الثلاثاء ، ١٩ مارس ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٧ صباحاً

الحرب والشائعات

عابد الراشدي
الأحد ، ٢٦ يناير ٢٠٢٠ الساعة ٠٨:٤٣ مساءً
هناك علاقة وطيدة بين الحرب والشائعات ، فالحرب بيئة خصبة للشائعة التي تعتبر من أسوأ ما قد تنتجه الحروب والأزمات، والشائعة في بداياتها الأولى ربما تكون مزحة ألقاها أحدهم في مجلسٍ ما دون أن يأبه لخطورة الأثر السلبي الذي قد تُحدِثه على نفوس الأفراد والمجتمعات، أو قد يكون لها هدف سياسي يسعى من خلاله طرف معين إلى تشويه صورة وسمعة الطرف المناوئ له، وبالتالي فإن إن الشائعة تحقق أهدافها الخبيثة إذا وجدت مجتمعًا قليل الوعي؛ محدود الثقافة، يفتقر إلى الخبرة في التعامل مع مجريات الأحداث.

الشائعات في خلاصتها مجرّد أكاذيب، ومحض افتراء، قد تختلف دوافعها وأسبابها وأحجامها إلا أنها تسعى لتحقيق غرض واحد هو الإضرار بالآخر، وتصدر عن أُناس فقدوا الثقة بأنفسهم، وضعُفَ ايمانهم، ديدنهم الكذب، وتزوير الحقائق_ الذي لا يختلق الشائعات منهم يشارك في الترويج لها أو الإضافة إليها_ وهم بذلك إنما يظلمون أنفسهم أكثر من أي شيء آخر، فيخسرون ثقة الناس عندما تنكشف أقنعتهم المزيفة، وتظهر حقيقتهم على الملأ.

فالشائعة ليست وليدة اللحظة بل هي قديمة قِدم الإنسان، وكتب التاريخ مليئة بالأحداث التي نتجت عن عدم التأكد من صحة هذه الشائعات، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل أحد الصحابة لجمع الزكاة من احدى القبائل لكنه يعود خالي الوفاض معللا بأن القوم ارتدوا ومنعوا الزكاة، فيرسل الرسول عليه الصلاة والسلام سرية بقيادة خالد بن الوليد لتأديب القوم، يقترب خالد من ناديهم فيجدهم يصلون الفجر خاشعين، آمنين مطمئنين!
قد يتساءل أحدكم قائلًا:
- مالذي جعل مُحصّل الزكاة يكذب؟!
لسبب بسيط هو أن بينه وبين تلك القبلية ثأر من أيام الجاهلية فخاف من بطشهم، واقترف بذلك خطأً فادحًا كاد أن يؤدي إلى سفك دماء الأبرياء، فنزلت الآية” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ“
(الحجرات :٦).

ليس طريفًا أن تتصل لأحدهم لتخبره_ كذِبًا_ أن فلان استشهد لتختبر ردة فعله، وبعد ذلك تأتي لتوضح أنك اقترفت فعلتك تلك من باب المزاح والتسلية!
إياك إياك فذاك باطل يُراد به باطل.