الجمعة ، ١٠ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٢٣ مساءً

حب الوطن نبضات قلب وهمسات وجدان

إبراهيم القيسي
الأحد ، ١٢ مايو ٢٠١٣ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
أقف فخوراً فوق ثرى وطني,وأستنشق نسيمه الفواح,وأرشف من منابعه الفياضة كؤوس العزة والفخار,لقد عشته جنيناً ,وحبوت على ترابه رضيعاً,ولعبت على ترابه طفلاً,نما جسدي من خيراته,وغذي من حقوله,ورويت عطشي من معينه,فما أروع الحياة على جداوله الرقراقة,والتنزه على حقوله الخصبة,فكم عشقت مروجه وأوديته وهضابه ,وبحاره وجباله ,وصحراءه ورباه.

كم جلت بناظري في أرضه وسمائه ,وتمليت من محاسن رياضه الغناء ,وجناته الفيحاء,شربت منه العزة والكرامة ,والبسالة والتضحية,وتعلمت المروءة والصدق ,والحب والرحمة,وشيت محاسني من جمال روعته,وبنيت جسدي من قوة جباله وهضابه ,ولبست ثوب المحاسن من جمال طبيعته,وتفيأت من ظلاله الوارفة غضارة الروح وليونة الحياة,مضيت أزرع وأحصد ,وأجني الثمار,وأخوض الغمار ,أبذر فيه قوام الحياة ,وأجري جداول الحرية,وأفنان الأدب ,وقصائد الشعر الغانية,أغني مع العصافير أناشيد حريته ,وأبني مع العمار جسور قوته,وأكافح مع الأبطال من أجل حريته ,فأستحيل مع الوطن روحاً حالمة,وموجة عارمة,فإذا الوجود بكواكبه ونجومه,وبحاره وعيونه ورياضه وجنانه موسيقى تعزف اللحن الخالد وتنشد بأغنية الوطن على إيقاعات الكون الواحد في زمن الحياة.

إن حبي لوطني ليس من قبيل الإدعاء ,ولا من فضول القول,إنه حب ينطلق من شعور صادق ,ويقين ثابت ,ينبعث من أعماق الشعور, ومن حنايا النفس القانتة,ومن جذور القلب الولهان ,والفؤاد الشغوف,إنه حبٌ ينساب كالجداول ,ويخصب كالروض ,ويثمر كالحقول ,وينبعث من شغاف النفس كالضوء الساطع ,ويفيض كالبحر الهادر ,ويزهر كالخمائل الندية,يملأ الحياة بلحن خالد,ويضيء الرحاب بأشعة البدر المنير,يحيل الجدب إلى واحة غانية,والبؤس إلى ابتسامة حالمة,والكآبة إلى فرح وسرور,يعزف على ربابة الحس,وسيمفونية الحياة,فتغدو الأكوان راقصة بإيقاع مهيب,تسمو إلى خيال جانح ,وترقص على أفق مضيء.

وفي بحار هذه المواجيد ,أتخيل أنني طائر ,يسبح بجناحيه في سماء هذا الوطن ,ويشرب من بحار الحب الزاخرة,ويطوف ملكوت هذا الكون في خفة النفس المتحررة من ثقل تبعات الحياة الراكدة,ويعتلي مراكب المجد والبطولة ,ويجدف بخيال الفكر السارح ,ممتزجا بانبثاق الفجر المتولد من ظلمات الليل ,وألق الصباح المشرق, فيمتدُّ ويجزر به الحب مع "مغناطيس "الوجدان المتعلق بجناح النجاح لهذا الوطن ,فتتحول دقات القلب إلى نغمات مغردة بأنشودة الحب والوفاء الخالد.

لقد عبرت الفطرة,ودعت الأديان ,وأكد الأنبياء,ونثر الأدباء,ونظم الشعراء,وتغنى المحبون ,وأنشد المنشدون,الكل انتظمهم خيط السبحة ,في إطار هذا الوطن,الذي يمثل الأم في حنانها,والأب في رعايته,والحصن في حفظه ,والحقل في والإثمار,إنه الثراء والغنى والخصوبة والحمى والسكن والأمن والاستقرار والعيش الرغيد,إنه الحياة الشاملة بمعانيها,والنظم العامرة بمبانيها,إنه بحر الحياة المحيط , وعمرانها الدائم ,وسياجها المنيع , وسورها الحافظ ,وثراؤها الرغيد ,فلا حياة بغير وطن ,ولا وفاة بغير وطن,ولا نشور بغير وطن ,إنه الحياة والوفاة والنشور إلى عالم الخلود.

اعذروني في مبالغتي في حب الوطن,لأن حب الوطن هو الضمير الحي ,والرقابة الفطرية ,والصدق الشعوري ,والدليل والبرهان على إنسانيتك ,والدرع الحصين لحمايتك ,والمنبت الخصب لإرادتك ,والراعي لحريتك ,والمنمي لأفكارك ,هو كتاب الأدباء ,وسفر الشعراء,ومنطق العقلاء ,وفلسفة الحكماء, هو حقل العزة المعطاء,ونهر الحرية المتدفق,وبحر المواهب الثرة ,هو السور الآمن ,والولي الضامن .

إن حب الوطن روح وريحان ,وطموح وإيمان ,وعمل وإحسان ,وجهد وعرفان ,إنه المجد التالد والسعد الخالد ,والشكر الحامد,إنه الوسيلة الرائدة ,والعمل الجاد ,والفطرة السليمة ,إنه البعد عن الأحقاد ,والصفاء الروحي ,والعلاقة الحميمة ,والاتصاف بالنفوس الرحيمة ,ليس في حب الوطن آكلاً للحوم إخوانه, ولا مؤذياً لجيرانه ,ولا خائناً لإخوانه ,ولا ظالماً بعدوانه ,ولا قاهراً ليتيم ,ولا فاعلاً لذميم ,ولا غاصباً لمن دونه ,ولا جشعاً ولا مارق ,ولا مختلساً ولا سارق .

إن حب الوطن ,عموم وخصوص ,وعلوم ودروس ,وفكر وحدس,ومنهج وتشريع ,إنه تفانٍ في الوفاء, وتعاضدٌ وإخاء ,وتآزرٌ وتلاحم ,وشواهدٌ ومواقف ,وعدالةٌ وتنمية,وبلوغٌ إلى الهدف وأمنية,إنه الحياة الرحبة,والمفهوم الشامل,والخلق القويم ,والتعامل السليم ,والتطبيق العملي لأهداف الحياة,واستيعاب الكل والجزء,إنه فيض العواطف ,وصوب الخواطر,وشلالات المشاعر الدافقة,ومسرح الفيوض الشاعرية,إنه الولاء والبراء والاختزال الكامل لمعاني الحياة.