السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٢٧ صباحاً

الخارجية: فساد بالجملة في وزارة آيلة للسقوط

أحمد الكرندي
السبت ، ١١ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٠٧ مساءً
قد يكون تصور الكثير ممن لا يعرفون وزارة الخارجية وما تقوم به من أعمال أنها تكاد تكون الوزارة المثالية الأولى والوحيدة التي يغِيب فيها الفساد أو يكاد ينعدم، وهذا التصور تنافيه الحقيقة جملةً وتفصيلاً، فالفساد رُبما غُيبَ في السنوات الماضية بفعل الشخصيات اللآعبة فيه، والتي لم تتمكن جاهدةً من إبقائة في الزوايا والأروقة المظلمة والمخفية، وبالتالي بدأت الحقيقة المُرة في التبلور والظهور ليعرفها الجميع.

كثيراً من الوثائق عن هذا الكابوس المُرعِب في هذه الوزارة الهادئة بدأت تظهر بأعداد كثيرة ومتواتره، حتى أن بعضها لم يكن يتوقعها الموظف الدبلوماسي نفسه، وهو الذي يعاني الأمرين في أسلوب معيشته وكيفية أداء وظيفته في ظل راتب لا يكاد يكفي حتى لمواصلاته اليومية، بل أن ما كشفته بعض الوثائق أظهر أن الفساد وصل حد العبث حتى بمرتبات الموظفين التي يجب ألا تمس. وفي مخالفة صريحة للقوانين واللوائح المالية النافذة، أُنفقت مبالغ مالية كبيرة من الباب الأول – الأجور والمرتبات – لشراء أحمر الشفاه وعطور وإكسسوارات نسائية وبخور و... كهدايا قدمتها إحدى البعثات الدبلوماسية اليمنية المُعتَمدة في الخارج لبعض النساء في تلك الدولة المستقبِلة للبعثة. وربما الكثير من سفاراتنا في الخارج يتشابه حالها مع حال بعثتنا تلك. وحده الله – جلَ جلاله – يعلمُ المردود الذي ستقدمه تلك النسوة المُهدى إليهن هذه الهدايا – والتي كلَّفت ألآف الدولارات – للعلاقات الثنائية بين بلادنا وذلك البلد الصديق والحميم!!!

وبخصوص هذا، عَبَّرَ العديد من أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي عن إستيائهم وإمتعاضهم لجرأة المسؤولين في قيادة الوزارة على المساس بمرتباتهم وقوت أسرهم، وحرمانهم مما هو حقٌ لهم، واستهجنوا الممارسات الفاسدة التي تتبناها منظومة الفساد في وزارة الخارجية، وأكدوا أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذه الممارسات الخاطئة والفاسدة والباعثة للإشمئزاز، والمسيئة، في الوقت نفسه، لطبيعة العمل الدبلوماسي للجمهورية اليمنية.

وفي سياق متصل، سيظل صدى الكلمات يتردد في مخيلة الموظف الدبلوماسي الذي ذُهِلَ عند سماعه لتلك الكلمات والعبارات التي نطقَ بها معالي وزير الخارجية، الدكتور أبوبكر عبدالله القربي، مخاطباً موظفيه عن معرفته بالكثير من القضايا الحقوقية القانونية والمشروعة التي يطالب بها غالبية الموظفين، وهي مستحقة لهم ولم يتحصلوا عليها، علاوةً على علمه –حسب ما قال – بوجود قضايا فساد في الوزارة والبعثات الدبلوماسية في الخارج وأنه عاجز عن فعل شيء. إن قضايا الفساد هذه أضحت المِعول الذي ستُهدَّم به هذه المؤسسة الهامة إذا لم يتم تدارك الأمر والقيام بإنهائه وإجتثاثه فوراً وذلك بتعاون وتكاتف جهود الجميع، وفي مقدمتهم فخامة الأخ/عبد ربه منصور هادي، نائب رئيس الجمهورية، والقائم بأعمال رئيس الجمهورية بالإنابة طبقاً للمبادرة الخلجية وقرار مجلس الأمن رقم 2014، وهو من يُعوَّل عليه الكثير من الآمال الحالية والمستقبلية، بالإضافة لدولة الأخ/ محمد سالم باسندوة، رئيس مجلس الوزراء، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والهيئة العليا لمكافحة الفساد، وجميع الغيورين على بلدنا الحبيبة. أقتبس من تلك الكلمات ما نطق به لسان معالي الوزير عند حديثه عن الفساد المستشري في الوزارة، حيث قال: "... أنا أعرف أن هناك فساداً في الوزارة، وخصوصاً في الشؤون المالية والإدارية... لكن أنا لا أستطيع أن أتابع كل شيء ] كل صغيرة وكبيرة[ في الوزارة...".

صُعقت، كما صُعق الكثير، لسماع تلك الكلمات البسيطة اللفظ، لكن الكبيرة الدلالة والمعنى. لماذا قِيلت تلك الكلمات ومن ذلك المسؤول الأرفع في الوزارة؟!! ألم يكن حرياً به – مادام يعرف أن هناك فساداً – أن يحاربه ويكافحه ويوقفه؟!! ألم يكن من الأحرى كذلك أن يحيل ملفات أولئك الفاسدين إلى الأجهزة الرقابية والمحاسبية ومن ثم إحالتهم إلى القضاء؟ إذاً، لماذا سكت ويسكت عن الفساد الذي يعرفه ويعلم به؟ وأين هم نائبه ووكلائه الذين وجدوا لمساعدته في مهام عمله، وما هي صلاحياتهم ومسؤولياتهم؟ ولماذا لا يتخلى عن منصبه لمن هو أقدر منه (أو لمن يستطيع أن يقوم بذلك) إذا كان لا يستطيع فعل شيء لوقف العبث والفساد وإستنزاف المال العام؟
لقد بلغ الفساد – وبشكل مُوثق وملموس – حداً لا يمكن السكوت عليه في هذه الوزارة "السيادية"، وللأسف، ربما نما هذا الفساد وترعرع على مدى عقدٍ ونيف، وهو الأمر الذي يثير الغرابة ويضع الكثير من علامات الإستفهام، كما أن السؤال الذي عادةً ما يُطرح وباستمرار هو: لماذا ظهرت أو كُشفت الكثير من الوثائق التي تثبت إنتهاكات وفساد ومخالفات للقانون خلال هذه الفترة؟!!

عندما تحدث معالي الوزير عن مكان وجود الفساد الذي يعلمه، فُهم من كلامه أنه يشير إلى قطاع الشؤون المالية والإدارية الذي يتولى إدارته وبشكل مباشر وكيل الوزارة للشؤون المالية والإدارية، وأن هذا القطاع لا يديره أو يشرف عليه معالي الوزير مباشرةً وبشكل شخصي كقطاع الشؤون السياسية، وهذا غير صحيح كون الجميع يعرف بأن كافة القضايا ماليةً كانت أم إدارية يتم الإتفاق عليها بين كلٍ من معالي الوزير والوكيل للشؤون المالية والإدارية.

من ناحية أخرى، لا يستطيع أحد – بالتأكيد – أن ينكر بعض النقاط والأشياء الإيجابية التي حدثت في عهد معالي الوزير، لكن الموظف، وحتى الزائر لوزارة الخارجية لاحظ ويلحظ الكثير من الأشياء التي تثير وتبعث على الإستغراب والإستياء في آن واحد. فالجميع يعرف أن جميع الدوائر تعاني نقصاً حاداً في في أهم المتطلبات المكتبية كالأقلام،وأوراق البياض، والأحبار الخاصة بالآت التصوير والطباعة ناهيك عن أجهزة الكمبيوتر وآلات التصوير وغيرها، باستثناء مكتب معالي الوزير، وذلك على مدار الأعوام الماضية، وهنا نستغرب أين ذهبت الأموال والمبالغ التي خصصت في الميزانيه لهذا الغرض!!!

نوع أخر من أنواع الفساد الذي أتحدث عنه، لحِظه ولمَسه الموظف الدبلوماسي في كل الدرجات بداءً من درجة سفير وحتى درجة ملحق وذلك منذ قُرابة العام تقريباً، فقد حُولت سيارات إدارة الخدمات التي سُخرت في الأساس لخدمة الموظفين في الوزارة – وهي عديدة – إلى ملكية شبه خاصة لبعضٍ من قيادة الوزارة لخدمة أغراضهم الشخصية والعائلية، مما أضطرَ موظفي الوزارة من جميع الدرجات إلى إستخدام سياراتهم الخاصة أو سيارات الأجرة عند قيامهم بالأعمال الرسمية التي يُكلفون بها.

يحدونا الأمل بأن تجسد قيادة الوزارة مفهوم القدوة الحسنة، و تكون الأكثر حرصاً على المال العام، والنأي بنفسها بعيداً عن إستغلال الوظيفة العامة من أجل تحقيق مكاسب أو منافع شخصية، وذلك من خلال إعادة تلك السيارات لخدمة الوزرة وموظفيها حتى يتمكنوا من تنفيذ وإتمام المهام والمسؤوليات الرسمية المناطة بهم، والجميع يتمنى ألا يشاهد سفيراً أو دبلوماسياً على سيارة أجرة في الوقت الذي توجد فيه سيارات حكومية سُخرت أصلاً لخدمته وتسهيل مهام عمله.

الجدير بالذكر، أن هذه القضايا والوقائع تشعرنا – للأسف الشديد – بأن وزارة الخارجية،إذا استمرت تلك الممارسات، آيلة للسقوط، فالفساد المُمنهج الذي عايشه ويعايشه الموظف الدبلوماسي في وزارة الخارجية حتى يومنا هذا، سيكون القشة التي تقصم ظهر البعير، وهو نفسه الذي جعل بعضاً من أولئك الموظفين يرفضوا السكوت وإلتزام الصمت إحساساً وإستشعاراً بالمسؤولية وتجسيداً للشفافية والحكم الرشيد، وكون الفساد المُعيق الأول للتطوير والبناء المؤسسي.

كثيرةٌ هي الأسئلة التي حيرتني وحيرت من فكر بها وذلك في محاولة لمعرفة خباياها، وبصرف النظر عن التبريرات التي تسوقها قيادة الوزارة لما يُطرح في هذا الشأن، فإنني توصلت – في النهاية – إلى حقيقة وليس إلى جواب لِما حيرني وأدهشني، مفادها أن الإجابة على جميع التساؤلات التي سُقتها آنفاً يعرفها معالي الوزير شخصياً وبشكل قاطع، وأعتقد بأن القارئ قادر على التفكير ملياً لماذا وحده معالي الوزير من يعرف الإجابة!!!

وفي الختام، للحديث بقية.