الثورة سياسيا وقوى عسكرية لحماية الثورة من أجل أن تتمكن الثورة بجميع مكوناتها في الوقوف ومواجهة النظام ... فقوى الشباب الثوري لا تقوى على المواجهة بمفردها وحيدة بالرغم إن حضورها كقوة سياسية مؤثر في مسار الثورة بل هو روحها .

فمحاولة صالح ونظامه للتخلص من الثورة بالتضليل الإعلامي وأيضا دعمها ببعض الممارسات على الأرض وتسويقها ضد الثورة ومكوناتها من أجل الإطاحة بالثورة فأول خطواته هي محاولة عزل أقوى مكونات الثورة وهي قوته العسكرية أولا والقبلية ثانيا بحيث تفقد القوة العسكرية والقبلية الدعم الشعبي والشبابي عنهما ... ومن ثم الاستفراد بالشباب وبهذا تصبح مكونات الثورة كالأعمدة المتوازية التي لا تلتقيان أبدا .

ومن خلال هذا المقال بجزئه الأول سيتم نقاش أحد محطات الثورة اليمنية للتغير وهي القبيلة بشقها السلبي والإيجابي .


فمن منا لا يعرف التركيبة الاجتماعية لليمن من شرقها إلى غربها التي دائما تعرف بنسيجها القبلي الذي يميزها عن غيرها من البلدان الأخرى تلك التركيبة الاجتماعية التي تعكس القيم والعادات القبلية التي تحث على الكرم وحسن الخلق والشهامة ومساعدة من يطلب العون فعبر التاريخ اليمني ظلت القبيلة في اليمن هي عامل الحسم في صنع الأحداث و التغييرات المصيرية على الساحة السياسية اليمنية وكانت للقبيلة كلمة الفصل والحسم في تحديد سير العديد من تلك الأحداث المصيرية فكان لها دور في إفشال ثورتي 1948م و 1955م و كان لها أيضا دور الحسم في إنجاح ثورة 26 سبتمبر .

لكن الذي يشد للانتباه من بقراء بعمق تاريخ القبيلة في اليمن انه بالرغم من مرور أكثر من خمسين عام من ثورة سيتمر نجد إن قوة وهيبة القبيلة في اليمن تجاه الدولة مازالت المسيطرة وبيدها قرار الحسم في صناعة الكثير من القرارات السياسية و يمكن ملاحظة أن قوة النفوذ و التأثير على صناعة القرار في اليمن يتعزز بحسب مكانة القبيلة لدى النظام ورموزه والعكس صحيح أيضا.

وهذا الخلل المستمر وبين دور القبيلة والدولة برعاية زعيم الفساد والظلم في اليمن علي عبدالله صالح الذي احدث ضرر كبير وجسيم نتيجة سلبية آلية حكم الدولة في اليمن وأدى إلى تعطيل وإزالة مبدءا تطبيق نظام الدولة المدنية العصرية التي يكون مرجعها النظام والدستور والتشريعات القانونية المنظمة لحياة الناس كما في سائر البلدان الأخرى .. فاستبدل القوانين والتشريعات بنظام حكم قبلي يستند إلى القبيلة وجعلها هي القانون الذي يفرض نفسه على سير وحياة الناس في مختلف مناحي ومفاصل الحياة في اليمن .

وهذا النهج المتبع من قبل نظام الحكم في اليمن أنتج خلل كبير في أداء حكم اليمن بسبب هيمنة انتماء القبيلة وسيطرتها وتأثيرها على مواقف الذين يصنعون القرار السياسي في النظام اليمني و في ضل هذه المعادلة الصعبة المعقدة نستطيع أن نجزم بأن الخاسر الأكبر هو الشعب اليمني .

إذن من هذا المنطلق نستطيع إن نجزم إن نفوذ نظام القبيلة على حساب وجود الدولة وهيبتها هو من أهم الصعوبات التي وقفت عائقا أمام وجود قيام دولة نظام وقانون ذات طابع مدني في اليمن ..ولو رجعنا للخلف نلاحظ أن السياسة المتبعة منذ منتصف ستينات القرن الماضي من قبل حكومات اليمن تجاه القبيلة هو جعل القبيلة متمثلة في مشايخها خارجين عن سلطة النظام والقانون ولا يطاولهم القانون وأصبح هذا الأمر مشجع بجعل المشائخ رأس هرم القبيلة سبب في تهميش وتعطيل مؤسسات الدولة الدستورية وجعل السلطة ضعيفة في بسط نفوذها على كامل التراب الوطني وهذا ما أدى إلى عجز وضعف الحكم في اليمن في القيام بمهام الحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية مواطنيها وتعطيل الكثير من المشاريع التي تخدم الصالح العام ... وهذا كله نتيجة للسياسة المتبعة في دعم القبيلة ماليا وتخصيص ميزانية لها ...وجعلها الأساس التي تقوم وتعتمد عليها في شئون الدولة وهذا النهج المريض أدى إلى تنامي وتعاظم دور القبيلة وخروجها عن ما ينبغي لتصبح كل قبيلة وكأنها دولة ذات سيادة قائمة بنفسها وبأعرافها التي تمثل القانون المتبع لها وبذلك لا تكون تحت حكم الدولة والدستور والتشريعات النافذة ..ناهيك عن استخدام القبيلة من قبل الداخل والخارج في قتل كثير من المشاريع الثورية في اليمن وكانت القبيلة سلم عبور لتمرير كثيرا من الأجندة الخفية التي جعلت اليمن ومصيره تحت الوصاية الخارجية .

طبعا نستثني فترة الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي والذي دفع حياته ثمنا لتطبيقه دولة النظام والقانون و قيامه بتطبيق أهداف ثورة 26 سبتمبر لأول مره منذ قيامها على ارض الواقع من خلال مشروع الدولة الحديثة الذي كان يحلم في الوصول إليه هذا الزعيم الإسطوري الذي ظل قابعا في وجدان اليمنيين حتى لمن لم يعاصروه .

وأيضا فترة حكم الحزب الاشتراكي في جنوب القلب اليمني الذي نجح في تحييد القبيلة عن التدخل في شؤون وسير حكم البلد وترجيح مصلحة الوطن فوق القبيلة وألغى الكثير من العنصريات و النعرات العصبية القبلية والغي اعتماد الدولة على منطق القبيلة أو المذهب ونجح في إذابة جميع شرائح المجتمع في جنوب القلب اليمني تحت هوية واحده ووحدها تحت سقف الدولة والنظام والقانون وجعل الناس يحملون هدف واحد وهو احترام الدولة والقانون بعكس فترة حكم زعيم الفساد والظلم في اليمن علي عبدالله صالح ......فما عاشته اليمن في عهده من فوضى ومعاناة من عقلية القبيلة التي خصت واختزلت كيانها برموز لها وحدها وشوهت الكثير من الأهداف الوطنية للجيل الجديد بسبب التمزق الذي أحدثته وجني الشعب اليمني الكثير من المصائب الاقتصادية والسياسية والأمنية والاجتماعية وجعلت الشعب اليمني يُقذف من بحر إلى بحر دون أن يصل إلى بر الأمان وهذا نتيجة لتقوية حكم القبيلة على الدولة .

وجعل اليمن تعيش حالة فريدة من نوعها بوجود بما يشبه الحكم ذاتي في مناطق النفوذ القبلي حيث أصبحت تلك المناطق خارجه عن سيطرة الدولة كليا ...فقد استنسخ النظام نسخة جديدة من الشائخ لتلبية حاجته فأصبحوا سدا منيعا أمام وجود دولة النظام القانون فنرى سجون خاصة في مناطق نفوذهم يتم فيها إذلال وإلغاء كرامة المواطن اليمني وكم هي الأمثلة العديدة على مثل هذه التصرفات .

الجميع يعرف أن القبيلة وممارساتها هي أساس المجتمع وعماده ... لماذا يتناسى البعض أن النظام هو مصدر ذلك وهو من صنع ذلك وشجع على دور القبيلة السلبي في مختلف حياة اليمنيين فلا قانون أقوى من نفوذ القبيلة وسيطرتها ... وهذا أمر لا يختلف عليه معارض أو مؤيد للثورة لكن ... ما كيفية الوصول للمرحلة الأولى التخلص من دور القبيلة السلبي ?

لقد شكل تغيير مفهوم القبيلة على نظام حكم الرئيس صالح تحولا دراماتيكيا في علاقة الدولة بالقبيلة بشكل عام وبالأخص علاقة الرئيس صالح بقبيلة حاشد التي ينتمي إليها وظل يتكئ عليها في نظام حكمه منذ أكثر من ثلاثة عقود ، فالقبيلة التي كانت الحصن المنيع لصالح ونظامه ووقفت بجانبه في أحلك الظروف وأسوءها التي مر بها نظام حكمه فكانت القبيلة تحظى بنصيب الأسد من الدور السياسي في المجتمع اليمني .... ها قد تخلت عنه لأول مرة بشكل كلي ذلك التغيير لمفهوم القبيلة الذي كان الأصعب في حسابات ومتغيراته السياسية التي قلصت هامش الرئيس في مناورة الثورة ورموزها.. .. فبعد هذا التحول الذي حمل تحولا جديدا في علاقة القبيلة التي انتقلت من علاقة التحالف إلى علاقة الصراع وهو ما يعنى خروج القبيلة عن مفهومها التقليدي على الحاكم وسقوط ورقة القبلية التي طالما أثارت مخاوف النخب الوطنية في اليمن من توظيف نظام صالح لها لضرب معارضيه وإجهاض الثورة الشبابية كما تم استخدامها في الفترات الماضية .

أنا استغرب كثيرا من البعض وهو يستنكر على الثورة اليمنية دخول التيار القبلي وهو بصراحة أحد أركان الثورة ... فلماذا يتم التهجم على الثورة اليمنية بسبب مشاركة (القبيلة) و ما يصاحب من تصرفات ترجع لثقافة المجتمع اليمني مثل ما حدث من بعض نساء اليمن وهن يحرقن المقارم ... ويستل الحدث ويصور أن القبلية قد أفسدت الثورة ... بالرغم من بعض العادات الغير صحيحة و اللاحضارية متناسيين ما هو أساس تركيبة المجتمع اليمني ؟

ليس من المنطقي ان نلوم بعض العادات الخاطئة والتصرفات السلبية وإقحامها في ثورتنا للتغيير ... خاصة ان دور القبيلة معروف منذ عقود طويلة وجرى استخدامها في تفجير الثورات وإخمادها ونحن اليمانيون لنا تاريخ يثبت الأمر و يضحد أقاويل متشدقي المثاليات والأدوات الناعمة ....لقد تناسوا كيف زاد دور وعادات القبيلة السلبية خلال نظام صالح وجعلها تكتسب أدوات هادمة ومدمرة للقيم الإنسانية والاجتماعية وأدى ذلك لنشؤ دولة قبلية بلا قانون وبالأصح يمكن أن نقول دولة الغاب والغلبة تكون للقبيلة الأقوى .


ما أريد أن أوضحه وأصل به لعقول قراءنا الكرام.. هل من المنطق إن نغير عادات وسلوك مجتمع ظل يرزح تحت ظلالها في ثورة بمجرد قيام ثورة إسقاط النظام وحتى بعد إسقاطه ؟

أم أن الأمر يحتاج لمجهود وطني قد يأخذ لسنوات طويلة للتخلص من الأدوات السلبية التي زرعها النظام وجعلها شعار للجهل ورمزا لعدم الاستقرار .... لقد أثبتت الثورة بما لا يدع للشك إن المجتمع القبلي اليمني قابل للتغيير وسيستمر التغيير بعد توفر أدوات تطبيق العدل والمواطنة المتساوية وتفعيل مؤسسات الدولة الدستورية ..... وهذا التغيير سيترجم عمليا في حياة اليمنيين لكن بعد زوال النظام .

لما لا نأخذ من القبيلة ايجابياتها وتفعيلها لدعم الثورة وهنا أمر يجب التنبه له وهو انه لا يمكن للثورة إن تنجح دون الاستعانة بالقبيلة فهي احد الأدوات المتاحة والفاعلة أمامنا ألان وجزء من الإمكانيات التي من خلالها يمكن أن نصل بالثورة إلى مرحلة ما بعد النصر حتى يمكن أن تروض القبيلة لتصبح جزء فاعلا من الدولة المدنية العادلة التي يستعجلها البعض ولا يعلم أن الدولة المدنية لها أسس لن توجد في ليلة وضحاها وستأخذ فترة زمنية ويجب التدرج فيها لتغيير كثير من مفاهيم القبيلة .

بناء الدولة اليمنية المدنية الحديثة لا يأتي بالعاطفة والأحلام وبتسارع المطالب والخطى المندفعة وإنما بالصبر والتنوير الفكري وتنفيذ الأدوات التشريعية للقوانين التي سوف تساهم في إصلاح كثير من الشرخ الفكري والاجتماعي و المناطقي والمذهبي الذي أوجده النظام في فترة تجاوزت 3 عقود .. فبعد رحيل النظام لابد من معالجة الجروح الغائرة التي تسبب فيها النظام وتقليص هذا الشرخ حتى نصل لمرحلة تمكنا من البدء في تشريعات تحقق لنا دولتنا المدنية العادلة .

ورسالتي الى كل من جانب الحقيقة وظل ينهش بالثورة اليمنية غافلا عن النظرة عن واقعنا فلا يمكن بأي حال من الأحوال القفز على واقعنا اليمني الذي ظل عشرات السنين قابعا في مؤخرة العالم الحديث وان نقفز به إلى مرحلة متقدمة بمجرد فترة زمنية قصيرة ... فلا يمكن بناء دولة مدنية قوية دون أساس عامد وصامد يظل راسيا بجذوره في الأرض الا بعد تخطيط وتنفيذ ومن خلال فترات زمنية مدروسة تماما مثل بناء المنزل لا يتم إلا بمراحل وإلا فمصيره الانهيار بساكنيه .