السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٢٩ صباحاً

إعادة بنآء وليس هيكلة الجيش !!

صالح السندي
السبت ، ٠٣ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
ربما إنه لمن السابق لأوانة الحديث مجددا عن هيكلة الجيش والخوض في غمار هذا الشأن , وطرح الرؤى والتصورات لاعادة هيكلة الجيش في ظل حكومة وفاق فاقدة الشرعية ونظام وليد مستمد شرعيته- اصلا- من نظام سابق , ولكن مادار من حديث الساعة وجدل مستفيض في هذا الشأن جعلنا نقف وقفة جادة و مسؤولة لتوضيح معاني ودلالات هيكلة الجيش والمصطلحات المرافقه لإعادة الهيكلة , ووضع رؤية صادقة بخصوص هذا الشأن , يتبادر الى الذهن للوهلة الاولى ان هيكلة الجيش تعني إقالة جميع قيادات ومراكز وقوى الجيش والأمن المقربة من الرئيس السابق والمحسوبة علية سوآء اخوانة او ابناءة او ابنآء اخية أو أقاربة وشبكات محسوبياته , وهذا في حد ذاته يعتبر فهما قاصرا وناقصا للامور الهيكلية والتأسيسية للجيش اليمني ومراكز القوى المتحكمة فية , ونظره ضيقة لمفهوم التغيير الكلي والجذري التام والمطلق في البنية التحتية للقوات المسلحة والأمن .

بغض النظر عن هذه الاطروحات والمعاني ما نجدة فعلا مثمرا ومفيدا هو المطالبه الكلية والجدية باعادة بنآء وتأسيس الجيش اليمني ككل , وليس مجرد تغييرات محصورة فقط في قمة الهرم القيادي دون المساس بقواعدة وكتائبة ووحداته العسكرية والأمنية , والتأسيس البناء الوطني والجذري لقوات الامن المركزي والحرس الجمهوري , لعدة أسباب أساسية:

1 - ان مفهوم تغيير هيكلي فقط للقيادات في القوات المسلحة واخراج اقارب الرئيس السابق من مراكز القوى لا يفي بالغرض الاساسي و الكلي في بناء الجيش البنآء الوطني الصحيح واعادة ترتيب صفوفة ووطنيتة وولاءة , لأن التسلسل القائم وعلى مدى حكم النظام السابق 33 عاما ولد من قمة الهرم الى القاعدة سلسلة متتالية من القيادات والرتب العسكرية الغيروطنية افرزتها العلاقات الأسريه الحميمة وصلات القرابة والقبيلة والمناطقية المتجذرة في القيادات والأفراد , عبر الوساطات والمحسوبيات وتسلسل الابنآء تباعا وتوريث القيادات ودمجها في تبوؤ المراكز القيادية والعملية الحساسة , افقدت الجيش اليمني وقوات الامن المركزي والحرس الجمهوري القيادة الفعليه والانصياع للارادة الشعبية العامة , فتغيير اشخاص فقط بحد ذاتة لا يفي بالغرض ولا يكفي لتحقيق الهدف المنشود منه , نظرا للكم الهائل والمتسلسل من القيادات التي اعلنت الولآء للقيادة الاسرية دون الوطن , وهذا تم تقسيمة حسب الولاءات والقناعات الحاكمة والمقربة في تشكيلة الحرس الجمهورية تحديدا وتدريبة وإنفاق الاموال الطائلة عليه من الخزينة العامة , واعادة انتشار الويتة كمنظومة دفاعية وحامية للنظام الاسري المفصلي المتمركز في صنعاء والسبعين على وجة الخصوص .

2 - تغيير القيادات -فقط -اذا حدث فعلا دون التوجة الى إعداد القوات المسلحة وكوادرها واعادة بناءها وتأهيلها التأهيل الوطني الصحيح على أسس القيم والولاء الوطنية المطلقة , يكون غير كافيا وناضجا لتحقيق الهدف المنشود من اعادة الهيكلة بمفهومها الشامل , اذا لم يكن هناك تغيير جذري وتربية وطنية خالصة واعدة وصادقة, وغرس قيم الولاء والتضحية والفدآء , تخرج العقلية العسكريه من قيم الولاء المطلق للقائد العام الى عامة الشعب, وتحررة من أسر الهيمنة العسكرية المستبدة الى رحابة وخدمة الشعب , وتلبي المكتسبات الوطنية بحماية المواطن والذود والدفاع عن الوطن, وتسخير الإمكانيات والقدرات والآلة العسكرية لخدمة الوطن , وما تم خلال اندلاع الثورة الشبابية ليوضح مدى القصور والفتور في هذا الجانب , وانتفاء مبدأ الولاء الوطني كليا , و الخروج عن الارادة الشعبية والاجماع الوطني والارتهان للحاكم الاسري المطلق والدفاع والذود عنه , حسب التعبية الذهنية السابقة والخاطئة بأن الوطن هو الرئيس , والرئيس هو الوطن , نتج عنه سلسلة من المجازر وسقوط عدد من الشهدآء والضحايا , ووجهت فوهات البنادق وآلة القمع العسكرية الى الصدور العارية , وقصفت المنازل وقتل الاطفال والنساء والشباب بلا رحمة او أدنى مسئولية وطنية , كما حدث في أرحب وتعز و التعرض لمسيرات صنعاء وفي عموم محافظات الجمهورية شمالا وجنوبا , وما حدث قبلها خلال حروب صعدة الست وما نتج عنها من قتلى وخراب وازهاق للارواح والانفس , يوضح مدى الفقر والنقص والإفلاس في قيم الولاء الوطني الخالص لدى القوات المسلحة بشكل عام , والانصياع طوعا لأوامر القائد وتنفيذها دون النظر الى العواقب , ودون وضع اية اعتبارات للدماء الزكية ولحقوق الشعب وسقوط العدد المهول من الضحايا.
يجعل في نهاية المطاف من النظره الى هيكلة القيادات الاساسيه دون النظر الى الجيش كوحدة كلية وقيادة متكاملة يجب اعادة تأهيلها وبناءها يعتبر انجازا منقوصا لا يلبي الطموحات الشعبية بالتغيير , كما حدث في الإنجازات إبان الثورة الشبابية والتي تمخض عنها ثورة شبه كاملة او نصف ثورة , وتباعا تولد عنها نظاما هشا مشوشا وخليطا من النظام السابق والمعارضة أكسب النظام ككل شرعية ناقصة ومفقودة , انه لمن الصعب بمكان هنا المطالبة الى التسريح الكلي لقوى الجيش والأمن واعادة بنآءة من جديد , نظرا للعوامل والظروف الأمنية الخاصة والمعاصرة التي تمر بها اليمن , ولكن الدعوة الى البنآء في ظل وجود الجيش القائم مع التغيير الجذري للقيادات العليا والتحتية والدون تحتية مع الإبقاء على قواعد الجيش وكتائبة ووحداتة العسكريه دون تغيير مع مراعاة إعادة التأهيل والتأطير وبنآء الجيش البنآء الوطني القويم , ربما يؤدي الى تحقيق الغايات المنشودة من هذا الطرح والآلية التنفيذية بنجاح في حال تحقيق شروطها كاملة .
رغم عدم وجود صورة كلية وتوافقية لإعادة الهيكلة المزعومة للجيش والأليات المتبعة لتنفيذها , وما تم الفتره الاخيره من قرارات عزل وإقصآء لبعض القيادات الاسرية واركان النظام السابق من الوية الجنوب والشرق , واعادة دمجها بقرارات رئاسية ايضا في مراكز قوية اخرى ومؤثرة لهو في حد ذاته مدعاة للتعجب لتغيير القيادات على طاولة الشطرنج الوطنية وتبادل الادوار لامتصاص غضب الشارع , والإيحاء للرأي العام ان هناك ثمة تغييرات في الأفق القريب وان الامور تبشر بخير , ولكن ما يحدث فعليا هو تبادل الادوار وهيكلة الأوضاع وإعادة ترتيب الاوراق تبعا لرغبات ومصالح النظام , وتنفيذ قرارت سابقة مجمدة واعادة تفعيلها ضمن المغازلة والمجاملة السياسية والعسكرية التي الغت معها كل سبل الولآء والانتمآء لبناء وطن جديد .
اذن ما نحن بحاجة الية هو بنآء جيش وطني جديد , قائم على الوطنية الحقة وحماية الشعب والدفاع عن اراضية ومكتسباته وانجازاته الثورية والجمهورية , وهذا ما يضع مسألة هيكلة الجيش ومدى جديتها ومصداقيتها على المحك , نظرا للارتباط القائم والتغيير القوي المتزامن في ظل وجود اركان النظام السابق سياسيا في الحكم , فكيف سيتم سحب البساط من تحت اقدام الاسرة الحاكمة وقياداتها في ظل الولاء المطلق الحاصل من بعض رموز النظام , والعلاقة الجادة مع اطراف العملية العسكرية السابقة , والتي كانت خلال الثورة الشعبية تنفذ الأجندة السياسية للنظام وباوامر رئاسية وسياسية بحتة , وهذا ما يؤدي مباشرة الى التساؤل عن جدية إتباع اسلوب الثواب والعقاب والمحاكمة والقصاص ممن ارتكبوا جرائم انسانية وقتل المتظاهرين والشباب خلال الانتفاضة الشعبية .
فأي رغبة لاعادة هيكلة محاور الجيش وقياداتة دون النظر الى مسألة المحاكمة وفتح جميع الملفات الامنية والعسكرية , وماترتب عليها من اصدار الاوامر وارتكاب الجرائم يجعل منها لاغية كليا وباطلة , و اذا لم يكن هنا تزامن وتوازي فعلي في التغيير السياسي والعسكري معا , يقود وبصورة مباشره الى اسقاط النظام كليا , يجعل من اية مخططات لترتيب أوراق ومراكز الجيش والأمن فاشلة حتما , وربما هذه النظرة بالذات هي من جعلت النظام السابق يستبق الاحداث ضمن خطط مدروسة و يتمسك بزمام المبادرة الخليجية لانقاذة واخراجه مستقبلا من تبعات اية ملاحقات قضائية سواء سياسية او عسكرية , مما ترتب عليها لاحقا العدالة الانتقالية والحصانة الكاملة , والتي هي في مفهومها الصحيح مجرد مصالحة وطنية لاعتبار ان ما حدث في اليمن ازمة سياسية , كان الثمن الباهض والمكلف لهكذا تسويات هو تقديم الشهدآء والتنازل عن حقوق ذويهم ومطالبهم المشروعة بالقصاص العادل ككبش فدآء للعملية السياسية .

3-إن إعادة هيكلة الجيش بمفهومها القائم ستواجة عراقيل وتحديات كبيرة جدا تتثمل في التراكم البنيوي والعملياتي وتوزيع الوحدات والكتائب والالوية العسكرية لما بعد الوحدة ومانتج من تراكمات ومخلفات حرب صيف 94 من اعادة خلط الاوراق وتوزيعها على اسس مناطقية وأسرية بحتة , استحوذت فيها قبيلة الرئيس السابق نصيب الاسد في تركيبة وتركة الجيش والتحكم في مفاصل الحكم والقرار , وبذا تغير تباعا التوزيع الكلي للوحدات والالوية في عموم محافظات الجمهورية على هذا الاساس , مما يعيد ترتيب الاوضاع لمجرد هيكله -فحسب- غاية في الصعوبة , وما نجم عنه في المناطق والمحافظات الجنوبية والشرقيه من تحديات قاصمة انهكت جنوب الوطن على مدى سنين في ظل حروب وصراعات وعمليات انتقامية وعسكرية , نظرا لان اكثر الوحدات ومراكز القوى المسيطرة -شماليا- حسب التعريف العسكري السائد على ارض الواقع , نجم عنها افرازات من التمرد خاصة في الضالع وابين وحضرموت , وصلت لحد المطالبه باعلان فك الارتباط والانفصال , كانت احدى ثمارة الحراك الجنوبي السلمي كممثل لجنوب الوطن وقضيتة المشروعه , ضد تمادي الحكم الاسري والقمع العسكري الممتد في جنوب الوطن , وارتكاب الجرائم والتهميش والاقصاء وفرض السلطة بقوة السلاح , دون النظر الى العواقب المستقبلية التي تهدد دولة الوحدة الوليدة , مما يجعل الآن اية تسويات عسكرية قيادية دون النظر الى المكونات القاعدية والبنيوية للجيش وادماج القوى البشريه من المحافظات الجنوبية بل وتسليمها زمام الامور في اية هيكلة قادمة , يكون عجزا و اعلانا مبكرا بفشل اية تسويات أو هيكلة قائمة على هذا الأساس , تجنبا لاية عواقب وخيمه مستقبلا قد تؤدي الى الفيدرالية او الكونفيدرالية او فك الارتباط في حال فشل الوحدة الاندماجية .

4-وبالذهاب شمالا إلى محافظة صعدة على خارطة الجمهورية اليمنية نجد تقسيم الولاءات العسكرية والقبلية ظاهرا بشكل اكبر , نظر لتمركز القوى الحوثية وسيطرتها على اغلب المناطق في اطار الحكم الجمهوري لليمن , نتيجة حتمية ومتلازمة لما تعرضت له تلك المناطق المنكوبة من اعتدآءات متكررة لاسباب مجهولة من النظام السابق , وفي ظل غياب هيبة الدولة وسلطة القانون برز دور القبيلة والتيارات الدينية كقوة مسيطرة وفاعلة في المجتمع والمحافظة ,وامتدت اثارة الى الجوف وحجة ومأرب لنجد دور السلطة المركزية للدولة ضعيف جدا , مما يستدعي النظر بعين جادة الى اعادة البنآء في تلك المناطق المنكوبة بعد ستة حروب طاحنة ,اهلكت الحرث والنسل, وعلية يجب فتح الملفات العسكرية والأمنية كاملة ,ومعرفة اسباب تلك الحروب وحصر الضحايا والتعويضات والاضرار , وتقديم الجناة ممن تسببوا بتلك الجرآئم للمحاكمة العادلة , واعادة صعدة الى كنف الجمهورية اليمنية محافظة لها كامل حقوقها ومواردها الإنمائية والاقتصادية, إن ترك هذا الموضوع الشائك دون حلول واقعية وجذرية يقودنا الى طريق مسدود في اية امنيات مستقبلية بهيكلة الجيش اليمني .

اذا لم تكن هناك نظرة جادة وواقعية لإعادة بناء وليس هيكلة الجيش , لإعادة تأسيس وليس ترميم القوات المسلحة و الأمن , يجعل هذه المهمة شبه مستحيلة ينتج عنها تباعا نتائج لا تحمد عقباها من الاثار السلبية والسياسية قد تؤدي الى حرب اهليه وصراعات مستقبلية , مما يترتب عليه خلق بؤر صراعات قادمة , ومشاكل متجددة الوطن في غنى عنها , في خضم التغييرات السياسيه القادمة والمرحلة الحساسة والخطيرة التي تمر بها اليمن , فاخطبوط الولاءات العسكرية لن يتغير فقط بتغيير القيادات المحسوبة على النظام والاسرة الحاكمة , ومفاهيم الوطنية وقيم الولاء الوطني والإنتمآء لهذا الوطن الكبير لن تتحقق في ثقافة وضمائر عناصر وافراد القوات المسلحة بإعادة ترتيبات وتغييرات شكلية وسطحية فحسب , اذا لم يكن هنا نظرة عميقة جدا الى صلب الموضوع وجوهر التغيير , والبحث عن مكامن الخطر والنقص , واجتثاث النظام العسكري كليا من جذورة واعادة بنآء القوات المسلحة بنآءا وطنيا خالصا , سننتظر ربما مزيدا من انتاج الولاءات الاسرية والفردية وشخصنة النظام بشقيه العسكري والسياسي بصور وحلل جديدة , تقودنا في نهاية المطاف الى التسليم الكلي للإرادة الشعبية للتغيير المطلق دون أية استثنآءات.