السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٤ صباحاً

"المعارضة" نائمة... لعن الله من أيقضها

محمد عارف
السبت ، ١٩ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٢:١٥ مساءً
يري الرئيس الأسبق حيدر العطاس أن انضمام أحزاب المعارضة الي الثورة (كقادة وزعماء ومفاوضين وممثلين للثورة وناطقين باسمها...) شكل عائقا آخر أمام تقدم الثورة ونجاحها، ويري أن الثورة لوتركت لقيادة الشباب لكانت حسمت أمرها في وقت مبكر.

مالم تستوعبه الأحزاب اليمنية ومنها أحزاب المعارضة أنها أصبحت كيانات أكثر عزلة عن المجتمع اليمني، وأنها فقدت الكثير من وزنها الإجتماعي خلال العشر سنوات الأخيرة
¤ نتيجة لصراعها المرير فيما بينها طوال الفترة الماضية، تكتل أحزاب المعارضة في مواجهة الحزب الحاكم الذي كان يسخر امكانات الدولة الكبيرة في صراعه معهم، مما أدي إلي تضرر هذه الأحزاب بدرجة أكبر وأيضا فقدانها الكثير من شعبيتها فالصراع في حد ذاته عامل اجتماعي مفرق يجعل الناس العاديين الذين لاتهمهم تفاصيل وحيثيات الصراع يكرهون جميع الأطراف المتصارعة.

¤أيضا فإن أحزاب المعارضة -وهي الخارجة في معظمها من تحت عباءة المؤتمر (أبو الأحزاب)- لم تستطع أن تكون أكثر من نسخ مشوهة عنه، تحمل نفس علله وأسقامه إما بسبب الوراثة أو بسبب العدوي،كل الممارسات والسياسات والأخطاء التي نعيبها في الحزب الحاكم نجدها في أحزاب المعارضة بصورة أشد قسوة، تجعلنا نفقد الأمل في أي جديد سيأتي به انتصار الثورة، فالتوريث والشخصنة التي يتصف بها الحزب الحاكم نجدها في أحزاب المعارضة الصاعدة الي سدة الحكم، قد نري شخصا ثريا يملك حزبا كبيرا بمقاره ولافتاته ومناصريه.... يحكم هذا الحزب حتي يشيخ ثم يموت فيورثه لأبناءه -كأي مزرعة دجاج- ليحكمه الإبن الأكبر حتي يموت -بعد عمرطويل- ....، كما أن الحزب قد يتضاءل حتي يصبح عدد أعضائه مساويا لعدد أفراد عائلة مؤسس الحزب، وقد يضيق أكثر حتي يصبح الحزب رجلا نحيلا طويلا جاحظ العينين!

¤في هذه الأحزاب لا أثر لديمقراطية داخلية حقيقية فقط ديمقراطية شكلية وهزلية لا تقنع أحدا، القرارات السياسية تتخذ من قبل القيادات العليا لتنفذها القاعدة الشعبية التي هي خارج أدوات ومناخات اللعبة السياسية، وبالطبع لا أثر فعلي لأية معايير علمية وموضوعية تسمح بوصول الكفاءات الشابة والمتحمسة إلي الصفوف القيادية العليا فلا وجود لشيئ اسمه تبادل طبيعي للسلطة، نفس القيادات الهرمة تمارس سلطتها الأبوية المقدسة، وتتسم سياستها بالحذر والشك في الجميع، قراراتها مشتتة ومزاجية ومواقفها متضاربة ولايوجد انسجام بين خطابها السياسي ومواقفها العملية.

¤ تزايدت الأحزاب اليمنية عزلة وشعبيتها انحسارا بسبب غيابها عن الواقع والحياة الإجتماعية اليمنية بمجمل مناشطها ومظاهرها الثقافية، ومشكلاتها المزمنة، وعدم قيامها بدورها الوطني في تنمية المجتمع كوطن وكإنسان وكمفوم.

فما من أنشطة تعكس وتطور الجوانب الثقافية للمجتمع فلا أثر لهذه الأحزاب في مسرح أو دراما أو أغنية أو شعر أو قصة أو كتاب أو تربية.....

كما لم تسهم هذه الأحزاب في تناول وعلاج مشكلات المجتمع اليمني المزمنة والمعقدة كالبطالة أو القات أو الثأر أو السلاح أو الفقر .... بل أحيانا تكون أحد عوامل تفاقم هذه المشكلات إما لجهل القيادات او لاستغلالها سياسيا بتحميل النظام المسئولية عن هذه المشكلات، وهذابالتأكيد لن يعفيهم من المسئولية باعتبارهم يمثلون مؤسسات إجتماعية وطنية مهمتها خدمة وبناء المجتمع والعمل علي إشباع حاجات أفراده المادية والمعنوية، لكنها تنصلت عن هذالدور فلم تسهم في توعية وتثقيف الناس حول مفاهيم أساسية وضرورية في بناء المجتمعات كصياغة مفهوم الوطن وعلاقتنا به أو الديمقراطية وتطبيعها لتتحول إلي اسلوب حياة، أو العمل أو التنمية أو حتي قيم أخلاقية بناءة كالتعاون والتكافل والإيثار....

كما أن هذه الأحزاب لم تقم بدورها في تنمية الإنسان ومساعدته علي التحرر من العوائق التي تحول بينه وبين ممارسة حياته المنتجة والخلاقة، ولم تتبن أية استراتيجات لإستغلال واستيعاب وتوجيه طاقات الشباب ورعاية وتشجيع المبدعين، ومحاولة إيجاد مجالات تستوعب طموحاتهم وتطلعاتهم وتوظف طاقاتهم الكبيرة.

للأسف الشديد فإن هذه الأحزاب لا تري في قاعدتها الشعبية سوي حشود انتخابية تستثيرها في التظاهرات أو مواسم الإنتخابات كناخبين أو مراقبين أو (ملابجين)، كما لا تري في فئة الشباب سوي عمالة رخيصة لتوزيع الملصقات وحمل اللافتات والصياح في الميكرفونات والإعداد للمهرجانات والاحتفالات ... وقد يتم الزج بهم في حروب عبثية وثارات قبلية أو طائفية همجية، وفي أحسن الأحوال يتم عزلهم في قطاعات شبابية خاملة بعيدا عن الحياه السياسية وصنع القرار، ولا يتم الرجوع إليهم إلا لمساعدة القادة في استخدام هواتفهم أو حواسيبهم الحديثة جدا.

لقد كان من أهم نتائج هذه النظرة البائسة للشباب، وتنصل الأحزاب عن دورها في بناء الإنسان وتوظيف طاقاته، هو ظهور الحركات المسلحة في اليمن كمتنفس لطاقات هائلة مكبوته لم تستطع الأحزاب استيعابها بل ساهمت في كبتها، استطاع الشباب ان يحققوا أنفسهم ضمن هذه الحركات، ويشبعوا من خلالها معظم حاجاتهم المادية والمعنوية التي عجزت مؤسسات المجتمع عن تلبية اليسير منها. وصارت هذه الحركات المسلحة تحصل بالقوة أو الأبتزاز أو بتقديم الخدمات من هذه الأحزاب علي تمويلات جيدة ساعدت علي بقائها واستمرارها وهي بالطبع أضعاف التكلفة التي كانت تتطلبها تنمية المجتمع، ناهيك عن التكاليف المهولة التي يتكبدها المجتمع ككل، وأقرب مثال (موثق) هو حركة الحوثيين حيث حاول حسين بدر الدين خلال الأعوام من 1996 حتي 1999 العمل علي تطوير حزب الحق وتقدم حينها بمقترحات ورؤي حول سياسات الحزب وأنشطته وقدم لوائح ونظم جديدة من شأنها تطوير عمل الحزب، لكن أيا من قيادات الحزب لم يأخذها بعين الأعتبار وانتهي به الأمر إلي تقديمه استقالة جماعية من الحزب مع أسرته وعدد كبير من مؤيديهم، حاول بعدها إنشاء حزب خاص به لكنه طوال أشهر لم يستطع الحصول علي ترخيص إنشاء حزب وفي النهاية تم رفض طلبه، بعدها مباشرة عام1999 غادر صنعاء وقرر الأعتكاف في "مران" ليخرج علينا بعد نحو ثلات سنوات بخياره الكربلائي الرهيب.
لقد زعزع ظهور هذه الحركات المسلحة الإيمان بالديمقراطية و بأنها الطريقة الوحيدة للوصول إلي السلطة وتحول جانب كبير من الدعم والتمويل الذي كان يفترض أن تنفقه الأحزاب في تنمية وبناء المجتمع إلي الحركات المسلحة لاسترضائها أوستقطابها أو تحييدها أواحتوائها أوالإستفادة منها في صراعاتها....، وبالتالي انصرفت هذه الأحزاب نهائيا عن بناء وتنمية المجتمع واستقطاب وتوسيع قاعدتها الشعبية مما ساهم في تآكل وانحسار شعبيتها.

لذالك كله فإن انضمام أحزاب المعارضة للثورة لم يكن من شأنه أن يضاعف المد الشعبي للثورة، بل علي العكس انسحب كثير من المستقلين من الساحات وتركوها للمتحزبين لالساحات وتركوها للمتحزبين لتعكس الثورة شعبية أحزاب المعارضة الضعيفة.

أما عن أخطر نتائج انضمام المعارضة الي الثورة فهو نجاحهم في تحويل الثورة من ثورة شعبية إلي أزمة سياسية.