الجمعة ، ١٠ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٠ صباحاً

الشعب اليمني ...بين بلوى الاغتيالات وطوفان الدماء المسفوكة

إبراهيم القيسي
الاربعاء ، ١٩ يونيو ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
حوادث الاغتيالات مشكلة أمنية معقدة تتداخل في تكوينها عوامل متعددة وقوى مختلفة والعنصر الأول فيها النظام السابق فأي نظام يسقط في العالم يعقبه الفوضى والاغتيالات وينعدم الأمن والاستقرار فالنظام الساقط يمتلك الإمكانيات الهائلة من القوة والسلاح والولاء القبلي وهي حالة مرضية مستعصية تعمل على ضعف النظام البديل بإشاعة الفوضى وإثارة القلاقل لصده عن النجاح في ضبط الأمن والاستقرار فهذه القوى التخريبية تسعى لهدر مقومات الوطن الاقتصادية والسياسية والأمنية وتضعف سلاحه الجوي والبحري وتعيق من قدرته على ضبط الحوادث والاغتيالات وتعمل على إقلاق الأمن وإفزاع المواطن وإثارة الخوف والهلع في صفوف الشعب وقد ظهرت تلك الحوادث بوضوح عقب سقوط النظام الذي بدوره تحالف مع قوى الشر من ممنتهي التخريب والفوضى فقاموا بتصفية حسابات مع قيادات في الأمن والجيش وأتاحت الفرصة لقوى الإرهاب لتعيث فسادا وقتلا على ثرى هذا الوطن .

فمن الواضح تحالف فلول النظام السابق مع القوى المتطلعة للحكم والعناصر الحاقدة في الوطن والحركات الانفصالية ورموز الاشتراكية المطرودين بعد حرب 94م مثل البيض ورفاقه وقوى الحوثية العنصرية في صعدة ورجال القاعدة الدمويين كل هذه القوى تعمل في حلبة واحدة وإن تفرقت أفكارها واختلفت أطرها السياسية فالجامع لهذه القوى هو الحقد الأسود لمحاربة أمن واستقرار اليمن وإفشال حكومة الوفاق والمبادرة الخليجية وهذا المنحى الإستراتيجي لهذه القوى المعادية للسلام في اليمن يسري تنفيذه بعدة صور مختلفة على نطاق الخصوص والعموم فهناك مخططات على مستوى التحالف ومخططات على مستوى الاتجاه الواحد وقد عملت هذه القوى التخريبية على عدة أصعدة مختلفة كلها تلتقي عند هدف واحد هو الاخلال بأمن اليمن واستقراره وتحيل دون تقدمه وازدهاره وإفشال حكومة الوفاق وخطوات تنفيذ المبادرة الخليجية التي تعمل على الخروج باليمن من بؤرة الصراع بإشراف دولي وإقليمي إلى حكم رشيد يتكئ على انتخابات حرة ديمقراطية تمكن لحكومة شرعية تدير اليمن وتلقي الستار على النظام السابق إلى الأبد .

إن الأنشطة التخريبية عملت وما زالت تعمل داخل اليمن لإهدار الطاقات الاقتصادية وتدمير البنية التحتية وقتل القيادات الناشطة واستنزاف الموازنة العامة لإصلاح متكرر لكابلات الكهرباء وأنابيب البترول كما عملت على تدمير سلاح الجو وإثارة النزاعات والفوضى وإشعال فتيل الفتن وتقويض الأمن والاستقرار فأصبح اليمن مأوى الكوارث وبؤرة الصراع وجسم الاحتقان فقد عملت تلك القوى الحاقدة التي تجردت من الضمير الإنساني على التدمير والشر فلا ترتاح إلا برؤية الدماء المهراقة ولا تطمئن إلا بكوارث التخريب وهي لا تبخل بما تملك من إمكانيات مادية وعسكرية على تفجير الوضع وإهدار الطاقات الاقتصادية وإشعال نار الفتن وذلك كله نابع من العنصرية والأنانية وحب الانتقام للذات مع تطلع بعض القوى لاستعادة دورها التاريخي في الحكم العنصري إضافة إلى الحراك المتعدد في الجنوب والشمال وكلها قوى تستغل ضعف الدولة في الفترة الانتقالية لتعمل للوصول إلى أغراضها الدنيئة من خلال تلك الطرق المخلة بالأمن والسلام .

إن للاغتيالات تاريخ متجذر في تاريخ اليمن الحديث وخاصة بعد قيام ثورة 26سبتمبر إلى هذه اللحظة الراهنة فكان أفظع اغتيال هو اغتيال رئيس الجمهورية " الحمدي "حيث مثل هذا الاغتيال القضاء على حلم اليمن وفتح الباب على مصراعيه للإيغال في هذا المضمار وتتابعت بعدها الاغتيالات فكان اغتيال الرئيس "الغشمي" ثم جاءت فترة الرئيس صالح التي اقترنت بحرب الجبهة الجنوبية والحروب القبلية ثم جاءت الوحدة اليمنية فتوسع نطاق الاغتيالات بين أفراد الرفاق واستمر هذا الأمر بصور متعددة ودخل على الخط الطيران الأمريكي في عهد المخلوع فقام بعدة اغتيالات لقيادة عناصر القاعدة واستمرت المعركة بين الطيران الامريكي والقاعدة إلى يومنا هذا وحدثت جراء ذلك أخطاء جسيمة ومن ضمنها قتل الشبواني في مأرب وقتل الكثير في أبين وشبوة وغيرها من المناطق ...الخ وتجسد الصراع بين القاعدة والدولة وتداخلت القاعدة مع القوى القبلية في كثير من مناطق اليمن الأمر الذي عقد الوضع وأصبح من الصعب السيطرة عليه من قبل الحكومة اليمنية فاضطرت إلى التحالف مع الأمريكان بطريقة تجمع بين السرية والظهور فأصبح الثأر يتجسد بعنف دموي في نفوس هذه القوى التي تعمل ضد المصالح اليمنية والأمريكية فقد دار الصراع قويا ودمويا بين القاعدة والدولة ففي حين تقتنص الطائرات الأمريكية قيادات القاعدة تقوم القاعدة بردة فعل على الحكومة اليمنية وتنفذ الكثير من العمليات الانتحارية التي يذهب ضحيتها العشرات والمئات من جنود الأمن والجيش والقيادات الأمنية وغيرهم من المواطنين وما تفجير ميدان السبعين عنا ببعيد .

إن الدماء اليمنية التي سالت كالأنهار على ثرى هذا الوطن سواء كانت بحروب أو فتن أو اغتيالات تمثل سيل العرم فالسلسة المتصلة لسفك الدماء تعطينا صورة واضحة عن الكارثة فلو حسبنا الدماء التي سقطت على ثرى هذا الوطن ابتداء من اغتيال الرئيس الحمدي إلى لحظتنا الراهنة لكانت كافية لتكوين طوفان عنيف يغرق هذا الوطن فكم سقطت من الدماء في مواجهة حركات التخريب في الجنوب في بداية الثمانينات وكم سالت من الأنهار في حرب صيف 94م وكم سالت في الحروب القبلية في الجنوب والشمال والشرق والغرب وكم سالت في صعدة في حروبها الستة وكم سالت من الدماء على شوارع صنعاء وتعز وعدن والحديدة وكل المدن اليمنية في إبان الثورة الشبابية وكم أزهقت من الأرواح في الحروب مع القاعدة في أبين ومأرب وصنعاء ... إلخ .

أما آن لهذا الوطن أن يثوب إلى رشده ويأخذ من الماضي العبرة والعظة أما آن له أن يعود إلى حظيرة الحب والسلام ويرقع الخرق ويبلسم الجراح ويجمع الصف ويلتحم على إرادة الوحدة ويعترف بالآخرين إن طريق التعايش ممكن إذا عرف كل حزب السبيل إليه وسلكت كل نحلة الطريق إلى منهجه إن الصراع مشغوف بتوليد الصراع والسلام مجبول بتمكين السلام فحين اتعظت الدول الغربية من حروبها الأهلية فبادرت باتفاقية سلام كانت طريقا للتقدم والازدهار فهل هذا الشعب جدير بهذا المسلك الحضاري ليطفئ بؤرة الصراع ويقرر إنهاء الحروب ويعصم النفوس من القتل وليتجاوز مستنقع الفقر والتخلف ويترفع عن الذل والامتهان حتى لا يفتح ثغرة كبيرة لولوج الأعداء ليفسدوا ذات البين ويوسعوا الخرق على الراقع .اللهم احفظ شعبنا من الفتن .