الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٥٩ صباحاً

11 فبراير.. كنت هناك

عبد الإله الحريبي
الخميس ، ١٦ فبراير ٢٠١٧ الساعة ١٢:٤٥ مساءً
يوم ليس كأيام حياتي التي مضت قبله، يوم شعرت فيه بالحياة تجري في عروقي، حين سمعت مجرّد سماع أنّ شباب مدينتي تعز قد خرجوا إلى الشارع، وقرّروا الاعتصام حتى إسقاط النظام، كنت يومها في صنعاء، ورأيت التوّجس والخوف والأمل في عيون البسطاء، وهم يشاهدون شاشات التلفزة، ويتابعون مشاهد النقل المباشر لشباب وشعب مصر في ميدان التحرير.

ليلة الحادي عشر من فبراير، أعلن الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، تنحيه عن السلطة، هذا الإعلان كان أكبر حافز لشباب تعز على بدء مرحلة نضالية جديدة لإسقاط نظام فاسد ومستبد وظالم، حكم اليمن طوال 33 عاما، وتعز هي المدينة الأكثر معاناة وتأثراً بفساد نظام صالح.

كانت التحرّكات الشبابية صبيحة السبت في جامعة صنعاء، تراقبها وتكبح جماحها الدوريات الأمنية والعسكرية، لكن الأخبار التي تصل إليهم من تعز تجعل شباب الثورة يواجهون القوة المسلحة بقوة الإرادة، كنت هناك، وإن كان الجسد في صنعاء في تلك الليلة، ونزلت تعز وكلي شوق للمشاركة الفاعلة في مسيرات شبابها الثائرين، والتأمل في ذلك المكان الذي أصبح ساحة الحرية، كان وكلاء النظام في تعز قد طلبوا من شباب الثورة الانتقال من وسط المدينة إلى شارع فرعي، بعيداً عن زحمة السكان، إذ كان ظن هؤلاء الوكلاء وتفكيرهم أنّ الناس لن تذهب إلى ذلك المكان، لكن ما حدث كان العكس تماماً فقد أصبح ذلك الشارع قلب الثورة ومهوى سكان تعز وبعض المحافظات المجاورة، ومن هذه المدينة انتقلت الاعتصامات في بقية مدن البلاد، صنعاء وعدن والحديدة وحجة ولحج والمكلا.

كل يوم يتزايد عدد المعتصمين، وتزداد الحشود في مسيرات الثوار للمطالبة بإسقاط النظام ورحيل علي عبدالله صالح عن السلطة، بالتوازي مع حضور قوي ومؤثر للمرأة اليمنية، حيث برزت توكل كرمان وبشرى المقطري وأروى عبده عثمان وغيرهن الكثير.

حاولت السلطة عسكرة مدينة تعز وحرق الساحة، لكنها بذلك الفعل أيقظت شجاعة الرجال ونخوة الأبطال، وكسرت القوة المسلحة، عاد الشباب لساحة الحرية أكثر عزيمة وإصرار من ذي قبل، واجهوا رصاصات العسكر بصدورهم العارية، وسقط عديدون من شباب الحرية برصاص العسكر وبلاطجة النظام.

11 فبراير/ شباط 2011 يوم لا ينسى، وما تلاه من تاريخ لا يمكن تجاوزه في سطور، إنّه نضال الشعب اليمني ضد الاستبداد وضد الفساد وضد التخلف، كنت هناك في ساحة الحرية والمجد والشرف، وكنت هناك مع من كانوا تحت زخات الرصاص على الساحة، وكنّا هناك بين البرد والمطر نهتف للحرية وللدولة المدنية الحديثة، ومع كل ما مرّ على اليمن، لو عاد التاريخ إلى الوراء لسرت في الطريق نفسها.

"العربي الجديد"