الثلاثاء ، ٢٣ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:١٠ مساءً

الرهان الخاسر في القضية الجنوبية..!

د.عبد الوهاب الروحاني
الثلاثاء ، ٠٣ فبراير ٢٠١٥ الساعة ٠١:٢٢ مساءً
تتزايد المخاوف والتهديدات على مستقبل الوحدة اليمنية، في ظل الانفلات الأمني والصراعات السياسية التي تعيشها الجمهورية اليمنية منذ عام 2011، وخاصة بعد التطورات التي شهدتها صنعاء أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وسيطرة الحركة الحوثية على المؤسسة الرئاسية، وما ترتب عليها من تداعيات أمنية وسياسية جديدة ذات صلة بالقضية الجنوبية.
ولعل استقالة الرئيس هادي، ورئيس حكومته، واختطاف الحوثيين لمدير مكتب الرئاسة أحمد بن مبارك (وكلهم جنوبيون) كانت العناوين الأبرز في هذه التداعيات الجديدة، التي كثفت من دعوات «فك الارتباط» واستعادة الدولة الجنوبية، واستدعت بالتالي الخطاب السياسي والإعلامي المثير للنزعات المذهبية والطائفية، ليس فقط عند بعض المناطق الجنوبية، وإنما أيضا على مستوى الهلال السني الشمالي الممتد من مأرب والبيضاء إلى تعز وإب، التي شهدت بعض المظاهرات المنددة باقتحام الحوثيين لدار الرئاسة ومحاصرة منزل الرئيس.
كانت ردود الفعل حانقة وغاضبة، خاصة في مناطق عدن، ولحج، وأبين، وشبوة التي تخضع لسيطرة الأخ الشقيق للرئيس هادي (ناصر منصور) وكيل الأمن السياسي، الذي اندفع في 21 يناير الماضي إلى إغلاق مطار عدن، والمنافذ البرية والبحرية (خلال 24 ساعة)، وشكل فيها لجانا شعبية بغرض السيطرة على الوضع على غرار ما فعله الحوثيون في صنعاء والمحافظات التي سيطروا عليها.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستساعد هذه الاستقطابات الجهوية والمذهبية المتخوفة من سيطرة الحوثيين على القرار السياسي في صنعاء على التسريع بانفصال الجنوب عن الشمال؟! لا يستطيع أحد أن ينكر أن مشاعر العداء تجاه الوحدة تتنامى في الأوساط السياسية والشعبية الجنوبية، غير أن ذلك لم يصل إلى حد القناعة بالإقدام على إعلان الانفصال، رغم أن قيادات الحراك الجنوبي وجدت في تقدم الحركة الحوثية في المحافظات الشمالية فرصة للتعبئة والتحريض، ومدخلا لاتخاذ خطوة مجنونة كهذه.
فأبناء الجنوب الذين لا تزال تتجاذبهم القوى التقليدية (يسارية ويمينية)، لم ينسوا بعد معاناتهم من التشطير ومخلفات الحروب بين الشمال والجنوب، كما لم ينسوا زمن الانغلاق والتشريد والملاحقة والتأميم في ظل حكم الحزب الاشتراكي الذي استمر ربع قرن حتى قيام دولة الوحدة عام 1990، ولم ينسوا أيضا ما كانوا يطلقون عليه «الوجبات» من الاقتتال والمذابح التي كان «الرفاق» ينفذونها بين الوقت والآخر ضد بعضهم، والتي كان آخرها أحداث يناير 1986 الدامية، التي تمت التصفيات فيها بالهوية والانتماء القبلي والمناطقي.
لا شك أن هذه الصراعات القديمة سحبت نفسها على قوى وكيانات الحراك المسيطرة اليوم على الواقع الجنوبي، وانعكست في كثرتها واختلافها وتعدد ولاءاتها السياسية والقبلية والمناطقية؛ فهي ليست على وفاق مع بعضها، وهي تعاني من انقسامات شديدة وحادة، وتتنازعها ولاءات ومرجعيات داخلية وخارجية متناقضة، لم تتمكن معها خلال أكثر من سبع سنوات من عمر الحراك أن تلتقي على طاولة واحدة، فضلا عن أن تتفق على قيادة موحدة، علاوة على أنها لم تتمكن من أن تفرز قيادات جديدة شابة تعبر عن تطلعات حركة الشارع، وتصوغ أهدافه.
ولذلك، فالقوى السياسية الجنوبية التقليدية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار في الداخل والخارج ظلت - ولا تزال - تتقاتل للسيطرة على فصائل الحراك، لكنها فشلت حتى الآن، رغم أن بعضها دفع الأموال وقدم الإغراءات الكبيرة، بمن فيها الرئيس هادي نفسه الذي أنفق المليارات من خزينة الدولة لتشكيل كيانات حراكية جديدة موالية ولاحتواء بعضها، لكنه هو الآخر فشل أيضا، ولم يتمكن حتى من إيجاد ممثلين فعليين للحراك في مؤتمر الحوار الوطني (2013 – 2014).
يدخل في هذا السباق الحزب الاشتراكي اليمني، الذي لا يزال يقدم نفسه باعتباره الممثل الشرعي للقضية الجنوبية، وصاحب الحق التاريخي في التعبير عن مصالح وقضايا الجنوب، رغم أن شعبيته قد انحسرت في الجنوب كثيرا، ومع ذلك ظل خلال الفترة الماضية يتسابق مع قوى الحراك على حمل القضية الجنوبية، وذهب في مجاراتها إلى الدفاع عن دولة اتحادية من إقليمين (شمالي وجنوبي) على حدود ما قبل الوحدة (1990)، وكان ذلك - بالتأكيد - على حساب تخليه عن المشروع الوحدوي الوطني الذي نشأ وتربى عليه الحزب، الأمر الذي أثار نزاعات وانقسامات كبيرة في أوساطه في المحافظات الشمالية، وفقد بالتالي بوصلة مساره الصحيح.
وإذن، هل حان وقت إعلان الانفصال، والعودة باليمن إلى زمن التشطير، بحدود دولتين وعلمين، وجوازين وسفارتين؟!!
كانت مجلة «نيويورك تايمز» الأميركية قد نشرت عام 2013 تسريبا لمخطط إعادة تقسيم خمس دول عربية هي العراق، وسوريا، وليبيا، والسعودية، واليمن إلى 14 دولة صغيرة ممزقة، تحت عنوان «خريطة جديدة لـلشرق الأوسط»، ومنها عودة اليمن إلى دولتين شمالية وجنوبية، وإذا كان المخطط قد أعد فعلا، فسيكون تنفيذه على مراحل بحسب نضوج الطبخة في كل دولة على حدة، إذ ليس من المستبعد أن تكون طبخة تقسيم اليمن قد نضجت في إطار هذا السيناريو المعد، الذي سبق أن قلنا إنه تم التمهيد له منذ اليوم الأول لانعقاد مؤتمر الحوار الوطني سيئ الصيت والسمعة.
وفي هذا الإطار، أعتقد أن إعادة تقسيم اليمن إلى دولتين سيكون ممكنا، فما أسهل أن يمزق العرب أنفسهم، وما أسهل أن يستجيب المجتمع الدولي لهذا التمزيق، خاصة إذا كان ضمن مخططهم، لكني أظن وبعض الظن واجب، أن خطوة كهذه ستواجهها الكثير من المصاعب، وسيكون لها انعكاسات ومخاطر كبيرة على المستويات الداخلية والخارجية.
أما المصاعب والعقبات فأتصور أهمها في التالي:
- عدم توفر وتهيئة الظروف السياسية المناسبة لقيام دولة شطرية في الجنوب، بالنظر إلى حدة الصراعات والتناقضات التناحرية بين قيادات فصائل الحراك الجنوبي التي أشرنا إليها سابقا.
- رغبة القوى التقليدية المتصارعة (يسارية - ويمينية) في استعادة حكمها للجنوب، بما فيها العودة إلى وضع (سلطنات، وإمارات ومشيخات) ما قبل الاستقلال (1969).
- اتساع رقعة الخلافات الجغرافية - الجهوية بين مناطق الجنوب، ففي حال انفرط عقد الوحدة - لا سمح الله - فحضرموت ترفض أن تلحق بعدن، كما ترفض عدن أن تلحق بأبين، وترفض المهرة أيضا أن تلحق بحضرموت، خوفا من عودة الماضي المليء بقسوته وظلمه.
- احتمال سقوط محافظات شبوة، ولحج، وأبين، وحضرموت، في أيدي «أنصار الشريعة»، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي سبق له أن سيطر على معسكرات ومناطق واسعة فيها، وأعلن خلال (2011 - 2012) عن إقامة إمارات في عزان، شبوة، والبيضاء، ومقاتلوه يتجولون اليوم بأسلحتهم ويرفعون راياتهم السوداء في أغلب المحافظات الجنوبية. وهكذا، فمشروع إعادة تقسيم اليمن سيكون الرهان الخاسر في القضية الجنوبية، وسيفتح الشهية للاقتتال والصراع الداخلي، وتسابق القوى الإرهابية المتطرفة للاستيلاء والسيطرة على الأرض والسلاح، بحيث يزداد الوضع اليمني تعقيدا، ويتسع الخرق على الراقع، فيصعب التنبؤ بمآلات الوضع في اليمن في حالة العودة إلى ما قبل عام 1990، إلى جانب أن انعكاساته على المستويين الإقليمي والدولي ستكون هي الأخرى في غاية الخطورة، وسينتج عنها اتساع رقعة الصراع الدولي والإقليمي للسيطرة على الوضع في المنطقة، والتحكم بالممرات المائية في البحرين العربي والأحمر.
ومن هنا، فالطريق إلى انفصال الجنوب سيكون صعبا للغاية، وتكلفته ستكون باهظة، خاصة أنه سيدفع إلى استقطابات إقليمية ودولية كبيرة لن تخدم الأمن والسلام في المنطقة.. وحتى إن استكمل الحوثيون سيطرتهم على القرار السياسي في صنعاء.. فيظل الحفاظ على الوحدة اليمنية، أحد أهم عوامل الأمن والاستقرار في منطقة الجزيرة والخليج.

*نقلا عن الشرق الأوسط