السبت ، ١١ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤١ صباحاً

اللقاء المشترك نموذج للحل في سوريا!

حبيب العزي
الاربعاء ، ١٣ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
كثر الحديث - في الآونة الأخيرة - عن النموذج اليمني كحل "للأزمة" السورية ، كما يحلو للدبلوماسية الغربية أن تسميها ، وبخاصة منها الروسية والصينية ، وكان آخر ذلك ما ورد الخميس الماضي على لسان وزيرة الخارجية الامريكية السيدة / كلينتون ، أثناء مؤتمرها الصحفي مع نظيرها التركي في اسطنبول على هامش المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب ، وكذلك ما ورد بذات اليوم على لسان نائب وزير الخارجية الروسي السيد/ بوجدانوف ، والحقيقة أن تلك الأحاديث والتصريحات قد تكون في ظاهرها مدعاة للفخر والتباهي لنا نحن اليمنيين ، كون أن العالم – ربما ولأول مرة في التاريخ الحديث - ينظر إلينا على اعتبار أننا نموذج ناجح ، ولكننا يجب أن لا نصدق أنفسنا ، أو نبالغ كثيراً في تباهينا ذاك ، حداً يجعلنا مثاراً للسخرية أمام ذاك العالم ، فمنذ متى كان أصلاً هذا العالم "المُتمَصْلح" يمتدح الشعوب "هكذا لله " إلاّ إذا كان هناك " بين الرُّز بصل" كما يقال في المثل الدارج ، أو بين ثنايا ذاك المديح تكمن إنَّ وأخواتها .

إن الحقيقة – وفق تصوري الشخصي على الأقل- هي أن المبادرة الخليجية عندما تبلورت ، لم تكن من أجل سواد عيون اليمنيين ، أو حباً وولهاً بثورتهم ، بقدر ما كان يُقصدُ بها كبح جماح تلك الثورة ، حتى لا تصل إلى غاياتها الكاملة في تحقيق الأهداف ، ولأن الكمال في تحقيق أهداف الثورة ليس في صالح الطرف "المُبَادِر" فقد سارع بإمساك العصا من منتصفها قبل أن تنكسر ، وحتى لا يكون هناك غالب أو مغلوب ، وعندما لا يكون هناك غالب أو مغلوب فلا بديل إذاً عن الحوار بين أطراف الخلاف ، والحوار معناه التساوي بين الأطراف المتحاورة ، وذاك يعني المساواة بين الجلاد وضحيته ، وبين المقتول وقاتله ، وساعتها لن يجد الضحية أمامه سوى التسليم بالقاعدة الفقهية القائلة "ما لا يُدرك كُله ، لا يُترك جُلُّه" وهذا ما حصل فعلاً على أرض الواقع لثورة اليمن وثوارها على حد سواء.

أضف لذلك أن العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة عندما بارك تلك المبادرة وقدم لها الدعم، لم يكن ذلك أيضاً حباً وولهاً باليمنيين، ولكن إرضاءً للحليف الخليجي من ناحية ، ومن منطلق أنه يريد أن "يسْكَه الضجة والداوية" – بالتعبير الدارج - لأحد أصوات الربيع العربي ، المزعجة بالنسبة له ، لكن حديثنا هذا لا يعني بالضرورة أن تلك المبادرة كانت سيئة على إطلاقها ، كما أننا لا ننكر أنها أسهمت في حقن دماء اليمنيين، وذاك أمر ليس بالهيِّن أو القليل، لكننا أردنا أن نسمي الأشياء بمسمياتها حتى لا تلتبس الأمور على المواطن البسيط ، ويظن ان العالم بات متيماً به وبتجربته "من صدق".

إن القول بالنموذج اليمني حلاً ملائماً لما يجري في سوريا ، كان يمكن أن يقبله العقل قبل عام من اليوم على أقل تقدير، لكن الحديث عنه اليوم بات أمراً معيباً، بل ويُعد برأيي "وقاحة" للدبلوماسية العالمية ، خصوصاً بعد مجازر الحولة في حمص وقبر فضة في حماه ، وكذا بعد 15 شهراً من القتل والذبح والتنكيل اليومي بالشعب السوري الصامد والصابر ، من قبل عصابة الإجرام "الصهيوإيراني" ، وما هذا القول للدبلوماسية العالمية إلاّ دليل عجز واضح ، وتغليب فاضح لمصالح دولها الذاتية على حساب الشعب السوري ، ليس روسيا والصين فحسب وإنما حتى تلك الدول التي تتباكى يومياً كأمريكا وبريطانيا وفرنسا ، أضف لذلك الخور الذي أصاب "دُمانا المتحركة" داخل الجامعة العربية التي لا تعدوا عن كونها "أطرش" وسط الزفة.

ثم كان على كل من يقول بالنموذج اليمني حلاً لسوريا، أن يقرأ جيداً المشهد السياسي لكلا البلدين على أرض الواقع قبل ثورات الربيع العربي أولاً، ثم المقارنة بين الثورتين ثانياً ، ليجد أن الفارق شاسعاً ولا يستقيم لمثل تلك المقارنة على الإطلاق ، وفي حال جاز لنا القيام بمثل هكذا مقاربة، فسيكون سياقها الواقعي والموضوعي هو القول "بأن الثورة السورية بحاجة إلى نموذج تكتل أحزاب اللقاء المشترك في اليمن، كحل لها في مواجهة نظام بشار الأسد " وليس للنموذج اليمني بمعنى "المبادرة الخليجية"، لأن أصل الحل في اليمن هو – بتقديري - لم يكن في المبادرة الخليجية ذاتها ، وإنما كان في سلوك تكتل اللقاء المشترك الإيجابي حيالها ، ومبادرته في التوقيع عليها من الوهلة الأولى، ومع أن ذاك أمر ايجابي يحسب له، إلاَ أننا يمكن أن نفهمه في سياقه الموضوعي والزمني ليس أكثر ، لكن الأهم – برأيي- من ذلك كله أن ذاك التكتل كان قد استطاع أن ينفرد بخلق تجربة مثالية للعمل المشترك بين أقطاب المعارضة اليمنية ، وهي تجربة رائدة وتستحق فعلاً أن تكون محل بحث ونقاش كما تستحق التقدير والاحترام ، بل وليس عيباً أن تتعلم منها كل القوى المُعارِضة للأنظمة الديكتاتورية في عالمنا العربي أكان في سوريا أو حتى في بلدان عربية كبيرة وعريقة كمصر مثلاً .

إذاً – ووفقاً لهذا السياق- فإن النموذج الحقيقي الذي يجب أن يُقَدَّم على أنه نموذج ناجح للحل في اليمن ، هو نموذج اللقاء المشترك ، وليس المبادرة الخليجية ، وهو النموذج الذي كان يجب على المعارضة السورية أن تستلهمه بشكل أو بآخر ، حتى تُجنب سوريا كل هذه الويلات ، أو تحُدَ منها على أقل تقدير، إذ أنه ليس من السهل على الإطلاق أن تستطيع بناء تكتل يضم مجموعة أحزاب تختلف كلياً في الأيديولوجيا وفي الفكر معاً ، ثم تلتقي على برنامج موحد في الرؤى والأهداف ، ليس ذلك فحسب ، بل وتستطيع الاستمرار كل هذا المدى الزمني الذي يقارب الثمان سنوات أو يزيد إن لم تخني الذاكرة ، إلاّ إذا كانت لدى قياداته من الحكمة والدهاء السياسي ما تستطيع بهما قراءة المعطيات على الواقع المحلي والإقليمي والدولي من حولها ، قراءة جيدة ، تتسم بقدر عالِ من البرجماتية والموضوعية ، وهو ما أعتقد أن تلك القوى والأحزاب قد قامت به فعلاً من خلال تكتل اللقاء المشترك.