الاربعاء ، ١٥ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١١:١١ مساءً

جنرال .. برتبة صندوق أسود !

أحمد مصطفى الغر
السبت ، ٢١ يوليو ٢٠١٢ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
" توفي مدير المخابرات العامة المصرية السابق عمر سليمان الذي كان ضمن الدائرة الضيقة المقربة من الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك .. " هكذا أوردت رويترز خبر وفاة الجنرال الذى لم يكن ضمن الدائرة الضيقة لنظام مبارك فحسب ، بل كان جزء أصيل لا يتجزأ من مبارك نفسه ، فهو كاتم أسراره الأمين و مستشاره فى أوقات الأزمات الحرجة ، ونائبه عندما بدأ نظامه يترنح .. قبل أن تجبره الثورة على ترك الحكم ، وتشاء الأقدار أن يكون سليمان أيضا هو من يقرأ خبر تنحيه ، الجنرال الذى ظهر بوجه عابث بعض الشئ ويبدو عليه شئ من الحزن خرج على الشعب المصرى ليلقى الخبر الذى أصاب المصريين بسعادة غامرة ، كلماته القليلة كانت نهاية لعهد بائد لا يتمنى أحد عودته وبداية لعهد جديد يأمل الجميع أن يكون أفضل .

هو إذن صندوق النظام الأسود ، الذى رحل تاركاً أسئلة كثيرة بدون إجابات ، حظى باحترام الكثيرين قبل الثورة ، إذ رأى فيه البعض منقذاً من توريث الحكم لجمال بالاضافة لكونه شخص جدير بالثقة ، يُقال أن مبارك قد سمى حفيده "عمر" على اسمه ، ويُقال أيضا أن "سوزان مبارك" مارست ضغوطاً لمنع تعيين سليمان نائباً لمبارك قبل الثورة حتى لا يؤثر ذلك سلبياً على مشروع التوريث ، كان نادر الظهور فى وسائل الاعلام خصوصا المصرية .. بل ربما يمكننا أن نعرف أخباره ونرى صوره من خلال وسائل الاعلام الامريكية والاسرائيلية أكثر من المصرية والعربية ، بعيد عن الأضواء دائماً ، يرى البعض أنه كان يعمل فى صمت و يترك أفعاله تتحدث عنه ، لكن أحيانا الصمت يشكل ستاراً لأشياء كان لابد من توضيحها ، فالرجل كان من القلة الحاكمة التى مارست التعذيب بحق العباد ، و الفساد بحق البلاد .

رحل الصندوق الأسود ، مصر الرسمية تبحث طريقة دفنه بجنازة عسكرية ، ومصر الشعبية انقسمت ما بين إعتباره بطلاً وزعيماً يستحق التكريم ، و رأى آخر يعتبره جزء من نظام فاسد ، كتم أسراره و تستر عليها لسنوات طويلة ، فإذا الرجل قد حقق نجاحاً فى الحفاظ على علاقة حميمة بين النظام المصرى الحاكم و إسرائيل ، وجزء من المصالحة الفلسطينية و دوراً لم يحدد طبيعته فى صفقة الافراج عن شاليط ، فإن ثمة ملفات أخرى قد تولاها و كانت النتائج فيها محيرة ، أشهرها ملف السودان و ملف مياه النيل ودول الحوض ، و تزداد الحيرة مع عودة الرجل للظهور بعد سقوط النظام حينما ذهب فى اللحظات الاخيرة لتقديم اوراقه كمرشح لانتخابات الرئاسة المصرية ، لقد تميزت مصر ـ وحدها ـ دون ثورات الربيع العربى بأن نائب الرئيس المخلوع و رئيس وزراء الرئيس المخلوع و وزير خارجية سابق له كانوا من ضمن المتقدمين لمنصب الرئاسة ، وكأن الثورة التى جاءت للاطاحة بالنظام كانت فى بلد آخر ، ربما كانت آخر ملفات سليمان هى الحوار مع القوى السياسية حول الاصلاح الدستورى و الاجتماعى فى مصر كمحاولة أخيرة للحفاظ على النظام الحاكم ، لكن هذه المرة كان سليمان يفاوض من لا يملكون زمام الأمور على الأرض ، فالشارع كان بعيداً عن حوارات سليمان ونقاشاته ، و غير مهتم بما يقدمه من تنازلات .. لأن الشئ الذى أراده الشارع كان أكبر مما كان يحمله سليمان من كروت يداعب بها قوى المعارضة المستأنسة التى كان يحاورها .

رحيل سليمان أثار فى داخلى ثلاثة ملاحظات .. الاولى : أن الرجل قد رحل قبل أن يبلغ شهر رمضان الكريم ، والثانية : أن مبارك ظل على قيد الحياة كى يرى نائبه يرحل مفارقاً الحياة ، وفى ذلك عبرة وعظة للرجل الذى ظل طيلة 30 عاماً يرفض تعيين نائباً له ، والثالثة : أتساءل عن مشاعر الرجل الذى كان يقف خلف الجنرال عابساً أثناء إلقائه لخبر تنحى مبارك ، والذى وصلت شهرته لأقصى الحدود و كان مسار للنقاش و الجدل بين كل المصريين على مواقع التواصل الاجتماعى و على صفحات الجرائد !