السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٦ صباحاً

التحدي الأكبر أمام الرئيس "هادي"!

حبيب العزي
الثلاثاء ، ٢٨ فبراير ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
شكلت الانتخابات الرئاسية الأخيرة نقطة تحول كبرى في تاريخ اليمن المعاصر، إذ ولأول مرة بعد 33 عاماً ، رأى اليمنيون رئيساً جديداً للبلاد ، وإن لم يكن هو ذاك الرئيس الذي كانت تؤمله الجماهير في مختلف الساحات بعد عام كامل من الصبر والتضحيات ، إلاَ أنه كان الحل المقبول - نسبياً - في هذه المرحلة الحساسة والدقيقة التي تمر بها بلادنا ، بعد أن كان ذلك - وإلى ما قبل عام – أمراً يُعد من سابع المستحيلات ، كما أن نسبة الإقبال العالية للمشاركة فيها ومن ثم نتائجها ، كلها معطيات حملت معها دلالات كثيرة ، كان أهمها وعي هذا الشعب في أن المسار الديمقراطي هو الطريق الأمثل لاسترداد حقوقه ونيل حرياته ، أضف لذلك حضارية سلوكه المتمثل في وقوفه بطوابير طويلة أمام صناديق الاقتراع للإدلاء برأيه بكل حرية وشفافية ، ودونما رقيب عليه هذه المرة .

ولعل الدلالة الثانية أن هذه الانتخابات ونتائجها أظهرت كيف أن ثورة الشباب العظيمة قد بعثت الروح إلى الجسد اليمني من جديد ، فعاد ينبض بالحياة بعد أن كان قد استسلم للموت ، وأعادت الأمل للنفوس في إمكانية التغيير وأهميته ، بعد أن كان قد سيطر عليها اليأس والإحباط طوال عقود ، كما عكست مقدار تعطش هذا الشعب وتوقه للحرية والعدالة ، وإلى العيش الكريم كغيره من شعوب العالم .

ربما لا يختلف اثنان على أن المرحلة المقبلة هي غاية في الدقة والحساسية ، وأن الطريق فيها لن يكون مفروشاً بالورود امام الرئيس الجديد ، بقدر ما سيكون ممتلأً بالألغام ، الأمر الذي سيعكس مدى حنكته ومقدرته على إزاحتها بقدر كبير من الذكاء والدهاء السياسي ، والذي سيتضح لنا من خلال طريقته في التعاطي مع مختلف القضايا الشائكة ، فتحقيق أهداف الثورة ومطالب الثوار في إزالة بقايا رموز النظام من كل مؤسسات الدولة المختلفة ، بدءً من نجل الرئيس وأقاربه إلى أصغر فاسد ثبتت عليه تُهم نهب المال العام في أي مرفق كان ، ثم الهاجس الأمني المتصاعد ، والذي كان آخره حادث التفجير الذي وقع أمام بوابة القصر الجمهوري بالمكلا بعد ساعات قليلة فقط من أداء الرئيس الجديد لليمين الدستورية أمام البرلمان ، كل تلك قضايا محورية تشكل تحدياً للرئيس الجديد ، أضف إليها التحدي الأهم وهو إعادة هيكلة الجيش على أسس وطنية ، ثم قبل ذلك وبعده التحديات الآنية المتمثلة بالخدمات العاجلة التي ينتظرها المواطن من رئيسه الجديد كالكهرباء والماء والصحة وغلاء الأسعار وتوفير المشتقات النفطية وأسطوانات الغاز وغيرها من القضايا التي تمس حياة المواطن العادي بشكل مباشر.

لكن التحدي الأكبر – بتقديري – سيكون هو الرئيس "المخلوع" نفسه ، إذ أنه مصر – كما يبدوا - على عدم قراءة وفهم كل الرسائل الموجهة له من الشعب !.. الشعب الذي قال له بكل وسائل التحضر والتمدن "إرحل" !.. إرحل بفسادك فنحن لم نعد نطيقك !.. قالها طوال عام كامل في الساحات بشكل سلمي ، واليوم يكررها عبر الصناديق بوعي حضاري وسلوك مدني ، لكنه – على الأرجح – لا يفهم ، أو أنه "يتعامس" ، ولست أدري أغبي هو أم يتغابى ، لكن الغالب على ظني أنه من فرط مكره يتغابى .

فالمتتبع لكل تصرفاته وتصريحاته قبل وأثناء وبعد الانتخابات يجد أن الرجل لازال يحشر نفسه في كل شيء ، و"مش ناوي يجبها لبر" كما يقال ، فتصريحاته مستفزة وتحركاته مريبة ، تعكس حالة التخبط والهستيريا وعدم الاستقرار النفسي الذي يعيشه ، الأمر الذي ينعكس سلباً على سلوكه ، فهو تارة يقول بأنه سيبقى يمارس العمل السياسي رئيساً للمؤتمر، وتارة أخرى بأنه سيعود لليمن لمواجهة "الإخوان المسلمين" وتنظيم القاعدة ، ومرة سيعود للمشاركة في التصويت ، وأخرى "للمشاركة في مراسيم التنصيب" ، ثم قوله بأن بلده تعرضت لمؤامرة ، لكن الشعب تغلب عليها بوعيه حسب قوله ، وأخيراً وليس آخراً يدعوا الشعب للعمل مع الرئيس الجديد ، بل أكثر من ذلك .. فقد وجه سابقاً – ولا أدري بأي صفة يوجه - بإنزال صوره ورفع صور "هادي".. في مشهد دراماتيكي يبعث على الضحك والسخرية في آن.

ولعلنا نصل من كل ذلك إلى قراءة واحدة مفادها .. أن حب السلطة والتشبث بها لا زال هو المسيطر الأول على ذهنية الرجل وعقله الباطن ، ومن سيعتقد بأن "صالح" قد غادر المشهد السياسي تماماً فهو مخطئ بكل تأكيد ، ويبدوا لي أن الرجل عندما أدرك أن كل حيله في التشبث بالسلطة باءت كلها بالفشل ، بدأ يستفيد من الحصانة الممنوحة له لممارسة أفانين جديدة في المكر والدهاء المعهودة منه ، فنراه قد بدأ يُظهر للعالم وبخاصة الدول الراعية للمبادرة الخليجية أنه مقتنع بالرحيل عن السلطة ، وأنه بات راضِ عن التغيير وانتخاب نائبه بديلاً عنه ، وأنه قد قبل ذلك بإرادة منه وبروح رياضية عالية ، لكنه في حقيقة الأمر لازال يضمر بداخله الرغبة في الانتقام من كل خصومه أكانوا في المعارضة أو من أولئك الذين تخلو عنه في اللحظات الأخيرة ، ولذلك لا أستبعد أن يتحالف – ليس مع عناصر الحراك المطالبة بفك الارتباط أو مع الحوثيين وتنظيم القاعدة فحسب - وإنما حتى مع الشيطان نفسه ، بهدف إفشال أي مشروع للتغيير أو الاستقرار داخل اليمن ، وأكاد أجزم أنه كان وسيظل وراء كل الأحداث التخريبية التي تحدث بين الحين والآخر هنا أوهناك ، فمن الواضح أن الرجل قد قطع على نفسه عهداً وأقسم يميناً مغلظاً بأنه لا يمكن لليمن أن تشهد بعده استقراراً سياسياً أو اقتصادياً ما دام فيه عرق ينبض بالحياة.