الاثنين ، ٠٦ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٩ صباحاً

دكان الإرهاب

علي الذهب
الاثنين ، ٠٦ يناير ٢٠١٤ الساعة ٠٥:٢٥ مساءً
غريب أمر الإرهاب في هذا البلد، لقد أصبح تجارة رابحة، وسلعة رائجة تباع وتشترى، يُتنافس فيها وعليها، فيربح فيها من ربح ويخسر فيها من خسر، وهذه السلعة لها الكثير من الباعة والمروجين، مثلما أن لها الكثير من المشترين والهواة، وهي ماركات، ودرجات، وعبوات، وأصناف، وأحجام، وأشكال، وألوان، ولها تاريخ صنع وتاريخ انتهاء.

ما أذكره عن هذه التجارة وسلعها، أنها فتحت سوقا لها في جبال حطاط بمحافظة أبين أواخر عام 1998م، وتعالت معها أصوات جيش عدن أبين، ومزايدات صاحب السوق أبي الحسن المحضار، ثم توجست واشنطن من أن يتسع الخرق عليها فلا تستطيع رقعه وهي ترصد تنامي النبتة الأولى في أفغانستان، وتتتبع خطى أفرعها وسيقانها في دول الجزيرة وفي السودان وفي بلاد المغرب العربي؛ فاتخذت احتياطاتها القوية، ولذلك فقد كان هذا السوق غير ناجح؛ لأن الإقبال عليه-هناك- لم يكن مشجعا، وإن كان قد لفت أنظار البسطاء الذين غالبا ما ينخدعون بأي دكان جديد فيهرعون للشراء منه؛ وقد أُغلق هذا السوق ليُفتح في عدن في أكتوبر عام 2000م، بالاعتداء على المدمرة الأمريكية" يو إس إس كول".

منذ ذلك العام، حظي أصحاب هذا الدكان بعملاء كثر في هذه البلاد، وتوسعت هذه التجارة بعد انفضاض السوق الكبير في كابول وقندهار وهلمند، ورجع المولعون من الشباب اليمني بهذه البضاعة بعدما خبروا ذلك السوق وبرعوا في التعامل مع أدواته وفي طرق المزايدة والمضاربة والربح العجيب، لكنهم وقعوا في قبضة المصدرين الكبار لهذه السلعة، وتفرقوا تفرق الأدواء في الجسد العليل!

مع تجاوز السرد التاريخي لهذه التجارة وسلعها، وما رافق مسيرتها خلال عقد ونصف، وصولا إلى سوقها هذا اليوم، تستوقفنا وجوه جديدة لرجالها، وتدهشنا أصناف أجدّ لهذه البضاعة، وقد أصبح أمر الاتجار بها محيرا، فتجارها يصدرون العداء والشعارات المعادية والمبغضة للغرب وللأمريكان في كل محفل ومنبر وصرخة، ثم يصوّبون بندقياتهم إلى صدور علماء ومفكري وساسة وقادة هذا البلد، ويوجهون ضرباتهم ضد جيشه وشُرَطه، وينالون من مصالحه ومقدراته التي ليس لخصومهم الافتراضيين فيها من صلة إلا أنهم يستفيدون من كل حالة دمار وخسران بأي صورة وبأي حال!

اليوم، "المدكّنون" بهذه السلعة( كما يقال بالعامية لأصحاب الدكاكين) منهم العالم، ومنهم الشيخ، ومنهم السياسي، ومنهم الناصح الأمين، ومنهم الضابط، ومنهم المحلل السياسي، ومنهم الخبير العسكري، ومنهم الرياضي، ومنهم الوزير، ومنهم سائق الدراجة النارية، ومنهم إمام المسجد وسادنه، ومنهم أيضا المفسبك والمغرد على التويتر.

فمثلا، طامح- أشهر المغردين- يبيع أقوى إرهاب، ويغالط الناس ويلعب بعقولهم، وخطيب الجمعة يحض على قتال الزناديق، سواء من التكفيريين الروافض أو من الحوثيين النواصب، بحسب خطاب كل طرف، أما العلامة قاسم "الريمونت" فيعزي أُسر من قتلوا بخطأ الفتى الثلاثيني المدجج بالسلاح، القادم من نجد الشيطان، ثم يترحم على الأبرياء، وأما حارس المرمى المتحور إلى إرهابي بروح رياضية "جلال بلعيدي" فيوعد بالمزيد من الأهداف والضربات الحرة على الجيش وعلى معاقل إدارات التحكم والسيطرة بطائرات الدرون!

إن أقوى الإرهاب وأقذر سلعه يباع ويشترى في هذا البلد، فيذهب ضحيته المواطن البسيط، والجندي الغلبان، والشرطي الذي تلفحه أشعة الشمس، في حين أن الكبار في مأمن قصي لا تصل إلى معاقلهم تلك البضائع والسلع المدمرة، ولا يتسممون بها أو ينخدعون بشرائها..
كيف ذلك؟ لا أدري!!