الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٣٤ مساءً

الغارات الأمريكية مرةً أُخرى..

صالح السندي
الاربعاء ، ٢٧ يونيو ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
يبدو أن البر وحده لم يشبع غريزة المحتل ونهمة الشديد للتوسع والإنتشار والفوضى وفرض السيطرة في ربوع السعيدة , و لم يعد كافياً لإستيعاب تدخلات امريكا في اليمن فاستباحت الجو ايضا لضرب المدن والقرى الآمنة وقتل الأبرياء , بالأمس تطالعنا الاخبار عن سابقة خطيرة جدا واستثنائية في تأريخ الضربات الأمريكية واستهداف رموز القاعدة عن غارة امريكية لطائرة بدون طيار على بئر احمد في محافظة عدن , بحجة ملاحقة فلول تنظيم القاعدة في قلب المدن الرئيسية , و تقصف بشكل عشوائي ومباشر , وليس المهم هنا كم عدد القتلى وهل تم استهداف الهدف بجدارة؟ و هل حققت الغارة غايتها وقتل الضحية؟ ولكن ما يهمنا فعلا هو قدسية المكان وحرمة المدن اليمنية خاصة الرئيسية منها.

فعمّا قريب وليس ببعيد سنسمع حتماً عن ضربات وقائية استباقية لطائرات بلا طيار في قلب العاصمة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية الرئيسية , وستسرح وتمرح الطائرات الأمريكية في الأجواء اليمنية كما يحلو لها بلا رقيب ولا عتيد , لم نسمع انها قامت بذلك التعدي السافر حتى في عمق الأراضي الباكستانية والأفغانية , ولم نسمع ان طائرات بلا طيار قصفت القاعدة في اسلام اباد او كراتشي او كابول وخلفت ضحايا وقتلى , لم يكن هكذا حالها في باكستان وبقية الدول المستباحة للتدخل الأمريكي , فلم نسمع في كابول مثلاً انه تم استهداف تنظيم القاعدة وبطائرات بلا طيار في قلب العاصمة والمدن الكبرى , بل كانت مسرح الأحداث تدور في البقاع والفيافي والوديان البعيدة وفي المناطق الغير آهلة بالسكان , ربما لأنه هناك توجد سياسات معينة تتبعها تلك الدول في الحفاظ على الأقل الممكن من ماء الوجة والكرامة الوطنية وصون المكتسبات و السيادة.

يبدو ان سكوت السياسة اليمنيه المتعمد وغضها الطرف عن التجاوزات الأمريكية أغرى الإدارة الأمريكية وبشدة وسال لعابها واستباحت الأرض والجو وبلا حدود , يبدون ان التنازلات المهينة للحكومة اليمنية في الحفاظ على سيادتها وحماية أراضياها والدفاع المشروع عن مكتسبات الأمّة , ترك المجال مفتوحا امام التدخل الأمريكي الغاشم ليسهب في التدخل وبقوة , ولذا بلغ السيل الزبى وطفح الكيل من التدخلات الأمريكية والتجاوزات الشديدة في عمق الاراضي والبحار اليمنية والإنتقاص الشديد من السيادة الوطنية .

يبدو ان العم سام أغراه الصمت السياسي والشعبي وفضّل البقاء معششا في الأجواء وعلى الرؤوس واصبح من الطبيعي والمعتاد جدا رؤية طائرات الرصد الأمريكية وهي تحلق في الأجواء صبح مساء في مختلف القرى والمدن اليمنية من اقاصي شمال الشمال الى الجنوب, وبينما تغط الحكومة المبجلة في سباتها العميق متعامية عن أداء واجباتها الدستورية يدير السفير الأمريكي في اليمن جيرالد امفرستاين شئون البلاد , ويستقبل الوفود ويعقد المؤتمرات ويطلق التصريحات.. بل ويتدخل في القرارات الجمهورية السيادية من تعيين قادة الجيش و الوحدات الأمنية والعسكرية , وصارت صورته المألوفة تكتسح شاشة الاخبار وتغطي صفحات الصحف والعناوين الأولى , ويطغى حضورة الصفوف الأولى من الاحتفالات في اشهار حزب ما او اقامة فعالية ما .. بل ويتدخل في السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب ويسرد الإملاءات ويسن القوانين وبخبرات أجنبية.

وفي القريب يطير بزيارة خاطفة الى محافظة أبين يبارك للجيش انتصاراته على القاعدة ويتفقد احوال القوات المسلحة وما آلت الية الامور هناك ويضع أكاليل الزهور على قبور الشهدآء, سعادة السفير يتجول في المدن والمحافظات بحرية مطلقة وبصورة استفزازية ومشينه جدا , وبحراسة الدولة ومن اموال الشعب وعلى مرأى ومسمع من الجميع , وتقلّة الطائرات المروحية والخاصة الى اقاصي اليمن في زيارات معلنة وغير معلنة وبمواكب مرافقة و حراسة مشددة, هكذا اصبحت اليمن في ظل حكومة الوفاق الرشيدة وبمباركة الأحزاب التي تدعي انها اسلامية تخطف الأضواء وتبارك للسفير التجول وترافقه رحلاتة وصولاتة وجولاتة الميدانية.

وإن كان نظام علي صالح مشبّع بالفساد والرشوة والإفراط في السيادة , إلا انه -والحق يقال- كان أهون بكثير وشديد في التعامل مع مجمل القضايا الحساسة من سيادة واستقلال , خاصة ما يمس الجانب الأمريكي وتدخلاتة في اليمن وان تم بصورة غير معلنة , كان يتم انكارة وبشدة ومن وراء جُدر , لكن ان يكون الآن جهارا نهارا وعلى رؤوس الشهود والأعيان وفي ظل حكومة منتخبة فهذا مالم يحصل من قبل أبداً و لايقبله عقل بشر.

ولأن سعادة السفير اعتاد على تقبل الإنتقادات الشعبية والجماهيرية بسعة ورحابة صدر فقد أمعن في استفزاز الشارع اليمني وتلك الإبتسامة العريضة لا تفارق محياة أبدا , ولعلة لا يعرف مدى الجرم الشنيع الذي يقوم به , ولعلة لا يعرف مدى حرمة إنتهاك ارض دولة ما علناً, ولعل من يرافقة لم يقوم بالترجمة اللغوية الصحيحة عن مدى الإستياء الشعبي العام من هكذا تصرفات وتجاوزات ونقل الصورة كاملة, أم انها سياسة الإستغباء والبرود الشديد التي تنتهجها الدول الكبرى في إمتهان وإذلال الشعوب بلا مبالاه , المهم أن الضحكات العريضه وتوزيع الإبتسامات والمجاملات تعبر عن مدى رضاه وقبولة عن سير العمليات العسكرية هناك , الإمعان الشديد في الإستفزاز جعلة ضيفاً غير مرحبا به جماهيرياً وشعبياً وغير مرغوب به في بلد الإيمان والحكمة , بعد كل هذه التجاوزات والعنتريات السياسية والتدخل السافر والمهين , وعدم التزامة أداب الضيافة والإقامة الدبلوماسية و جهله بأدبيات التعامل السياسي , وبعد تجاوزه اسوار حدود سفارته واقامتة الى العبث واللعب هنا وهناك في مختلف المدن والشؤون الداخلية.

كان الأحرى والأجدر بنا .. قبل ان نلوم السفير ونوجة له الإنتقاد شديد اللهجة , ان ننتقد سياستنا وحكومتنا الموقرة التي تركت الحبل على الغارب وسكتت عن سيل التدخلات السافرة , ولم تقم بإجراءات قوية وحازمة لردعة ومن يقف وراءة , كان الأولى.. ان نوجة أصابع الإتهام مباشرة الى الحكومة عن هذا العبث الحاصل وننتقد مسيرتها وافراطها في أداء واجباتها الدستورية وتفريطها في المكتسبات والثوابت الوطنية , كان الأولى .. بالمظاهرات والمسيرات بدلاً من التوجة الى السفارة الأمريكية التوجة الى مجلس رئاسة الوزراء وانزال جام غضب الشعب على الرؤوس الحاكمة الغافلة عن ادنى مقومات الحفاظ على العزة والكرامة , او العمل على ابتعاثها الى الخارج لتدرس اقل الدروس في الوطنية والولاء والانتماء , واعادة الثقافة والتأهيل الوطني العالي.

فحكومة عاجزة وليست بقادرة على حماية شعبها وأرضها , كان الأولى بها الإستقاله والهروب من اللعنة الأبدية التي ستظل تطاردها على مرّ التأريخ , حينما تنتهك الأجواء اليمنية وتضرب مدينة عدن , والتي كانت وعلى مرّ التأريخ القديم والمعاصر عصيّة على الغزاة عزيزة حرة أبية برجالاتها وأعلامها , حتى أتت حكومة الخزي والعار لتجعل من درة البحر العربي وجوهرة اليمن مجرد مهبط للطائرات والقذائف وتجعل من الأجواء مسرحا للعمليات الإستباقية والضربات الوقائية , فهل تم ذلك بإذن وعلم مباشر من السلطات اليمنية ,ام انه سيطالعنا ال باسندوة ليذرف الدموع تلو الدموع وينكر معرفته مرة اخرى بهكذا تجاوزات ولم يسمع عنها إلا في الاخبار المطوّلة عن القائمة الطويلة من الإنتهاكات الصارخة والمستفزة.

تناقلت وسائل الاعلام تلك الصورة الموثّقه لزيارة السفير الأمريكي لمحافظة ابين برفقة وزراء الإصلاح وتلك الضحكات العالية والقهقهة لم تفارق محياهم أبدا, لسنا ندرى ما سر تلك السعادة الغامرة الواضحة في الوجوه الباسمة,هل هي على كرامة وطن مسلوب؟ ام على الإنتهاكات المتعمدة ام على سقوط العديد من الضحايا والأبرياء ونزوح الآلاف المؤلفة من أهالي تلك المناطق وتشردهم في البراري والقفار بلا مسكن ولا مأوى يحيون مخاطر المجاعة والأمراض والأوبئة؟

الإستمرار في مسلسل التنازل المهين هذا سيؤدي الى وطن محتل إحتلالاً كاملاً ,ان لم يتم بتر الساق الأمريكية في اليمن فسنجدها تكبر وتنمو وتتجذر وتستفحل في البلاد وتهيمن على الوطن باكملة , وان لم يتم ايقاف السفير الامريكي واطلاعه بواجباته الدبلوماسية والسياسية والمحدودة جدا من العلاقات الثنائية والاقتصادية حسب الاعراف الدولية , فسنجد المزيد من التدخل والإمتهان بما يمس بصورة مباشرة سيادة الوطن واستقلالة, حينها لن نجد وطناً نفخر به ونحيا في ربوعة بعزة وكبرياء.