الجمعة ، ١٠ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٣١ صباحاً

القات ... شياطين خمسة وسرعة جنونية وموت جماعي

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ٢٧ مايو ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
يعيش بائعوا القات وزارعوه حياة السرعة والعجلة ويزاولون طقوس العادات والتقاليد الغريبة فتراهم دائما في استنفار تام في جميع شئون حياتهم من سرعة قصوى وجهد مضني و سرعة في الأكل والشرب وقلة في النوم وعمل طويل في النهار يسرعون في رش القات بالمبيد ويسرعون في قطفه للبيع ويسرعون في توريده للسوق ويسرعون في التوجه لشرائه إلى السوق ويسرعون في التخزين ويسرعون في الكلام ويكثرون من الهرج ولقد صدق قول الرجل الحكيم : " للقات خمسة شياطين " حيث صنفها على النحو التالي :

1ـ "نيطزان " وهذا الشيطان مهمته يثير الرغبة الجامحة لدى الإنسان لشراء القات بعد الغداء مباشرة ويسوقه بسرعة فائقة إلى سوق القات فلا يهنأ بالغداء من كثرة وسوسته وتفكيره بالقات .

2ـ "نيفشان " وهذا الشيطان مهمته ينفث في نفس المخزن الفخر والمباهاة فإذا كان نيته يشتري بألفي ريال يجعله يشتري بخمسة آلاف ريال وهكذا دواليك

.3ـ "كيذبان " وهذا الشيطان مهمته يثير العواطف ويدفق البيان في وقت الطفرة لدى المخزن فيجعله يتكلم بما لا يعي فتزيد الكلمات الفضولية على لسانه بخوضه في شئون مختلفة في الحياة بدون أهداف إستراتيجية .

4ـ " طيننان " وهو شيطان يعمل على تصميت المخزن في الوقت الحرج من التخزين كونه يستلمه بعد أن يفقد طاقته بسبب كثرة الكلام في بداية جلسة القات فيزاول عليه سحر كراهة الكلام بصورة عصبية مستفزة فيخلد إلى العزلة والصمت .

5ـ "سيهران " وهو شيطان يستلم المخزن وقت خلوده للنوم فيبذر في عينيه السهر ويكحله بالأرق فيبقى متقلبا في فراشه إلى وقت أذان الفجر فيكحلها بالنوم فلا يوفق لصلاة الفجر في جماعة .

وهذه المقولة المتعلقة بالشياطين الخمسة هي نتيجة ملاحظة واقعية يعيشها المخزنون واقعا ملموسا وهي ظاهرة واقعية بعيدة عن نسج الخيال وكل من يتعاطى القات يدرك هذه الظاهرة ببساطة ووضوح وللقات طقوس اجتماعية واسعة على مستوى الفرد والجماعة وغالبا ما يفضل المخزن القات على غذائه وغذاء أولاده فتراه يبحث وراء ثمن القات مهما كلفه ذلك ولا يفكر كثيرا في تغذية أولاده وأسرته والحديث ذو شجون .

إن القات بطقوسه وعاداته وتقاليده قد تسبب في موت الكثير من أبناء الوطن اليمني وكم له من قتلى وصرعى على مختلف المستويات فهناك الكثير ممن ماتوا بفعل السم القاتل الذي يرش به القات فيأكل البعض من ذلك القات على سبيل الخطأ أو السرقة وكم قد رأيت من ضحايا السم القاتل من أبناء مديريتي الذين أكلوا ذلك السم وهم في أتم الصحة والعافية فأصبحوا موتى بفعل ذلك السم القاتل فسبب ذلك ألم المفاجأة لأولاد الضحية وأهله وذويه وجيرانه فأيتم الأولاد ورمل النساء فإذا كان قد مات من أبناء مديريتي ما يفوق الخمسين في فترة قصيرة فكم الذين يموتون على مستوى المحافظات في الجمهورية اليمنية لاشك أن الأمر كارثي بصورة فظيعة للغاية .

تلك صورة مبسطة للموت الجماعي بفعل السم فكم الذين يموتون بفعل مضاعفات السم نتيجة الاستعجال في القطف من أجل الحصول على الربح السريع والعائد المربح وكم الذين يسبب لهم القات أمراضا أخرى بفعل السموم المختزنة والتي تسبب الأمراض المزمنة للكبد والكلى والمعدة والأمعاء بما فيها الأورام الخبيثة ...الخ وكل ذلك غيض من فيض بجانب الحوادث المرورية التى تتسارع مع الزمن في كل لحظة وكل ساعة وكل يوم إنها المأساة الدامية والموت الأحمر والطاعون الأسود الذي يحصد أبناء اليمن وهم في زهرة الشباب فيسبب ذلك أزمة في التنمية البشرية التي يحتاجها شعبنا اليمني في تقدمه وازدهاره وتسنمه للرقي الحضاري .

إن القصص المتتالية والأنباء المتواصلة عن حوادث القات المؤلمة والتي تنبئ عن مآس كارثية تتكرر مع الساعات والأيام والشهور والسنين في عموم الجمهورية اليمنية فلست أنسى ذلك المشهد الدموي الذي راح فيه ضحية سرعة القات أحد الشباب من أبناء عزلتي وجرح العديد من الركاب جروحا بليغة وكم هي القصص التي تأتينا من "حجور" "والشرفين "بسقوط سيارات القات من أعالي الجبال إلى سفوح الوديان فيكون ضحية ذلك عشرات القتلى والجرحى وخاصة عندما تكون السيارة "شاص" تحمل في مؤخرتها ما يفوق الثلاثين راكبا وأخطر تلك الخطوط وأكثرها كوارثا هو الخط الإسفلتي الساحلي والذي يمتد من جيزان إلى مدينة الحديدة وهو خط مرعب نسبة الحوادث فيه كبيرة ومأساوية ... كنت يوما خارجا من مدينة الحديدة متوجها إلى مدينة شفر وفي أثناء انطلاقنا في السير هب إعصار عنيف ملأ الجو بالغبار والرياح العاتية التي تحمل رصيدها الكبير من كثبان تهامة المشهورة هناك بدأ الركاب يتحدثون عن كارثة الإعصار الذي أوقف حركة السير في هذا الجو المظلم وفي هذه اللحظات تبادل الركاب الحديث قال أحدهم:"اليوم يوم المقاوته " وهذه الكلمة لم تأت من فراغ وإنما أتت من تجربة واقعية معروفة من تكرر حوادث هؤلاء... فعلا قد صدق حدس الرجل فلما انقشع الغبار ووصلنا إلى محل "رحمة" القريب من دير "عبد ربه "المشهور وإذا بنا فعلا نشاهد المأساة المتجسدة في انقلاب سيارتين للقات أحدهما "شاص "والأخرى "هيلوكس "وكلا السيارتين كانتا تسيران في اتجاه واحد ولكن حدث بفعل الغبار والسرعة الفائقة والسباق بين السيارتين ما لم تحمد عقباه ... اقتربت السيارتان من بعضهما البعض بطريقة ما فأحدث الاقتراب تصادما نتيجة التلاصق من جهة واحدة أدى في الأخير إلى انقلاب السيارتين وحدوث الكارثة الإنسانية... لا ندري كم كانت الوفيات في ذلك الحادث الكبير الذي لم نجد عند وصولنا إلا رزم القات المبعثرة على الإسفلت ورجال المرور أما أهل القات فقد أخذوا للإسعاف بين جريح وقتيل .

ومن القصص المثيرة والكارثية في هذا الشأن قصة ذلك الشاب السائق لسيارة "هيلوكس "والذي كان يورد القات من مدينة "رداع" إلى المملكة العربية السعودية كان في سرعة جنونية وعندما كان على مسافة قريبة من سوق خميس الواعظات في لحظة حاسمة اعترض قبله قلاب مجنون متجاوزا الخط وإذا بالسائق في تلك اللحظات يفقد التصرف التام لدخول القلاب بصورة فجائية فما كان من السائق في هذه اللحظات إلا الاصطدام المباشر بالسيارة في مقدمة القلاب بسبب السرعة الجنونية فحدثت المأساة الكارثية تداخلت أجزاء السيارة مع مقدمة القلاب التي أتت على أربعة داخل"الهايلكس" بما فيهم السائق واثنان في مقدمة القلاب وانتهت السيارة نهائيا وهكذا تم الحادث بسبب السرعة الجنونية للقات .

وهذا أحد سائقي القات من أبناء قريتي يقلب في يوم واحد مرتين ويكتب الله السلامة له ولركابه وحدث أن ذهب إلى سوق شمر للقات وكان يحمل على سيارته أكثر من ثلاثين راكبا وفي إحدى اللفات حدث خلل في السيارة ففقد السيطرة على قيادتها فانقلبت السيارة أكثر من قلبة فقذفت بالركاب في أول قلبة فكتب الله لهم السلامة جميعا ثم وقفت السيارة فوق أحد البيوت لأحد المواطنين وكتب الله السلامة لهل البيت أيضا فسبحانه هو الحافظ من كل شر .

أما ما حدث في يوم 15/5/2013م قبل أسبوع من زمن كتابة هذا المقال فهو كارثة إنسانية بكل المقاييس سيارة قات تحمل ثمانية عشر رجلا كان السواق في سرعة جنونية وفي منطقة بين خميس الواعظات ومدينة عبس حدثت الكارثة فقد تسبب شيء ما للسواق وللسيارة فانقلبت السيارة بمن فيها من الركاب وحدث الموت الجماعي فحسب الإحصائيات الأولية في وقت الحادث سبقت الوفاة لخمسة عشر راكبا وبقي ثلاثة ركاب في جروح خطيرة أسعفوا إلى المستشفى وغالب الظن أنهم قد ماتوا ولحقوا بأصحابهم فالله المستعان .

ومن خلال تلك العروض السابقة نصل إلى فداحة المصيبة التي يحدثها القات لشعبنا اليمني بما يحمل من طقوس تجعل حامله يخضع لتصرف خارج عن العقل والمنطق فلماذا القات يمتلك قدرة كبيرة على تطويع حامليه للسرعة والعجلة وقديما كان تستخدم الحمير لنقل القات إلى الأسواق فحال ما يطرح القات على ظهر الحمار حتى يتحول إلى أسطورة في السرعة والجري ومن القصص الغريبة أن رجلا كان من العدائين وكان سريع المشي وكان يشتغل في توريد القات من منطقة جبل حرام إلى" القناوص "وحدث له يوما ما أن كان له حمار ضعفت سرعته وخشي أن يسبقه رفقاؤه الآخرون إلى السوق فأخرج السكين من غمده وذبح الحمار ثم أخذ القات على ظهره وسبق رفقاءه موردي القات بقدرته وسرعته وأنا أعرف الرجل تماما عندما كنت صغيرا ولا يزال أبناؤه أحياء والناس يروون عنه ذلك الخبر بالتواتر.

وخلاصة الأمر الذي أريد أن أصل إليه هو أن القات يحمل مقومات خاصة تقوم على إستراتيجية السرعة قديما وحديثا سواء كان حامله إنسانا أو حمارا أو سيارة وهذه الإستراتيجية أعطته التفرد بين بقية المهن التي يزاولها المواطنون على مستوى اليمن وهذه الصفة نفسها هي التي سببت الكارثة في موت الكثير من أبناء الوطن اليمني كون السرعة بالسيارة فيه الخطورة الكبرى وليست كسرعة الحمار فالوسائل الحديثة سيف ذو حدين قد تكون نعمة لمن أحسن التصرف في قيادتها ونقمة لمن أساء استخدامها وأملي أن يضع كل مواطن يمني ولاسيما المشتغلون بمهنة القات أن يستعملوا العقل والمنطق وأن يسلكوا طرق السلامة حتى لا يحدث مالا يحمد عقباه .23/5/2013م