السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٤٦ صباحاً

حزب التجمع اليمني للإصلاح الشريك والجلاد والضحية

طارق الحروي
السبت ، ٢٦ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
- من نافلة القول عند قراءة عنوان هذه المقالة منذ الوهلة الأولى قد يتبادر للذهن ذلك النوع من الاستفسارات المهمة التي تصل إلى مرتبة التساؤلات، والتي أجدها مهمة بل ومحورية حول أهمية ما يحمله هذا العنوان من إشارات واضحة ودلالات ومعاني صريحة لها أهمية كبيرة لا بأس بها في إلقاء حزم من الضوء ومن ثم ترجمة لكل ما يدور حولنا من تطورات رئيسة على مدار الـ20 عاما الماضية، عجز الكثيرين ليس على الإحاطة ببعض جوانبها ضمن سياق تطور الظاهرة السياسية التي يمثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح الأكثر خطورة على حاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا، والذي يمثل الوعاء الحاضن لكل التيارات والاتجاهات ومن ثم القوى والحركات التي تنتمي للقوى التقليدية المحافظة والمتطرفة فحسب، بل- أيضا- عن استيعابها، جراء استمرار تنامي حالات التعقيد والغموض المتسارعة والمتداخلة التي شابت خط سير الأحداث الرئيسة، في واحدة من أهم القراءات التحليلية لأهم أبعاد ودلالات ومعاني أخطر المؤامرات التي قادتها القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة على حاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا.

- وهو الأمر الذي نستطيع من خلاله الإجابة عن بعض أهم التساؤلات المحورية التي تدور في البدء ليس حول كيف أصبح حزب التجمع اليمني للإصلاح شريكا في سدة السلطة ؟ ولكن في حقيقة الأمر منذ متى أصبح محتكرا لمعظم مصادر القوة والثروة أكثر منه شريكا على أرض الواقع، وصولا إلى معرفة طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المسئولية التاريخية الملقاة على عاتقه في كل ما يجري في البلاد على مدار العقود الماضية، ومرورا بكيف ولماذا ومن ثم متى أصبح يتولى مهام الجلاد الأساسي المخول بالاقتصاص من أحد أهم شركاه في السلطة سواء أكان ذلك الكيان السياسي- الحزبي الذي مثله المؤتمر الشعبي العام وجمع بين صفوفه كل القوى والتيارات والحركات الناشطة بين أوساط المجتمع (1980- 1990م) أو كان ذلك حزب المؤتمر الشعبي العام (1990- 2011م) ؟ ومن هي الجهة التي خولته للقيام بذلك ؟ وعلى أية أسس دستورية وقانونية وشرعية وشعبية...الخ استندت عليها ؟ وانتهاء حول كيف سوف يصبح حزب التجمع اليمني للإصلاح ككيان سياسي وعناصره، هو الضحية القادمة على مذابح بعض قيادات التيار المتطرف المنتمي للقوى التقليدية المحلية والإقليمية، كي تشرب من نفس مرارة الكأس الذي أذاقته لمن سبقوها من العناصر والقوى السياسية التي تقف على رأسها كلا من الحركة الناصرية عام 1978م ، والحزب الاشتراكي اليمني عام 1994م كأحد أهم سنن هذا الكون وقوانينه كما تدين تدان؟

- ومن هذا المنطلق يمكن القول في محضر إعطاء إجابات عن هذه التساؤلات، أن القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة لم تكن شريكا أساسيا ومحوريا مباشرا وغير مباشرا في السلطة كما يعتقد الكثيرين فحسب، بل- أيضا- كانت الجهة الأساسية التي تهيمن على معظم مصادر القوة والثروة في البلاد- استنادا- لما آلت إليه إرهاصات الأزمات التي عاشتها البلاد في النصف الثاني من عقد السبعينيات من تطورات رئيسة حددت أهم المعالم الرئيسة لما أتى بعدها، على خلفية ما حققته من نجاحات نسبية ومهمة في إخراج الحركة الناصرية من معادلة السلطة عام 1978م، جراء تغيير شبه جذري للمعادلة الداخلية القائمة لصالح القوى التقليدية على حساب القوى التحديثية والتحررية، فعندها فقط تم إعادة اقتسام مصادر القوة والثروة فيما بينها وبين باقي القوى العاملة في الساحة تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام واضعا يدها على الجزء الأكبر والمهم منها، بحيث لم يتبقى لباقي مكونات المؤتمر من هذه القوى التي كان الرئيس الصالح على رأسها ويمثلها سوى ذلك الجزء الصغير الذي لا يتعدى الثلث منها أو يقل عن ذلك- على أكثر تقدير- كي تدخل على إثرها اليمن إرهاصات أحد الأنفاق الرئيسة المظلمة، التي تداخلت فيها كافة التوجهات والاتجاهات والرؤى والأساليب والطرق إلى حد التعقيد والتشابك، بحيث عجز الكثيرين عن استيعابها بتاتا؛ متراوحة ما بين القيم القبلية في أوج شدتها والقيم المدنية في أدنى أشكالها، نظام قبلي مسيس ( أشلاء نظام سياسي تتحكم فيه القيم القبلية وعناصرها)، ولكنه لم يكن النفق الأشد ظلمة- بحسب وجهة نظري- التي حاولت التيارات المتطرفة للقوى التقليدية ولوجه بقوة في اتجاه استعادة مكانتها المرموقة داخل المجتمع بلا منازع، وصولا إلى قيام المملكة اليمنية المنشودة على أنقاض الجمهورية اليمنية القائمة، في ضوء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور المحوري الذي لعبه الرئيس الصالح على رأس القوى التحديثية والتحررية التي ظلت تمثل رقما مهما لا يمكن تجاهله أو تجاوزه على مدار الـ12 عاما الماضية، بحيث تسنى لها ليس فتح وتبني كافة الملفات المتعلقة بمشروع الدولة المدنية الحديثة التي أعدتها إدارة الرئيس الراحل إبراهيم ألحمدي، سيما بعد نجاحه النسبي في إيجاد بعض الحلول شبه الناجعة للكثير من القضايا الخلافية العالقة.

- في حين تعد الفترة الواقعة بين عامي (1990- 1992م) واحدة من أهم الفترات التي كادت تقلب صيغ المعادلة الداخلية القائمة رأسا على عقب لصالح القوى التحديثية والتحررية على حساب القوى التقليدية، عندما أعيد اقتسام مصادر القوة والثروة بالمناصفة بين ممثلي نظامي الحكم، بحيث لم يعد للقوى التقليدية- استنادا- لذلك سوى الثلثين من النصف وليس الكل، أما الثلث الأخير فقد كان من نصيب القوى التحديثية والتحررية التي يمثلها الرئيس الصالح، وبالتالي استطيع الجزم بأنها كانت الفرصة التاريخية السانحة أمام القوى التحديثية والتحررية والقوى اليسارية لترجمة امتلاكها للجزء الأكبر والمهم من مصادر القوة والثروة بقرارات وأعمال عظيمة تنقل اليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة، باعتبارها المدخل الأساسي لولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة، إلا أن القوى التقليدية لم تمهلها الوقت ولا الفرصة لتباغتها بضربات موجعة متتالية، ضمن إستراتيجية معدة لمثل هذا الغرض أدناها ابتدأت ببث بذور الخلافات والانشقاقات الحادة في أشلاء جدار مازال هشا ورخوا، بصورة حالت دون وجود أية إمكانية لتقارب نسبي بين شريكي المنجز الوحدوي، بصورة ابتعدت بموجبها كثيرا عن معركتها الأساسية التي من خلالها ستؤمن حاضر ومستقبل اليمن وانتقلت مباشرا إلى معارك ثانوية تبحث من خلالها على المستقبل السياسي للبعض من عناصرها ومصالحها الخاصة، وانتهت بفك نهائي لعرى الارتباط بين شريكي المنجز الوحدوي، بلغت أوجها في اندلاع إرهاصات الصراع المسلح عام 1994م، وخروج نهائي للحزب الاشتراكي من المعادلة الداخلية، وأعلاها السعي وراء فرض هيمنتها المطلقة على المعادلة الداخلية وصولا إلى مصادر القوة والثروة في البلاد، التي ستبلغ ذروتها في إخراج نهائي لحزب المؤتمر الشعبي العام بالقوة العسكرية إذا ما تطلب الأمر ذلك، سيما أن هذا الأمر اتضحت أهم ملامحه الرئيسة في ضوء القوة الضاربة التي امتلكتها القوى التقليدية في حسم حرب عام 1994م، مقارنة بالحالة التي كان عليها حزب المؤتمر وحلفائه، التي لو أرادت السلطة لأخذتها عنوة عقب انتهاء هذه إرهاصات الحرب، إلا أن المعطيات الظرفية للبيئتين الداخلية والخارجية لم تكن مواتية، لا عتبارات عدة لا مجال لذكرها هنا، وهو الأمر الذي يفسر لنا هذا الانقياد الذي ظهرت عليه قيادة المؤتمر الشعبي العام وراء تلبية كافة احتياجاتها وطموحاتها غير المشروعة.

- أما الفترة الواقعة بين عامي (1993- 1994م) فقد مثلت المحطة الرئيسة الأولى لبدء خروج مقاليد الأمور من أيادي القوى التحديثية والتحررية واليسارية على حد سواء، التي استعادت فيها القوى التقليدية أنفاسها وقواها، في ضوء ما ترتب على دخول حزب التجمع اليمني للإصلاح أتون المعادلة السياسية بفوزه بالمرتبة الثانية في الانتخابات النيابية عام 1993م، والتي بموجبها أعيد اقتسام مصادر القوة والثروة بين ثلاثة قوى، أصبح النصيب الأكبر والمهم بيد القوى التقليدية، إلا أن هذا الأمر لم يتم حسمه بشكل نهائي إلا في أعقاب إزاحة الحزب الاشتراكي من سدة السلطة.

- أما الفترة الواقعة بين عامي (1994- 1997م)؛ يمكن اعتبارها واحدة من أهم المحطات الرئيسة في تاريخ القوى التقليدية التي أسست لكل ما أتى بعدها من تطورات رئيسة، فقد وقع المشروع الوحدوي كله فريسة سايغة بين أياديها بلا حراك يعتد به، حيث تم إعادة صياغة وبلورة الواقع اليمني- استنادا- لما أصبحت عليها المعادلة الداخلية من هيمنة شبه مطلقة على مصادر القوة والثروة، بصورة لم يعد للرئيس الصالح ومن ورائه القوى التحديثية والتحررية واليسارية إلا فرصا محدودة جدا للحركة، التي لم تخرج عن حدود نطاق ذلك الدور الذي قام بتأديته منذ الانقلاب الأسود عام 1978م الذي قادتها الحركة الناصرية ضد نفسها- أولا- وحاضر ومستقبل اليمن دولة وشعبا- ثانيا- والمتمثل بمهام إدارة شئون الدولة فقط لا غير، أما مصادر الحكم والسيطرة فلم تكن بيده إلا في تلك الحدود الضيقة جدا، لذلك فقد تسنى للقوى التقليدية من باب الشراكة الرسمية مع حزب المؤتمر الشعبي العام المجال واسعا للعبث بمقدرات البلاد بدون رقيب ولا حسيب واستحلتها لنفسها، وانغمست البلاد في برك من الفساد الذي أثقل كاهل الوطن والمواطن الذي يرزح تحت ثقل التركة الموروثة من عقود مضت، لذلك لم تنفع معها أية سياسات إجرائية رسمية لاحتوائها، وأعادت صياغة الأدوار لكل اللاعبين، وبدأت تهيأ نفسها لاستلام السلطة عندما تتوفر المعطيات الظرفية الخارجية أكثر منها الداخلية، في ضوء ما تفرضه هذه المرحلة من خصوصية على مصالح المحور الأمريكي- الغربي، باعتبارها قوى محافظة ومتطرفة غير موثوق فيها.

- أما الفترة الواقعة بين عامي (1997-2010م)، فهي إن كانت امتداد للمرحلة السابقة، إلا أن القوى التقليدية في هذه المرحلة كانت قد توارت بالفعل خلف الستار تاركة الرئيس الصالح والقوى التحديثية والتحررية لوحده وجه لوجه مع الواقع المرير التي كانت ليست السبب الرئيسي فيه فحسب، بل- أيضا- وأسهمت على استمراره ليبلغ حد الذروة في الفترة (2004-2010م) تحت شتى المسميات وحالت دون أية إمكانية لتجاوزه، مادامت معظم مصادر القوة والثروة تحت هيمنتها، في محاولة منها النائ بنفسها عن تحمل أية تبعاته من موقع المسئولية الأولى، وهو في نفس الوقت تأتي ضمن سياسة التراجع خطوة للخلف استعدادا للوثوب خطوتين إلى الأمام؛ من خلال التفرغ بشكل شبه كلي نحو تهيئة ومن ثم حشد كافة قدراتها- أولا- واستنزاف قدرات النظام القائم في اتجاه إضعافه وليس إسقاطه، باعتبارها الخطوة الأساسية الممهدة ليس لإخراج الرئيس الصالح وتياره الوحدوي نهائيا من معادلة السلطة فحسب، بل- أيضا- والحيلولة دون وجود أية إمكانية لعودته في المدى المتوسط من خلال تفكيك وإزالة أهم مرتكزا ته الرئيسة، لاسيما على سبيل المثال لا الحصر حزب المؤتمر الشعبي العام كقوة سياسية لها وزنها ومكانتها في حال نجح التيار الوحدوي في إعادة إنتاجها لتواكب طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المسئوليات الوطنية الحالية والقادمة، ومؤسسة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والمؤسسات الأمنية التابعة لها، باعتبارها المرتكز الأساسي لولوج مرحلة النظام والقانون والنموذج الحي لإمكانية دخول مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها- ثانيا- والوثوب إلى كرسي السلطة ومن ثم الهيمنة على مصادر القوة والثروة بلا منازع- ثالثا.

- أما العام 2011م؛ فيمكن اعتباره المحطة الأساسية التي خرج الجزء الأكبر والمهم من القوى التقليدية المحافظة والمتطرفة من معادلة السلطة فجاءه وكادت تصل إلى غايتها المنشودة بلمح البصر، لولا تدخل إرادة الله تعالى جل في علاه، وهي في نفس الوقت اللحظة التاريخية التي أوكلت القوى التقليدية نفسها بنفسها لتولي مهام الجلاد في البلاد ليس للاقتصاص من أهم شركائه في السلطة على مدار الـ33 عاما الرئيس الصالح وحزب المؤتمر الشعبي العام وبعض القوى السياسية المتحالفة معه مثلما يظن الكثيرين على ما أعتقد تحت مسميات كثيرة فحسب، بل- أيضا- للاقتصاص من كل أبناء الأمة المؤيدة للشرعية الدستورية ضمن سياسة العقاب الجماعي الذي نال منها طوال الفترة (2004- 2010م)، وبلغت حد الذروة عام 2011م.

- واستنادا- لهذا السياق من التحليل يصبح هنالك احتمالية كبيرة أن يكون حزب التجمع اليمني للإصلاح بتياره القبلي والديني؛ هو الضحية القادمة التي ستطالها يد الله تعالي وجبروته لتلحق بركب من سبقوها، في صوره انهيار مدوي لهذا الكيان السياسي- الحزبي الهش الذي يحمل بذور فنائه من ولادته، ولا سيما في حال تطلعنا إلى ما حدث وسيحدث من حراك سياسي حاد بين تياراته المختلفة وقياداته النافذة، وهذا ما ستنبئ به المرحلة القادمة.
والله من وراء القصد