يقول إبراهيم (20عاماً) "بينما كنت مع والدي نعمل في إحدى مناطقنا الزراعية فجأة سقط والدي من على تلة صغيرة، ولكبر سنه كانت الإصابات بالغة، أصيب رأسه وأطراف من جسمه، قمت فوراً بإسعافه إلى مستشفى المديرية الذي ما إن وصلت إليه حتى تفأجئت بأنه مغلقاً مما اضطرني لإسعافه إلى مركز المحافظة.. بعد مرور ساعات نظرت إليه والدماء تخرج من فمه وأنفه، ومما زاد مرضه هو مشقة السفر الطويل".

 

"بعد ساعتين ونصف وصلنا مستشفى المحافظة وهناك كانت الطامة، أدخلت والدي غرفة العناية المركزة بعد أن قرر الأطباء ذلك، وبعد نصف ساعة خرج الدكتور وسمح لي بالدخول فإذا بي أرى الوالد وقد اتسعت حدقات عينيه وجمدت نظراتها وانتقل إلى رحمة الله". يقول إبراهيم.

 

هذه الحادثة ما هي إلا إحدى الحوادث المؤلمة التي تتكرر كل عام، بل ربما تتكرر في العام الواحد أكثر من مرة، ولكن أسبابها مختلفة، وذلك ما أكدته بعض الاحصائيات الصادرة عن إدارة الصحة بالمديرية التي أشارت إلى أكثر من 15 حالة وفاة من إجمالي 2980حالة عالجتها المراكز والوحدات الصحية خلال العام المنصرم 2013م، وبنسبة تقدر ب 0.08في المائة على مستوى المديرية نتيجة عدم وجود كوادر صحية أو أطباء عموم، إلى جانب نقص حاد في الأدوية والامكانيات.

 

مبان مهجورة

خلال الزيارات الميدانية التي استمرت لمدة شهر لاحظ كاتب التحقيق وجود أكثر من 20 مرفق صحي على مستوى المديرية تتوزع على أربع عزل وبنسب متفاوتة، إضافة إلى مستشفى ريفي بمركز المديرية وآخر بُني مؤخرا لكنه لم يعمل بعد، بينما المستشفى القديم يعمل لمدة ساعتين في اليوم.
 

جدول يوضح توزع المرافق الصحية في العزل المختلفة

العزلة                عدد الوحدات الصحية                 عدد المراكز الصحية

 

عزلة منصور           7                                          لا يوجد      

 

عزلة ناشر              3                                           1          

 

عزلة عطيفه           4                                             1          

 

عزلة ابن أحكم        5                                             لا يوجد     

 

 

رغم هذا العدد المتوسط للمرافق الصحية إلا أن ما نسبته أكثر من 40% منها مغلقة تماماً لأسباب يرجعها المواطنون إلى أن معظم هذه المرافق بعيدة عن القرى وعن المناطق السكانية، فبعضها بنيت إما في أعالي الجبال أو في سفوح الوديان، حسب قول المواطنين. وقد لاحظ كاتب التحقيق بعضا منها مثل الوحدة الصحية الواقعة في عزلة منصور منطقة جبل سيد في أعلى الجبل والأخرى في عزلة ابن أحكم منطقة السباعين في أسفل الوادي. شكا العاملون في بعض تلك المرافق من عدم توافد المرضى إليهم للسبب السالف الذكر مما اضطرهم إلى إغلاق تلك المرافق البعيدة.

 

توجه كاتب التحقيق بالسؤال عن ذلك السبب إلى مدير مكتب الصحة بالمديرية الدكتور محمد المخير، فأجاب بأن المجلس المحلي بالمديرية "خطط لبناء تلك المرافق في تلك الأماكن لأنه الممول لها"، عندها قرر الكاتب معرفة الرد من قبل قيادة المجلس المحلي بالمديرية فالتقى بأمينه العام دحان القاضي، الذي قال إن المواطنين "أنفسهم هم من جعلونا نخطط لبنائها في تلك الأماكن، لأنهم عارضوا وضعها بالقرب من قراهم بحجة المحافظة على المناطق الزراعية؛ وبالتالي فهم لم يتبرعوا بقطعة أرض قريبة من قراهم لعمل أي مرفق".

 

الصحة إسم بعيد عن مسماه

يفصح مدير مكتب الصحة بالمديرية عن عدم توفر كادر صحي كاف لتغطية احتياجات المرافق الصحية "وعدم التزام مكتب الصحة بالمحافظة بتوزيع الخدمات الطبية في أوقاتها المحددة".

 

حمود يحيى، أحد التربويين بالمديرية، يعتبر أن الأسباب الحقيقية لتدهور الوضع الصحي هي عدم وجود أطباء متخصصين "إضافة إلى أن مكتب الصحة بالمديرية لا يقوم بتوزيع الخدمات والمواد الطبية على كل المرافق الصحية بالمديرية بالرغم من تواجدها في مخازن الأدوية بمركز المديرية مما يؤدي إلى تلفها وانتهاء صلاحيتها دون رقيب أو حسيب، ومن ثم يلقون باللائمة على مكتب الصحة بالمحافظة".

 

أحد العاملين في مكتب الصحة العامة والسكان بالمحافظة قال إن المكتب يقوم بالإشراف المباشر على كل المراكز والوحدات الصحية على مستوى المحافظة "وهناك لجان تقوم بالإشراف بشكل مستمر، أما بالنسبة لتوزيع الأدوية فلدينا مدير الخدمات الطبية يقوم هو وأعضاء إدارته بتوزيع الأدوية بشكل مباشر ومستمر على مختلف الوحدات والمراكز بالمحافظة.. فلا صحة لما يقال أننا نخزنها هنا".

 

يتهم المواطن ماجد القسي، الموظفين في الصحة بأنهم "لا يقومون بأدنى واجب من مهامهم.. فهم لا يقومون إلا بأعمال بسيطة كالمجارحة والاسعافات الأولية، وقد تنقطع في أغلب الأحيان".

 

ماجد النقمي، يقول إن أكبر مركز صحي بالمديرية لا يرتقي في أداء مهامه إلى مستوى عيادة "وأكبر خدمه يقدمها أو أكبر عمل يقوم به هو التحصين أو التوعية بالصحة الإنجابية".

 

موظفون يعملون في محلات قطع الغيار

رغم قلة الموظفين الصحيين بالمديرية إلا أن أغلبهم لا يمارسون أعمالهم فهم إما يعملون خارج نطاق العمل الصحي أو أنهم لا يحظرون أبدا، هذا ما أوضحه مدير الخدمات الطبية الدكتور عبدالرحمن يحيى. مضيفا: إدارة مكتب الصحة هي من فرّغت معظم موظفيها للدراسات التخصصية العليا، ولم يوجدوا البديل، بل ولم يعودوا لمزاولة العمل بعد انتهاء مدة الدراسة، وبعض الموظفين يحضرون للتوقيع على حافظة الدوام فقط ولا يتجاوز حضورهم في اليوم نصف ساعة، ويمكن القول إن أكثر من 25% من نسبة الموظفين منقطعين عن العمل".

 

بشأن وجود القابلات الصحيات أوضح الدكتور يحيى أنه لا وجود لأية قابلة صحية لإستقبال حالات النساء، مرجعًا ذلك إلى أن الدولة لم تقم بتوظيفهن بالرغم من إكمال أغلبهن الدراسة. حد قوله.